قضية للمناقشة: تحالف وطنى شعبى بقيادة السيسى

338

فاجأ «مجلس النواب» المصريين حين بدأ بالفعل مناقشة التغيير الدستوري، وذلك دون أن يُجري حوار مجتمعي حقيقي حول المواد التي يقترح الأعضاء تغييرها، وهناك أيضا قوى سياسية ترى أن ثمة مواد أخرى تحتاج إلى تعديل أو حتى شطب نهائي، كما أن هناك من يرفضون أصلا أي مساس بالدستور؛ خاصة أننا لم نطبقه بعد.
ولايبدو أن النواب الذين قدموا مشروع التعديلات قد طرحوا رؤيتهم ومقترحاتهم على الدوائر الانتخابية التي من المفترض أنهم يمثلونها.
وتحتاج بلادنا فى هذه اللحظة الحرجة من تاريخها إلى توافق وطني شعبي لا يحلم أحدنا بأنه أي التوافق سوف يضع حدا للصراع المحتدم المعلن أحيانا والمكتوم فى أغلب الأحيان، ولكنه يمكن أن يشق طريقاً آمناً إلى المستقبل، يقودنا إلى الأرض المشتركة التي تقف عليها بالفعل قوى اجتماعية كبيرة تكاد تمثل أغلبية الشعب المصري، إذ أنهم العمال والفلاحون والموظفون وغالبية المثقفين والطلاب وصغار التجار، أي الطبقة الوسطى التي أخذت تنحدر بإيقاع سريع إضافة إلى الطبقات الشعبية التي تكابد صعوبة العيش كل يوم.
مشكلة هذه القوة الجبارة ذات المصالح المشتركة أنه لا رابط سياسيا بينها لأسباب كثيرة، على رأسها موت السياسة فى البلاد، وضعف الحياة الحزبية.
ولكن لو استجاب الرئيس «السيسي» لهذه المبادرة المتواضعة التي تتضمن بنوداً غاية فى البساطة على رأسها الموافقة على إعادة ترتيب الأولويات بحثاً عن حد أدنى للعدالة الاجتماعية باعتبارها اختياراً سياسياً يتجاوز أعمال الخير والصدقات، ليضرب بعمق فى أسس البناء الطبقي الراسخ والذي يزداد قوة وهو يقسم البلاد بين أقلية شديدة الثراء وأغلبية فقيرة تكاد تكون عاجزة عن العيش، أقول لو استجاب الرئيس ستنتقل البلاد لمرحلة جديدة تماما.
وهنا يبرز التساؤل المشروع، كيف، وعلى أي أسس تنهض المبادرة؟
نحن لن نخترع الكهرباء، ولن نبدأ من أول السطر، فهناك تجارب كثيرة فى العالم أبرزها فى شمال أوروبا التي فرضت حكوماتها ضرائب تصاعدية عالية على الأرباح الرأسمالية وعلى أرباح البورصة وعلى الدخول العالية التي تتجاوز حدودا معينة، واستطاعت بذلك أن تجعل التعليم مجانياً للجميع حقاً، وتوصلت إلى صيغ ديموقراطية عادلة لتأمين صحي يعالج الجميع ويتعامل مع كل الأمراض، وهناك تجربة البرازيل فى ظل «داسيلفا» التي انتشلت ملايين من الفقر.
وكان الأساس دائماً فى رؤية هذه التجارب التي تحولت إلى خطط وبرامج اعتبار الناس هم العنصر الأساسي فى النظام الاجتماعي، وليس الأموال والمباني، والاعتماد على الناس يعني التقدم على طريق ديموقراطية حقيقية، وكان أحد شروط نجاح هذه التجارب هو صيانة الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الفكر والتعبير والتنظيم.
