المواطنون يدفعون فاتورة الإصلاح الاقتصادى.. السياسات الخاطئة وراء اتساع الفقر.. واستبدال الدعم العينى بالنقدى.. كارثة

451

أدى تنفيذ الحكومة لبرنامج الاصلاح الاقتصادى، وفقا للاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولى، والذى يهدف الى الغاء الدعم والرفع المباشر لأسعار السلع والخدمات وزيادة الضرائب وأسعار الوقود والكهرباء والمياه والغاز الطبيعى، إلى زيادة الأعباء على المواطنين وتدهور مستوى معيشتهم، وأصبح إجمالى ما يحصل عليه الفقراء والطبقات المتوسطة من دعم يتآكل من خلال السياسات الاقتصادية التى تتبعها الحكومة..وبدلا من حمايتهم تم تقليص الدعم المخصص لقطاع الحماية الاجتماعية فى الموازنة العامة للدولة بنحو 2 مليار جنيه عن العام الماضى..

وإذا كانت الحكومة تصرخ من ارتفاع فاتورة الدعم وزيادة عبئها على الموزانة العامة للدولة، فإن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الدعم أصبح ضرورة للعديد من الفئات الاجتماعية فى المجتمع نتيجة للسياسات الاقتصادية التى تتخذها الدولة، والتى ادت لارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة، فحول خط الفقر يعيش نحو ثلث السكان ما بين فقر مدقع..وفقر، وحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن نسبة الفقر فى مصر بلغت 27.8%.. فما هو الحال بعد ارتفاعات الأسعار الأخيرة التي تشهدها جميع المنتجات والخدمات ؟ومحاولات الحكومة المستمرة لتقليص الدعم..ولماذا تتحمل الطبقات الفقيرة وحدها تبعات هذه السياسات؟
الدعم التموينى
منذ الثمانينيات وقضية الدعم تشغل جميع الحكومات المتعاقبة.. ولم تنته المحاولات لخفض الدعم تحت دعوي إعادة الهيكلة أو تحويل الدعم العيني إلى نقدي، وأخيرا بحجة وصول الدعم لمستحقيه.. ففى الوقت الذي كان فيه الدعم يغطي أكثر من 90% من الشعب المصري فى بداية الثمانينيات عندما كان عدد السكان 40 مليون مواطن، تراجع الدعم الآن وأصبح يغطي 72 مليون مواطن هم المستفيدون من دعم البطاقات التموينية، بحسب وزارة التموين والتجارة الداخلية، ووقتها كان هناك أكثر من 18 سلعة مدعومة بجانب السلع الاستهلاكية الأخري، ولكن مع مطلع التسعينيات تراجع الدعم وأصبح مقصورا على الزيت والسكر والأرز والعيش فقط.. واليوم وبعد ثورتين قام بهما الشعب مازالت المحاولات مستمرة لخفض الدعم بدعوي ضمان وصول الدعم لمستحقيه.. لجأت الحكومة المصرية فى يونيو عام 2014 إلى تطبيق ما اسمته المنظومة الجديدة لدعم السلع التموينية، وهى المنظومة التى أثارت حالة من الجدل عقب تطبيقها ورفضها عدد كبير من المواطنين مؤكدين أنها تسببت فى خفض حجم الدعم الحقيقى الذى يحصل عليه الفرد.
ولم تكتف الحكومة بذلك بل توالت تصريحات المسئولين بوزارة التموين مطالبة بتنقية بطاقات التموين وقامت الوزارة بشطب آلاف من المستحقين، وفى محاولة لامتصاص غضب الجماهير صرح “على المصيلحى” وزير التموين عدم استحقاق من يتقاضى 7000 جنيه دخل شهرى أو يزيد عنه للدعم التموينى، وفتح باب التظلمات لمن تم حذفه عشوائيا من البطاقات التموينية،كما أن الوزارة اقتصرت الدعم الكلى على طفلين فهى تمنح الاسر التى لديها طفلين على البطاقات التموينية دعما نقديا كاملا 50 جنيها للفرد اما الطفل الثالث له دعم جزئى قدره 25 جنيها.
