أمينة النقاش تكتب : على أعتاب العام الثامن لثورة يناير

3٬421

يهل الجمعة المقبل عيد الشرطة المصرية، متزامناً مع العيد الثامن لثورة 25 يناير، والتحية تبقى واجبة لرجال الشرطة الذين قدموا حياتهم فداء لتحرير الوطن من المحتل الغاصب، سواء كان هذا المحتل أجنبيًّا أو داخليًّا، ومازالوا يجودون بأرواحهم جنبًا إلى جنب مع جنود جيش مصر العظماء لتطهير بلدهم من براثن إرهاب معدوم الدين والضمير، يسعى بدعم إقليمي ودولي وعربي مرهونا للخارج، لهدم دولتهم وطمس حضارتهم، وتشتيت وحدتهم، والقذف بهم سبايا ولاجئين على شواطئ دول العالم.
التحية واجبة لشهداء الشرطة، وشهداء ثورة يناير الذين مهدوا بجسارتهم وبتضحياتهم الطريق لثورة 30 يونيو، التي أطاحت بعد ثلاثة أعوام من الفوضى العارمة التي أشاعتها جماعة الإخوان وأنصارها فى سعيهم المحموم للاستيلاء على السلطة بأي ثمن، لهدم مؤسسات الدولة وأخونتها، تمهيداً لإعلان مصر إمارة فى دولة الخلافة التي يحلمون بمتاجرتهم بالدين بعودتها !.
مازال الوصف الذي قدمه المفكر السوري صادق جلال العظم لثورات ما سمى بالربيع العربي صحيحاً بعد 8 سنوات على اندلاعها. رأي «العظم» أن أهم إنجازات الربيع العربي تكمن فى عودة السياسة إلى الناس، وعودة الناس إلى السياسة، التي غابت بسبب الاستبداد السياسي وسعيه الدؤوب لإبقاء كل شيء على حاله، وتحطيم قدرة قوى المجتمع الحية على القيام بأي عمل إيجابي لتغيير مجتمعاتها نحو الأفضل.
لكن المفكر السوري، كان يرصد هذا الوصف بعد نحو عامين فقط من ثورات الربيع العربي، ولم يتسن له قبل رحيله، أن يتأمل فى النتائج الكارثية، التي أسفرت عن استيلاء تيار الإسلام السياسي بقيادة جماعة الإخوان، وأنصارها من تيارات الإرهاب الجهادي وهيمنت عليه، وتحطيم دوله ورميها فى مرمى التقسيم العرقي والطائفى وإباحتها لشتى أنواع التدخلات الخارجية.. النتائج الكارثية التي ترتبت على سيطرة تيار الإرهاب الجهادي على المشهد العربي لا تحصى.. استطاعت جماعة الإخوان إن فى تونس أو مصر، استقطاب قطاعات واسعة من المتدينين الشعبيين الذين يقتصرون فى تدينهم على تأدية الشعائر وإتمام معاملاتهم الحياتية إلى جانبها، بزعم أنها لا أطماع لها، ولأنها ببساطة تنطق باسم الله، فزادت الأجواء الاجتماعية المحافظة فى كلا البلدين، فضلا عن الدعم الذي حازته من قبل مجموعات متنوعة من النخب السياسية القاصرة الوعي والباحثة عن دور والانتهازية ممن ترفع شعار «اللي تغلب به العب به» والتي مهدت الطريق بغفلتها وطموحها السلطوي ولعبها على كل الحبال وقدرتها على تبرير الشيء ونقيضه، إلى هيمنة هؤلاء على السلطة باستخدام الأدوات الديمقراطية التي تسترت جماعة الإخوان خلفها للتحكم فى مصائر الانتفاضات، ثم سرعان ماعادت لجوهرها الحقيقي المعادي لكل أشكال الحريات الديمقراطية حينما وصلت إلى سدة الحكم !.. ضاعف حكم جماعة الإخوان فى البلدين من حدة الصراع المذهبي فى المنطقة بين السنة والشيعة، وحدة الصراع الطائفى بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، وما يجري من فقدان للاستقرار فى كل من العراق ولبنان غير بعيد عن ذلك وأصبح الدين فى المنطقة بعد ثماني سنوات من ربيعها، صراعاً بين إسلام « ولاية الفقيه « وإسلام «القرآن دستورنا « و»الإسلام هو الحل» وبين من يرون أن حاكمية شرع الله عز وجل لا تتحقق سوى بالتكفير والتفجير والقتل والحرق والنحر وهدم التماثيل التراثية وسبى النساء وحظر الفنون وحرق الكتب ومعاداة كل ما يتصل بالعقل وبالحرية الفكرية وبحقوق الإنسان، ومخاصمة كل ما يتسم بحس إنساني سليم. وفى وسط هذه الصراعات الدامية، لم يعد هناك مكان لسلطة الدولة ولا سلاحها الشرعي المتمثل فى قواها الأمنية وجيشها النظامي، بعد أن صار السلاح مشاعاً فى كل مكان، وبعد أن تناسلت جماعة الإخوان إلى القاعدة وطالبان وجبهة النصر وأحرار الشام وحسم وجيش الإسلام ولواء الفتح وجيش المجاهدين وأنصار بيت المقدس، وداعش وأخواتها وغيرهم. وما الحرب الأهلية الدائرة فى كل من سوريا واليمن وليبيا سوى تجلى لتلك الصراعات ومحاولة مستميتة لإسقاط الدول لإحياء أسطورة دولة الخلافة الإسلامية على أنقاض وحدة أراضيها. فى تونس مع توغل حزب النهضة فى مفاصل الدولة، حضرت الاغتيالات السياسية محل الحوار وفتحت المعسكرات لتدريب المجاهدين وإرسالهم إلى سوريا وليبيا، وتصاعدت دعوات التكفير ومحاولات تغيير الهوية الحداثية للتونسيين بالعنف والقمع والمصادرة، فضلا عن التعثر الاقتصادي وهشاشة الإئتلافات الحاكمة بفعل سعي النهضة للعودة للهيمنة إن بالتحايل أو بالعنف !.
وحده الشعب المصري أدرك بالوعي الذي اكتسبه من انتفاضة يناير وما تلاها، وبانتزاع حقه فى عودة السياسة إليه كما قال العظم إنه لا يقبل بحكم ديني يفرض عليه المفاضلة بين الدولة واللا دولة، فكانت ثورته فى 30 يونيو هي البرهان الوحيد على أنه «ربيع عربي».

التعليقات متوقفه