وفى هذه الحالة سوف يجد «الرئيس» مساندة هائلة من وحدة هذه القوى الاجتماعية الجبارة، وسوف تكون السنوات الثلاث والنصف الباقية له فى الحكم وفقاً للدستور كافية وتزيد لإنجاز هذا البرنامج على أساس من التوافق والرضا المتبادل، والرئيس بالقطع يعلم أن هناك حالة من عدم الرضا فى الأوساط الشعبية وبين أبناء الطبقة الوسطى، وسيلتزم الرئيس لو تم هذا التوافق بما كان قد وعد به فى بدء ولايته الأولى حين قال إنه لا يتطلع لأن يقضي فى السلطة ما يزيد على ما قرره له الدستور.
والرئيس «السيسي» هو عسكري منضبط ونشيط، وينصب طموحه كله على تقدم بلاده ورفعتها، وهو بالقطع لن يسمح لمن وصفهم بقوى الشر أن يعبثوا بصورة البلاد ومصيرها، أو أن يستولوا على حصاد موجتين هائلتين من موجات ثورة مصر وهي تتطلع إلى المستقبل، فلا تكبلها قيود الماضي الاستبدادي، أو دوائر الفساد التي تستشري فى ظل الاستبداد وسوف تظهر البلاد فى حالة مد مدد الرئاسة وكأنها تعود القهقري إلى الماضي.
ظل الرئيس يردد فى كل المناسبات أن الجيش المصري هو جيش وطني شريف، وكان يرد بهذا القول على الذين اتهموا الجيش بالتآمر فى الثالث من يوليو 2013 على « الإخوان المسلمين» لإزاحتهم من الحكم، ولكن الشعب المصري ساند الجيش ورفض تفسير المؤامرة لأنه هو الذي أزاحهم.
وقد آن الأوان بعد كل التحولات والتقلبات التي جرت فى مصر وفى المنطقة والعالم أن نتعامل مع الوطنية بمفهوم جديد، ورؤى تستمد عناصرها وقوتها من كل ما حدث، وتضع فى الاعتبار الشعارات والأهداف التي طرحتها موجات الثورة وبلورها شبابها المخلصون الذين لم يبخلوا حتى بدمائهم، ويتعرض بعضهم الآن للتشويه والعقاب.
فقد بات من الصعب أن يبقى مفهوم الوطنية قاصراً على معنى التحرر من الاستعمار، والوصول إلى علم ونشيد، فقد ولى زمن التحرر الوطني، بهذا المعنى، إذ دفعت الشعوب، ومن ضمنها شعبنا العظيم بمفهوم التحرر إلى آفاق أوسع وأعمق، ولم يعد حتى الاستقلال الاقتصادي وحده قادراً على تلبية حاجات الناس للعدالة والكرامة الإنسانية وباتت العدالة الاجتماعية حتى بعد سقوط التجربة الاشتراكية الأولى وتفكك الاتحاد السوفيتي أملاً تكافح من أجله الملايين فى عصر المساواة والجدارة الإنسانية والمواطنة، وتدلنا متابعة احتجاجات شعوب كثيرة فى كل من البلدان المتقدمة والبلدان النامية أن مثل هذا الهدف لم يغب عن خيالها أي العدالة الاجتماعية صنو الكرامة الإنسانية.
وبعد ياسيادة الرئيس، أنت خير العارفين أنه أخيراً لن يصح إلا الصحيح، وما ضاع حق وراءه مطالب مهما طال الزمن، ذلك أن الصحيح قادر على مواجهة أي هيمنة ظالمة حتى لو كان الخاضعون للسيطرة ضعافاً، فهم يدركون أن قوتهم فى وحدتهم، وأن انتصارهم يبدأ من هذه النقطة، وهو انتصار حتمي مهما طال الطريق.
بوسعك ياسيادة الرئيس أن تجنب شعب مصر آلاما بلا حصر لو أنك استجبت لهذه المبادرة من أجل توافق وطني شعبي تفتح عبره مصر الطرق المسدودة فى عالم قاس، وحينها سوف تنطلق مواهب المصريين لتصنع المعجزات.

التعليقات متوقفه