فى ندوة الاتحاد النسائى التقدمى: تزايد معدلات الطلاق.. يدق ناقوس الخطر

مطلوب قانون أسرة جديد يرتكز على مبادئ العدل والمساواة

4٬404

طالب عدد من رموز النخبة السياسية والاجتماعية بضرورة وضع قانون جديد للاحوال الشخصية يرتكز على مبادئ المساواة وعدم التمييز والمواطنة والعدالة والاحترام المتبادل والمسئولية المشتركة واعلاء مصلحة الطفل فى حالة الخلاف بين الوالدين, ويستلهم الرؤى المستنيرة والفهم الصحيح للاديان ويهتدى بخبرات الدول العربية فى هذا المجال ,وضرورة السعى من اجل تغيير ثقافة المجتمع التى تسمح بالتحاليل من اجل اهدار حقوق النساء,وتبنى خطاب دينى يساعد على اعلاء مبادئ العدل والمساواة والانصاف, وتأهيل منظومة القضاء ,الشرطة,مكاتب الأسرة.
جاء فى الندوة التى عقدها الاتحاد النسائى التقدمى بحزب التجمع تحت عنوان «مستقبل الاسرة المصرية..وقانون الاحوال الشخصية».

اكدت «ماجدة عبد البديع» ان قانون الاحوال الشخصية اصبح يمس كل بيت خاصة وفى ظل ارتفاع معدلات الطلاق خلال عام 2018 والتى وصلت الى مليون حالة طلاق سنويا وارتفاع عدد المطلقات الى اكثر من 5,6 مليون مطلقة على يد مأذون الامر الذى نتج عنه تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل ,وهو ما يهدد بانهيار المجتمع.
واشارت الى ما فعله «محمد مهاتير» رئيس وزراء ماليزيا السابق ,عندما خفض نسبة الطلاق من 45%إلى 3%وذلك عن طريق انشاء مراكز لـتأهيل المقبلين على الزواج.
واضافت انه رغم كثرة التعديلات التى خضع لها قانون الاحوال الشخصية الا انها بقيت تعديلات لا تمس جوهر القانون وفلسفته ,ولان هناك عددا كبيرا من النساء والرجال والاطفال ضحايا لقوانين الاحوال الشخصية لذلك نحن بحاجة الى قانون جديد للاحوال الشخصية يقوم فلسفته على مبادئ العدل والمساواة لافتة الى أن هناك دراسة دعى اليها مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, شاركت فيها امينات المراة بالاحزاب وبعض منظمات المجتمع المدنى نتج عنها تصور لمشروع قانون جديد للاحوال الشخصية.
تشريع جديد
واكدت د»أماني الطويل» أن هناك مجهودات عديدة لاصدار قانون جديد للاحوال الشخصية لاننا امام قانون يحكم المرأة المصرية منذ قرن من الزمان مشيرة الى أن الأسر المصرية تعاني من قانون الأحوال الشخصية الحالي، حيث أن التعديلات التي طرأت عليه جعلت الوحدة الموضوعية للقانون مفقودة بما أسهم فى تآكل نسيج الأسرة المصرية حيث ارتفعت نسب الطلاق وزادت الخصومات فى المحاكم.
وقالت «الطويل «إن هناك الكثير من الدراسات التى قمنا بها بمركز الاهرام للدراسات اكدت أن عدم اقدام المراة على العمل واجتياز المواقع القيادية وعزوفها عن المشاركة السياسية يرجع الى عدم شعورها بالامان داخل اسرتها.
وأشارت الي أن المجلس القومي للمرأة قام بتكوين لجنة فى أغسطس 2017 للقيام بوضع تشريع جديد للأحوال الشخصية تضمنت ممثلين عن وزارات العدل، والتضامن، والداخلية، والخارجية، والكثير من المعنيين من الأجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ومركز الأهرام للدراسات، وقد نجحت هذة المبادرة فى بلورة قانون جديد راعي البيئة الدينية والثقافية الراهنة للمجتمع المصري ,وتابعت:أن المحددات المستقرة لهذا القانون تتركز فى الحفاظ على الأسرة كوحدة متكاملة، تخفيف الخصومة بين الزوجين، الحفاظ على متطلبات الحماية النفسية والاجتماعية للأطفال، تنظيم الخطبة وبعض مسائل الزواج، توسيع حق المرأة فى طلب التطليق، تنظيم حق الاستضافة والرؤية والحضانة بما يراعي المصلحة الفضلى للطفل والحفاظ على حقوق الطفل، فضلا عن حقه فى النسب وطالبنا واوصت اللجنة بضرورة تعديل المنظومة القضائية ومنظومة المأذونيين,وأن يكون هناك تساوى فى الاجراءات بين الاطراف لان تنفيذ الاحكام يقع دائما على عاتق المرأة , ولكن حماس اللجنة التشريعية للمجلس القومي للمرأة لم تكن كافية لبلورة إرادة سياسية تسعي الي تغيير كامل للقانون ,خاصة اننا الان فى 2019 ولم يتم مناقشة هذا القانون ,اما بالنسبة لمشروع قانون حزب الوفد المعروض على البرلمان فاعتقد انه الى حد كبير غير متوازن.
