يقظة مطلوبة ضد أطماع تركيا فى المنطقة

3٬864

يبدو أنه بدأت أخيرا صحوة من جانب بعض دول العالم لمواجهة الخطر التركي بشكل حازم وجذري. ولابد من القول أن الولايات المتحدة الأمريكية على رأس هذه الدول، سواء أكنا نحب أمريكا أو لا.

لقد كانت هناك خلافات أيضا بين الأتراك وحلفائهم الغربيين فى حلف الناتو. فقد شعر الحكام، من واشنطن إلى روما، فى الفترة الأخيرة، أن تركيا الإخوانجية لا تلتزم بما هو مرسوم لها، بل تسعى للمزيد، وهو أمر مرفوض.
نحن فى العالم العربي لا نفضل الجهر بالخصومة فى العادة. وحين يغلق الخصوم أبواب الخير، نترك نحن أبوابا أخرى لعل وعسى تنصلح الأحوال وتعود المياه لمجاريها.
إن مثل هذه السياسة العربية لم تعد تصلح فى كثير من المواقف، وعلى رأسها الموقف التركي الذي لم يتورع عن إرسال سفن الأسلحة إلى شواطئ الدولة الليبية.
لا تستهدف تركيا الدولة الليبية فقط. لكنها تستغل ما تمر به ليبيا من ضعف، من أجل إشعال مزيد من النيران، فى الداخل الليبي وفى دول الجوار.
فمعظم شحنات الأسلحة التركية التي وصلت إلى السواحل الليبية، منذ 2013، إلى الآن، كان جزء كبير منها مخصصا للتفجير والقتل والتخريب على الساحة المصرية.
لدى الإخوان الأتراك، وغير الأتراك، ومعهم بطبيعة الحال دولة قطر العضو فى الجامعة العربية.. لدى كل هؤلاء شعور بأنهم مسئولون عن الإخوان فى مصر، وأن مساعيهم تهدف إلى الإفراج عن قيادات الإخوان المصريين الذين يواجهون اتهامات أمام المحاكم المصرية ويقضون عقوبات قضائية فى السجون.
حين وقفت الدولة المصرية لتدافع عن كرامتها وعن استقلال القرار فيها، وعن مبادئ ثورة 30 يونيو 2013، بدأ الحلف التركي القطري الإخوانجي، فى الانتقام.
المساعي ما زالت مستمرة للانتقام من مصر، ومن حلفاء مصر، وأصدقاء مصر. ومن بين هؤلاء الأشقاء الليبيون. فقد قامت مصر، بشهادة المنظمات الدولية والحكومات فى الغرب والشرق، بجهود مخلصة لإنهاء الفوضى فى ليبيا، ومساعدة الليبيين على اختيار مستقبلهم.
لقد أثبت الليبيون من خلال انتخابات 2014، ومن خلال الالتفاف حول الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، أنهم ضد جماعة الإخوان وضد جماعة القاعدة، وضد جماعة داعش. والمشكلة أن كل هذه الجماعات تحظى بدعم بالأسلحة وتشجيع بالأموال من تركيا وقطر.
ولم يتورع الموقف التركي كذلك عن السير بعيدا فى قضية الصحفى السعودي جمال خاشقجي. إن السعودية حليف استراتيجي مهم للدولة المصرية. وهي ضلع أساسي فى أي نشاط عربي. ووقفت فى عام 3013 وما بعده، مع ثورة المصريين ضد جماعة الإخوان، وضد الدول المناهضة للقاهرة، وكان من بين هذه الدول تركيا وقطر.
وبغض النظر عن ملابسات مقتل خاشقجي ومن أمر بقتله، وأين اختفت جثته، إلا أن الجانب التركي وجد فى هذه الجريمة فرصة للانتقام من السعودية والحلف الذي توجد فيه.
وأنقرة فى الحقيقة لا تسعى للانتقام هنا من الرياض فحسب، ولكنها تدرك أن إضعاف السعودية هو إضعاف لمصر التي تعد خصما رئيسيا لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي.
وحين تنظر إلى الإعلام التركي المدعوم أساسا من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ستجد أن أنقرة دأبت فى السنوات الأخيرة على إطلاق السهام من جراب واحد، ضد أربع دول عربية، هي مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
لقد ظهر أن الإخوان الذين يحكمون فى تركيا لا يكتفون بأكل ما هو موجود أمامهم على المائدة، ولكنهم يمدون أيديهم إلى طعام الآخرين. لا يسعون للمشاركة بل للهيمنة والسيطرة.
هذا بالطبع أمر مرفوض من معظم الدول العربية الكبيرة مثل مصر والسعودية، لكن للأسف هناك دول عربية أخرى – بشكل معلن وآخر مستتر – تعرقل أي فرصة لمواجهة الخطر التركي. ولهذا يمكن القول إن معظم الإعلام العربي لم يجد المساندة الكافية ولم يدرك البوصلة، للوقوف ضد الأطماع التركية.
المؤشرات تقول إن تركيا اعتادت منذ وصول حزب الإخوان فيها إلى السلطة منذ نحو عقدين من الزمن، أن تعمل وتنشط كمنافس وليس كصديق قابل للتعاون معه.
فها هي تتدخل بجيوشها وأسلحتها ودعمها فى الأراضي العربية وفى سيادة دول عربية. ها هي قد تدخلت فى عمق الأراضي العراقية، والأراضي السورية، وها هي ترسل الأسلحة إلى ليبيا ودول الجوار، وها هي تواصل الضخ الإعلامي ضد معظم الدول العربية التي تسعى للاستقرار والبناء.
إن حكم الإخوان، كما يتضح من تجربة رجب طيب أردوغان فى تركيا، يعتمد على افتراس من يعتقد أنهم ضعفاء، والخوف ممن يظن أنهم أقوياء. هكذا كان موقف أردوغان من الغرب، ومن إسرائيل، ومن حلف الناتو وأعضائه.
كان أردوغان رئيس حكومة، ثم نصب نفسه رئيسا للدولة من خلال تعديل الدستور. ولم نر اللغط الإعلامي الذي نراه اليوم من الجانب التركي ضد كل دولة فى المنطقة تريد أن تعيد ترتيب بيتها من الداخل.
ورغم كل الإمكانيات التي تقدمها تركيا وقطر للجماعات الإرهابية فى محاولة لزعزعة الحكم فى دول عربية كبيرة، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، والهزيمة حتى الآن.
وأبرز مثال على ذلك ما رأيناه فى مؤتمر بالريمو فى إيطاليا فى نوفمبر الماضي بخصوص ليبيا، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لقد اضطر ممثل أردوغان فى المؤتمر للانسحاب أمام الدبلوماسية المصرية القوية والحجج المصرية المنطقية المنحازة للبناء لا للهدم.
وفى الوقت الراهن تكثف تركيا وقطر من تمويل وتحريك وتسليح الجماعات المتطرفة ومن معها من مافيا ومرتزقة، لمواصلة التخريب وإثارة الفوضى عبر الحدود.
ورغم كشف السفن المحملة بالأسلحة التي أرسلتها تركيا إلى سواحل ليبيا أخيرا، إلا أن الخطر ما زال قائما على دول المنطقة، ويتطلب يقظة من الجميع، تجاه تصرفات أنقرة والدوحة.. سياسيا وأمنيا واقتصاديا وإعلاميا.

عبدالستار حتيتة

التعليقات متوقفه