تكافل وكرامة
أما برنامج “تكافل “الذى تطبقه الدولة كمساعدة شهرية مؤقتة لحماية الفقراء من آثار الإصلاح الاقتصادي، فهو يستهدف الأسر الفقيرة بشرط انتظام أبنائها فى تلقي خدمات صحية والانتظام فى الدراسة، وتبلغ قيمة المعاش 325 جنيها فى الشهر، بالإضافة إلى ٦٠جنيها للطفل دون عمر السادسة، ويرتفع إلى ٨٠ جنيها لطفل المرحلة الابتدائية، ١٠٠ جنيه لطالب المرحلة الإعدادية ١٤٠ جنيها للمرحلة الثانوية،ويشترط لحصول الأسرة على الدعم أن يستمر أطفالها فى الحضور بالمدارس بنسبة لا تقل عن 80% من أيام الدراسة الفعلية، والحد الأقصى للأطفال المستفيدين من هذا البرنامج هو ثلاثة أطفال للأسرة الواحدة،وسيتم اقتصار الدعم على طفلين بداية من يناير القادم.
وبرنامج “كرامة” فهو يستهدف كبار السن فوق 65 عاما والأشخاص ذوي الاعاقة غير القادرين على العمل -بنسبة إعاقة 50% فأكثر يوفر 325 جنيهًا شهريًا لكل فرد تنطبق عليه شروط البرنامج داخل الأسرة، ومبلغ 425 جنيهًا للفردين داخل الأسرة الواحدة، و550 جنيهًا لثلاثة أفراد (وهو الحد الأقصى للبرنامج) داخل الأسرة الواحدة.
وبحسب وزارة التضامن فان عدد المستفيدين من معاشات الدعم النقدي “تكافل وكرامة” بلغ 2 مليون و230 الف اسرة حتى الآن تضم حوالى 9،5 مليون مواطن، ويبلغ إجمالي ما تم صرفه على البرنامج منذ بدايته فى مارس 2015 وحتى الآن نحو 21مليار جنيه، وخصصت وزارة المالية مبلغ قيمته 17.5 مليار جنيه لمعاشات الدعم النقدي( تكافل وكرامة) خلال موازنة العام المالي الحالى،ورغم ذلك لم تفلح المعاشات الجديدة فى منع ارتفاع نسبة الفقر التى زادت من 26،3% فى عام 2013 قبل ثورة 30 يونيو الى 27.8% فى 2015.
وساهمت سياسات الدولة المالية فى زيادة اعداد الفقراءه..هذا ما أكدته دراسة بعنوان “النقود وحدها لا تكفى” صادرة عن «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» فى فبراير 2018، وأشارت الدراسة إلى أن عدد المستفيدين من تكافل وكرامة ليس محدودًا فقط، لكن أيضًا بالمقارنة بمعدّل الفقر الذي وصل إلى 27.8% فى عام 2015 أي قبل عام من تطبيق إجراءات نوفمبر الاقتصادية من تحرير سعر صرف الجنيه، وما ترتب عليها من موجة تضخمية.
ونوهت الدراسة إلى أنه عند المقارنة بـ “التجربتين الرائدتين فى مجال الدعم النقدي المشروط، البرازيل والمكسيك”، اللتين غطت فيهما تلك البرامج نحو ربع السكان فى البلاد، فإن تغطية كل من المعاشات المشروطة وغير المشروطة فى مصر تعد “محدودة للغاية”
واوضحت الدراسة انه لا قيمة لتحفيز الأبناء على الدراسة طالما أن معدلات البطالة مرتفعة فى أوساط الفئات الأعلى تعليمًا، كما أن تطبيق برنامج تكافل فى الوقت الذي لا تلتزم فيه الدولة بالإنفاق الدستوري على التعليم يجعل هذا المعاش مجرد أداة لإسكات الفقراء عن الاحتجاج على الضغوط التضخمية وليس معاشًا تنمويًّا كما تزعم الدولة.
وترى الدراسة أن سياسة التحويلات النقدية بمفردها لن تكون قادرة على مواجهة الفقر بصورة مستدامة بدون سياسات كلية تهدف إلى تحفيز النمو وخلق فرص عمل مستدامة تستجيب لمعايير العمل الدولية.