وانهت حديثها مؤكدة أن الاوضاع الحالية تتطلب اصلاح تشريع شامل وسن قانون جديد عادل يساوى بين اطراف العلاقة فى الاسرة,ويأخذ بعين الاعتبار المعطيات والمتغيرات التى طرأت على المجتمع ,بأن المراة تعول وتعمل وتربى الاطفال والبعد عن كل العادات والتقاليد السائدة التى اصبحت تحكمنا اكثر من صحيح الدين.
أراء فقهية
اما د»ثريا عبد الجواد»فأشارت الى انه منذ عام 1920 ونحن لدينا حزمة من القوانين تحكم قضايا الاسرة المصرية من زواج وطلاق ونفقة وحضانة ورؤية الابناء ,ورغم خضوع هذه القوانين للتعديل عدة مرات الا انه فى كل مرة يتم التعديل تستند التعديلات على اراء فقهية تمتد الى الف عام للوراء ولم تعد مناسبة لما حدث من تطور لظروف المراة المصرية..فنحن نحتاج منظومة قضائية تقوم على العدل والمساواة بين الرجل والمراة.
واوضحت أن كل المشكلات الناتجة عن القانون الحالى سببها فلسفة القانون القائمة على مبدأ القوامة للرجل وهذا يرجع الى الفكر الدينى السائد الذى يتطلب الى تحديث عاجل,مشيرة الى أن الخطاب الدينى فى مصر ينقسم الى مستويين : المستوى الدينى المرتبط بالنصوص والسنة وهذا قد يكون نقيا فى صورته الاولية,اما المستوى الثانى فهو المنظور الثقافى للمستوى الدينى وهذا المنظور يقف عائقا امام تغيير القانون خاصة وأن نظرة اصحاب المنظور الثقافى قائمة على التمييز وتفوق الرجل.
واكدت «استاذ علم الاجتماع»أن سبب ما نحن فيه الان من تمييز ضد المراة والتعامل معها بأنها مخلوق درجة ثانية هو النظر لها باعتبارها وعاء للجنس وهذا يتضح فى تعريف الائمة والفقهاء الاربعة للنكاح بانه اباحة الاستمتاع بالمراة ,فى أذهان جميع الرجال والنساء أن المراة التى لا تستجيب تعاقب لانها تغضب الله..هذا هو الفكر والثقافة السائدة..ورغم أن هذه التعريفات وضعت وانتهت منذ العصر السادس الهجرى وانتهى عصر الاجتهاد الا انها تحكمنا حتى الآن,فنحن لا نزال نتقيد بمذهب الامام أبو حنيفة النعمان.
وتابعت:ان الخطاب الثقافى المرتبط بالدين لا يريد تغيير هذه الاوضاع بل يسعى لاستمراريتها من خلال التشريعات مثل ربط الانفاق على الزوجة مقابل الطاعة ,ولم يتطرق التشريع ماذا تفعل الزوجة عند نشوز الرجل..وطالبت د»ثريا عبد الجواد» بضرورة تنقية الخطاب الدينى الثقافى ,وفك الارتباط بين قوانين الاحوال الشخصية ومفاهيم انتهى عصرها ,فرغم أن الاسلام كرم المراة الا اننا لدينا محظورات كثيرة بحكم الموروث الثقافى الدينى.
