لقطات: 23 ديسمبر و25 يناير أيام لها تاريخ

260

فى حياة الأمم و الشعوب هناك دائما أيام لها تاريخ. و الأمم الواعية هى التى تحيى ذكرى تلك الأيام، تأكيدا لمغزاها فى حياتها و ترسيخا لها فى وجدان الأجيال. وبالنسبة لنا فى مصر، أتوقف هنا فقط عند تلك الأيام التى تحل ذكراها قريبا: 3 مارس 1919 (ثورة 1919)، و 23 ديسمبر 1956 (عيد النصر، يوم خروج آخر جنود العدوان الثلاثى من أرضنا)، و 25 يناير 2011 (الموجة الأولى لثورة 2011). حقا، إنها جميعا أيام لها تاريخ. لكنى سأرجئ الحديث عن ثورة 1919 إلى ما بعد، و أتوقف هنا متأملا مناسبتى عيد النصر و ثورة يناير: ماذا فعلنا بها و لها؟
نبدأ بعيد النصر. فمنذ ثلاثة أيام فقط، حلت الذكرى الثانية و الستون ليوم 23 ديسمبر 1956. وهو يوم لو تعلمون عظيم. و لكن للأسف، فإن الأجيال الحديثة من المصريين لا تعرف عنه شيئا. فما الذى يمثله هذا اليوم فى حياة شعبنا؟ وأين هو الآن من ذاكرتنا؟ إنه يرمز إلى العدوان الثلاثى انتصارنا على العدوان لذى شنته بريطانيا و فرنسا و إسرائيل علينا فى أكتوبر عام 1956. فبعد أن قامت مصر باستخدام حقها المشروع فى تأميم شركة قناة السويس فى 26 يوليو من نفس العام، شنت بريطانيا و فرنسا و إسرائيل على مصر عدوانا غير مشروع، بدأ فى شهر أكتوبر واستمر حتى ديسمبر، لاغتصاب القناة من مصر. لكن الشعب المصرى وقف ظهيرا قويا للجيش فى دحر العدوان. و فى يوم 23 ديسمبر عام 1956 غادر آخر جنود العدوان الثلاثى أرض مصر.
لم يأت ذلك من فراغ، بل كان نتيجة صمود مدينة بورسعيد و بسالة شعبها. وحينذاك غنت شادية “أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد… لتبوس لى كل إيد حاربت فى بورسعيد”. و بفضل هذا الصمود لُقِّبت بورسعيد بلقب “ستالينجراد الشرق”، تشبيها لها بمدينة ستالينجراد الروسية التى أبلت بلاء حسنا ضد الهجوم الألمانى على روسيا فى الحرب العالمية الثانية. و أصبح العدوان الثلاثى على مصر يعرف فى تاريخ العالم بحرب السويس، نسبة إلى قناة السويس التى كانت محور ذلك الصراع. كما تم إعتماد يوم 23 ديسمبر من كل عام عيدا وطنيا مصريا هو “عيد النصر”. و لكن هذا العيد الوطنى المستحق طواه النسيان و لم يعد يذكره أحد، و تحول بـ”قدرة قادر” إلى مجرد عيد لمحافظة بورسعيد وحدها. و هذا فى رأيى جريمة؛ لأنه يوحى بأن بريطانيا و فرنسا على الأقل بعد كل جرائمهما أثناء العدوان الثلاثى ليسوا أعداء بل هم فى التنمية معنا شركاء. و هذا مسخ لتاريخ الوطن، و تفريغ لذاكرة الأجيال الصاعدة.
أما بالنسبة إلى 25 يناير، فالأمر أشد خطورة لأنه يتجاوز النسيان إلى النُّكران. فهناك أصوات تتعالى هذه الأيام مستنكرة أن “25 يناير لم تكن ثورة بل كانت مؤامرة”! و هناك أصوات أخرى تتعالى محذرة بأن “25 يناير لا يمكن أن يحدث مرة أخرى”!. و كل هذه الأصوات و تلك هى لعناصر الثورة المضادة. فقد عاد نظام مبارك يطل علينا الآن مرة أخرى؛ و لكن برأس جديدة بعد أن أسقط الشعب رأسه فى 12 فبراير 2011. إن الحكم على 25 ينايرلا يكون، و لن يكون، من جماعات مصالح أو أشخاص. بل هو حكم التاريخ. و سيحكم التاريخ بأنها ثورة، و لو كره الكافرون. و تأكيدا لذلك نقرأ فى ديباجة دستور البلاد الذى أقره الشعب فى يناير 2014: “ و ثورة 25 يناير – 30 يونيه، فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التى قُدرت بعشرات الملايين، و بدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبِتَجَاوُزِ الجماهير للطبقات والإيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، و بحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، و بمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضاً فريدة بسلميتها و بطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معاً”.
مطالبة:
فى وداع 2018 و استقبال 2019أ، أطالب بالعودة إلى الاحتفال بعيد النصر كعيد وطنى و بثورة يناير كثورة كبرى. فالشعوب تحيا بالذاكرة، و الأمم تنهض بالتاريخ. و إن شعبا بلا ذاكرة هو شعب بلا وعى، و أمة بلا تاريخ هى أمة بلا مستقبل.

التعليقات متوقفه