لقطات: ثورة يناير فى انتظار الموجة الثالثة

4٬259

قلت لنفسى: بعد غد الجمعة تحل الذكرى الثامنة لثورتنا الكبرى فى 25 يناير 2011، فكيف سنحتفل بها؟ أطلت التفكير فى هذا السؤال. لقد اشتقت إلى ميدان التحرير، فهل أتعشم فى زيارة الميدان يوم الجمعة رافعا علما لا شاهرا سلاحا؟ بالقطع لا، لأن القانون المسمى “قانون تنظيم حق التظاهر” يحول دون ذلك. إذن، هل يمكن لحزبنا أو لأى حزب آخر أن يفعل ذلك؟ بالقطع لا. إذن كيف أحتفل بأغلى و أعز أيام حياتى؟ أليس أمامى إلا إجترار الذكريات؟ أين أرفع رايتى و أهتف بأعلى صوتى “يسقط.. يسقط حكم التجار و الاحتكار”؟ و أين شعار “عيش.. حرية.. عدالة إجتماعية” الذى رفعناه فى ميدان التحرير و ميدان الأربعين و ميدان القائد إبراهيم و ميدان الممر و ميدان الشون؟ هل كان الأمر مجرد أضغاث أحلام؟
بالقطع لم يكن الأمر مجرد أضغاث أحلام. فهذه الميادين و غيرها من الميادين تحدثك عن الصوت الهادر للملايين. و أرض تلك الميادين تحدثك عن الدماء الذكية للمئات من الشهداء التى روتها. و إلى كل من يدَّعُون أنها كانت مجرد هوجة أو انتفاضة أو مؤامرة أؤكد أنها لم تكن هذه و لا هذه و لا تلك. فعندما يُدَوَّن التاريخ الحقيقى سيسجل إنها ثورة بكل معنى الكلمة. بل إنها أعظم ثوراتنا على الإطلاق حتى الآن. و هى بلا شك واحدة من أعظم الثورات فى تاريخ البشرية. و هى تخضع للقانون العام للثورات الذى يقول إن الثورة هى عملية تغيير جذرى للعلاقات بين الطبقات أو القوى الاجتماعية، و بين الحاكم و المحكوم، و بين الداخل و الخارج. كما أنها لا تقف عند حياة جيل واحد بل تمتد أكثر من ذلك.
إن ثورتنا بموجتيها فى 25 يناير و 30 يونيو لم تشب عن الطوق بعد. فهى تعيش الآن ذكراها الثامنة. و هى الآن تستعد لموجتها الثالثة. و أنا من هذا المنبر أبشر بهذه الموجة الثالثة القادمة لا محالة، و التى أراها عند الأفق. فهناك تفاعلات إجتماعية تجرى فى العمق فيما يشبه حالة الجنين فى رحم الأم قبل المخاض العظيم. فقط علينا أن ننتظر ذلك المخاض العظيم. و كما يحدث فى كل الثورات عبر التاريخ، عاشت ثورتنا مراحل من المد و الجذر، و تعرضت للسرقة مرتين خلال السنوات السبع الماضية: السرقة الأولى قام بها الإخوان و السرقة الثانية قام بها نظام مبارك الذى أسقطنا رأسه فقط. و رغم ذلك، هناك إنجازات هامة لا بد من تثمينها و تحديات كبيرة تنتظرنا.
فلقد أسقط الشعب المصرى حاجز الخوف و فتح الطريق الطويل لتحول المصريين من رعايا إلى مواطنين. و هذا فى تقديرى المتواضع أكبر و أهم الإنجازات. كما أطاح الشعب المصرى العظيم برئيسين حتى الآن. و كانت أداته فى الإطاحة هى الإحتشاد الصاخب فى الميادين. و يبقى أن نرتقى إلى وضع يكون فيه تغيير الحاكم بالإحتكام الهادئ للصناديق. هذا ليس سهلا، و لكنه شرط ضرورى للنضج السياسى المنشود. من الإنجازات أيضا أننا كتبنا دستورين و أجرينا عدة إنتخابات شارك فيها المصريون فى الخارج للمرة الأولى فى تاريخ البلاد. و لكن يبقى أمامنا تحديات وجودية علينا أن نتعامل معها. هناك الوضع الإقتصادى الهش، و الواقع الإجتماعى السائد. و هناك تحقيق الأمن المائى و ضمان الأمن الغذائى. و لكن ربما كان أخطر التحديات هو إعادة هندسة النظام السياسى بما يكفل إدماج الشباب وإحياء الأحزاب.
تهنئة للشعب المصرى فى ذكرى ثورته و للشرطة المصرية فى عيدها.

التعليقات متوقفه