وفيما يخص دور الدولة فى اصلاح قانون الاحوال الشخصية اوضحت د»ثريا» أن الدولة منذ عام 1920 وهى عازفة عن اصلاح قوانين الاحوال الشخصية بما يدعو للمساواة والعدالة بين الزوجين وكانت مصلحة الدولة تصب دائما فى عدم الاصلاح وعدم التغيير ولذلك فهى تستخدمها كترجمة لمصالحها ومصالح النخب السياسية المتصارعة معها ,فمثلا فى عهد «عبد الناصر»طوال 18 عاما لم يقترب لتعديل قوانين الاحوال الشخصية ولم يرد الاصطدام بالتيارات الدينية رغم انه اصطدم بمؤسسة الازهر وقام باصلاحات كثيرة الا قانون الاحوال الشخصية ,وفى عهد «مبارك»رغم الضجة التى صاحبت قانون الخلع ومحكمة الاسرة نجده انه مجرد تبسيط لاجراءات التقاضى..
واكدت د»ثريا» الى اننا نحتاج الى تغيير فى فلسفة وهذا دورنا كمجتمع مدنى والحركة النسائية والاحزاب والنقابات ,مشيرة الى ان الذى يدفعنا الى المطالبة بتغيير القانون ما طرأ على الواقع الاجتماعى ليس فقط ازدياد معدلات الطلاق وتشريد الاطفال ولكن عزوف الشباب عن الزواج,فأغلب الاجيال الجديدة لديها نظرة تشاؤمية عن الزواج ,لافته الى أن تغيير القانون ليس هبة من الدولة أو مؤسسة الازهر ولكنها ضرورة اجتماعية,وتعتبر جزءا لا يتجزء من عمليات تطوير المجتمع والديمقراطية ,فبناء الاسرة يحتاج الى اعادة هيكلة لا يتطلب الطاعة والاذعان والتسليم بأن السكوت علامة رضا..ولابد من تبنى فلسفة جديدة للقانون قائمة على العدالة ومبادئ حقوق الانسان ,وان يتم فض الاشتباك بين ماهو مقدس وماهو اجتهادات وافكار متشددة.
صناعة القوانين
واشارت «عزة سليمان» الى ان اى تصحيح او تغيير لقانون يمس حياة الناس او الاسرة او العلاقات الاجتماعية وقوانينها كقانون الاحوال الشخصية لابد ان يكون مواكبا للتطورات على كافة الاصعدة بما فيها التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالاضافة الى العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان عامة وحقوق المراة خاصة ,مشيرة الى ان كثيرا من القوانين الحالية اصبحت بالية ولا تتناسب مع العصر.
واضافت أن المؤسسة قامت باعداد مشروع قانون للاحوال الشخصية فى نوفمبر 2017 وعقدنا جلسات استماع مع كل الاطراف ,وحاولنا التفرقة بين الشرع والاراء الفقهية خاصة وأن وضع المراة الآن مغاير تماما لما كانت عليه وقت وضع الاراء الفقهية منذ اكثر من 1200,لافتة الى أن دور الازهر الاجتهاد وتغيير المفاهيم السائدة الخاطئة ,والتفسير الصحيح لمقاصد الشريعة الاسلامية.
واشارت «عزه سليمان»الى أن المشكلة التى تواجهنا هى كيف تصنع القوانين فى مصر؟فعندما تم تشكيل لجنة من الازهر لتعديل قانون الاحوال الشخصية تكونت من ست رجال وامراة واحدة ,واغلب المشاركين فى اللجنة من تيار المحافظين,اللجنة تتعامل مع القانون وكأنه اسرار عسكرية ترفض الافصاح عنه ,فعندما حاولنا أن نعرف من أى قانون سوف تنطلق اللجنة ومؤخرا عرفنا أنهم يعكفون على تعديل 100 مادة فى قانون صاغه مجمع البحوث الاسلامية فى السبعينيات ,ورفضوا عقد اى اجتماع مع منظمات المجتمع المدنى التى تعمل على تعديل هذه القوانين منذ عام 2002..ويرفضون الافصاح عن أى معلومات..