رفض الدعم النقدى
عارض د. جودة عبدالخالق، وزير التضامن السابق واستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، منذ سنوات طويلة الاتجاه لإلغاء الدعم العيني وتحويله إلى دعم نقدي، مؤكدا أنه فى ظل عجز الحكومة عن السيطرة على الأسعار فإن الدعم النقدى غير مجد، مشيرا إلى أن هذا الدعم سيتجه إلى جيوب التجار والمحتكرين فى السوق دون أن يؤدى ذلك لتحسن فى مستوى حياة الفقراء.
وأوضح أن البديل النقدي يمكن أن يكون مناسبا إذا توافرت عدة شروط منها أولا: أن يكون هناك إمكانية لضبط الأسعار وأن قيمة الـ50 جنيها –الدعم المخصص للفرد-لا تتآكل بمرور الوقت،وتابع أن هذا الأمر مستحيل لأن معدلات التضخم المعلنة 13%فى حين أنه يصل لنحو 20% وهذا يعنى أن الـ50 جنيها سوف تقل قيمتها السنة القادمة.
وتابع: الأمر الثانى هو توافر قاعدة بيانات تعرفنا من هم المستحقين للدعم النقدى..وهذا الأمر أيضا غير متوافر بسبب تضارب الأرقام والإحصائيات فى مصر، وبالتالى فان الدعم النقدى غير ممكن عمليا لاستحالة توصيل الدعم إلى الفئات المحتاجة نظرا لضعف قاعدة البيانات والمعلومات عن الأسر الفقيرة فى مصر.
سياسات خاطئة
ويؤكد د.جودة أن الدعم مرتبط بالفقر فى المجتمع حتى فى المجتمعات الرأسمالية، فهو ليس بدعة مشيرا إلى أن اتساع الفقر فى مصر نتيجة اتباع سياسات اقتصادية خاطئة، فالحكومة بكل همة ونشاط تنفذ برنامج صندوق النقد الدولى والصفة العامة لهذا البرنامج الليبرالية الجديدة فى المجال الاقتصادى، واتخاذ الإجراءت عديدة من أجل النمو الاقتصادى غير أن ثمار هذا البرنامج لن يتحقق إلا بعد فترة طويلة، أما الفترة الحالية فنجد أكثر الفئات معاناة هم الفقراء، وفى كل دول العالم التى طبقت هذا البرنامج ثبت فشل هذه الفلسفة، ولكن من أجل تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة سعت الحكومة للحصول على قروض من كل اتجاه، وحملت الطبقات الفقيرة تكاليف ما يسمى بالاصلاح، بدليل أن الميزانية المخصصة لبند الأجور فى موازنة العام الحالى تقدر بـ 262 مليار جنيه ارتفعت عن العام الماضى بنحو 10 %، فى حين أن معدلات التضخم ارتفعت لأكثر من 13%، وهذا المعلن وهذا يعنى أن زيادة الأجور أقل من معدل التضخم، وبالتالى فإن الأجور الحقيقية التى يحصل عليها العاملون انخفضت.
وفيما يخص الدعم والذى يقدر فى موازنة الدولة بـ 330 مليار جنيها يمثل نحو 23%من المصروفات أى أن قيمته ثابتة مقارنة بالأعوام السابقة، وبالتالى فإن قيمته انخفضت مع ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، وهذا يعنى أن ما تقدمه الحكومة من دعم نقدى أو عينى مشروط أو غير مشروط انخفضت قيمته.
وأكد د.جودة أن ما يحصل عليه الفقراء من دعم قيمته تتآكل من خلال السياسة المالية التى تتبعها الحكومة وهذا يوضح تحيز الحكومة للأغنياء على حساب الفقراء مبينا أن المخصص لفوائد الدين العام فى الموازنة يصل إلى 581 مليار جنيه أى أن ما يدفع للدين أكثر من ضعف المخصص للأجورو الدعم.
وتعليقا على شطب أفراد مستحقين من بطاقات التموين وإيقاف معاشات الضمان الاجتماعى ومعاشات تكافل وكرامة للكثير من المستحقين بدعوى مراجعة البيانات وحذف غير المستحقين قال د.جودة :هذا نوع من التحايل، مشيرا إلى أن وزارة التموين تدعى أن حذف أفراد من البطاقات التموينية تم بطريق الخطأ فى حين أنها ليست حالات فردية، بل هناك ملايين الأفراد تم حذفهم مما يدل أنها سياسة متعمدة فيها نوع من غياب الشفافية والمصارحة، وكذلك الأمر فى معاشات الضمان تم حذف حالات مستحقة..فالحكومة تضحى بالفقراء فى سبيل سداد ديونها ودفع فوائد هذا الدين.
قنابل موقوتة
ومن جانبه أشار د. رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، إلى أنه ليس من أنصار الدعم النقدى، خاصة فى ظل فشل الحكومة فى الرقابة على الأسواق وعدم قدرتها على التصدى لارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن التحول إلى الدعم النقدى مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستمر جعل المواطن فى النهاية لا يحصل على أى دعم حقيقى، وأكد أن الدعم العينى يضمن للمواطن الحصول على رغيف الخبز، أما فى حال تطبيق الدعم النقدى فلن يستطيع شراءه.
وأوضح أن الحكومة تسعى إلى التوفير، ولذلك أصدر رئيس الوزراء مؤخرا قرارا باقتصار الدعم على طفلين، فهو يريد توفير ملايين الجنيهات على حساب الفقراء، موضحا أن تخفيض الدعم للأسر التى لديها أكثر من طفلين سيؤدى لخروج الأطفال التى تم حذفها من الدعم إلى الشارع، وبالتالى تزيد معدلات الجريمة ويتحول هؤلاء الأطفال الى قنابل موقوتة تنفجر فى وجه المجتمع، فالدولة ممكن أن توفر من تنفيذ هذا القرار 100 مليون جنيه، ولكنها ممكن أن تخسر مليارات الجنيهات إذا تحول هولاء الأطفال لإرهابيين مثلا وقاموا بضرب السياحة من خلال تفجير اتوبيس سياحى مثلا، فماذا جنت الحكومة من هذا القرار؟!
وأشار إلى أن محاربة الفساد واستغلال طاقات الشباب وإعادة تشغيل المصانع المغلقة..كل هذا يمكنا من توفير مليارات الجنيهات ولن نحتاج التوفير من دعم الفقراء.
وهم الدعم
فيما أكد النائب هيثم الحريرى، عضو مجلس النواب، أن نصيب المواطن من الإنفاق الاجتماعى تقلص خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى تراجع دور الحكومة فى تقديم الكثير من الخدمات العامة واتجهها لفرض رسوم متزايدة مقابل الحصول على ما يفترض تقديمه مجانا، بحكم الدستور كالتعليم فى المدارس والجامعات الحكومية، وكالعلاج فى المستشفيات العامة.
وأضاف اضطرت كثير من الأسر لتعليم أبنائها فى المدارس الخاصة، بالإضافة إلى مصروفات الدروس الخصوصية بسبب تدهور التعليم فى المدارس الحكومية، وأيضا اضطروا إلى العلاج الخاص هربا من العلاج فى المستشفيات العامة، بالإضافة لارتفاع أسعار فواتير المياه والكهرباء.
وتابع، الناس لا تحصل على دعم حقيقى فمبلغ الـ50 جنيها مقابل رفع الدعم عن الطاقة أم زيادة أسعار المياه والكهرباء أم مقابل ارتفاع أسعار السلع الغذائية التى ارتفعت أسعارها بشكل جنونى.
التمكين الاقتصادى
أما د.يمن الحماقى، استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، فأكدت أن أقل الطرق كفاءة لمواجهة الفقر فى هذه المرحلة الانتقالية هو الدعم النقدى، لأنه أسلوب ثبت فشله، مشيرة إلى أن التمكين الاقتصادى للأسر الفقيرة من الإجراءات الحمائية مطلوب فى الوقت الراهن، وهو أهم كثيرا من المنح المؤقتة والبرامج الاجتماعية، وقالت يجب وضع خطة واضحة للتمكين الاقتصادى لأبناء الطبقة الكادحة، بمعنى توفير فرص عمل لهم ومساعدتهم على عمل مشروعات لها عائد مضمون، وتمكنهم مستقبلا من الاعتماد على أنفسهم، وشددت على ضرورة الاهتمام بقطاع الصناعة والزراعة لأنهما من القطاعات التى تعطينا فرصا لتنوع هيكل الإنتاج، مشيرة إلى أن جميع الدول الناجحة فى مواجهة الفقر ركزت على التمكين الاقتصادى للنهوض بالأسر الفقيرة وحل المشكلة من جذورها كما حدث فى الصين.

التعليقات متوقفه