وفيما يخص الاشكاليات الموجودة بالقانون الحالى اوضحت «عزة سليمان»ان كل التعديلات التى تم ادخالها على القانون اغفلت الهدف الاسمى منها وهو انقاذ الاسرة المصرية من الشقاق والتصدع ,ولذلك جاء التعديلات وكانها صراعات بين النساء والرجال ,لابد ان ينتصر فيها طرف على الاخر ونتيجة لذلك نجد ان قانون الاحوال الشخصية قانون مهلل به الكثير من الثغرات ونتج عنه الكثير من الاشكاليات منها على سبيل المثال المعاناة التى تكابدها الاسرة المصرية بسبب طول امد التقاضى والتهرب من اداء الحقوق وهو ما يوقع اضرارا بالغة بالطرف الاضعف وهو فى حالتنا المراة والابناء ,فضلا عن الصعوبات فى تنفيذ لاحكام,ففى مسالة النفقة مثلا لابد من ان تدفع السيدة حتى يتم تنفيذ الحكم وجواب التحرى لازم تدفع الست لامناء الشرطة لاثبات دخل الزوج لذلك سيدات كثير لا تذهب للمحاكم لان التكلفة عالية..وفى الطلاق السيدة التى تريد الطلاق للضرر لابد من وجود شهود على اهانة الزوج لها او ضربها امام شهود..وعندما تريد الخلع تذهب للمحكمة فى حين أن الزوج من حقه أن يطلقها غيابيا وشفهيا ويرفض توثيق الطلاق وكل ذلك بارادة منفردة وترى ضرورة وضع نظام للطلاق يطبق على الرجل والمراة فالرجل الذى يريد أن يطلق زوجته يذهب الى المحكمة وأن يوثق الطلاق بعد أن يدفع كل حقوق الزوجة والاطفال..
وفيما يخص سن الحضانة الذى يتحول فى بعض الاحيان الى سيف يشهر فى وجه الطرف غير الحاضن لأبناء الطلاق قالت إن القانون الحالى لم ينظر أبداً إلى مصلحة الطفل، بل جعله سلاحاً فى يد الأب للانتقام من الأم، وسلاحاً فى يد المرأة تعاقب به طليقها فى مواد أخرى متعلقة بالرؤية… وفى موضوع الحضانة، لم يراعِ القانون أبداً مصلحة الطفل، بل ركز على ضرورة أن تتفرّغ الأم المطلّقة لتربية أبنائها، وكأن حياتها انتهت بالطلاق والعيش فقط من أجل أبنائها، لذا كان من الأفضل أن يجعل القانون مسألة الحضانة نسبية، فتنظر المحكمة فى كل قضية بصورة منفردة مشيرة الى ضرورة البقاء على سن الحضانة 15 سنة لكلٍ من الولد والبنت، وإجراء تعديلات تضمن الا يمنع زواج الأم الحاضنة من حضانة صغارها اذا كان ذلك فى مصلحة الطفل ,واعادة النظر فى ترتيب الأب من حضانة الصغير ليكون ترتيبه الثانى أو الرابع بعد ام الام ,وام الاب ,وفيما يخص التعديلات المطلوب ادخالها على مادة الرؤية فهى النص على حق غير الحاضن فى استضافة المحضون خلال العطلات الطويلة والقصيرة مع توفير كل الضمانات لعدم استبقاء المحضون فى يد الحاضن بعد انتهاء تلك المدة،والنص على حق الاجداد والاعمام والعمات والاخوال والخالات رؤية الصغير ولو مع وجود الوالدين وبمراعاة مصلحته الفضلى.
واضافت اننا نتحدث عن اشكاليات القانون بالنسبة للمسلمين فحسب رغم معاناة المسيحيين لا تختلف كثيرا بل ربما تكون أكثر تعقيدا ,فالمراة المسلمة والمسيحية تعانى من قانون الاحوال الشخصية والبهدلة فى المحاكم الامر الذى يتطلب وضع قانون اسرة مدنى موضوعى شامل عادلا ومنصفا للجميع ينظم العلاقات الاسرية ويحقق الامان والاستقرار لكل افرادها
ضحايا الطلاق
اما النائبة «نشوى الديب» اكدت أن مشكلتنا الاساسية هى قلة الوعى وسيطرة الفكر الذكورى فارتفاع نسبة الامية خاصة بين النساء وراء كل المآسى التى نسمعها مشيرة الى أن الحل لا يكمن فى مجرد سن قانون ولكن فى تطبيق هذا القانون على ارض الواقع ,ودورنا كاحزاب ومؤسات مجتمع مدنى هو خلق مجتمع واعى ناضج يعى حقوقه ,واشارت الى اننى كنائبة فى البرلمان كل ما يهمنى هم الاطفال ضحايا الطلاق اجيال المستقبل ولذلك ارى أن القانون الامثل هو الذى يراعى مصلحة الطفل فى المقام الاول.

التعليقات متوقفه