قضية للمناقشة: أمل للفلسطينيين

423

تنشط الحركة الصهيونية فى كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لإدانة أي نقد لإسرائيل أو للصهيونية بإعتباره عداء للسامية، ويبذل أنصار إسرائيل جهوداً حثيثة فى الجمعية الوطنية الفرنسية لاستصدار تشريع يساوي بين العداء للسامية والعداء للصهيونية فى خلط فاضح للمفاهيم بين الحقيقي والمزيف. إذ تبلور العداء للسامية تزامناً مع هيمنة النازية على ألمانيا حين انخرط «هتلر» ونظامه فى ملاحقة اليهود الذين كانوا ينافسون الرأسمالية الألمانية التي صعد « هتلر « ونظامه على أكتافها. وترى الفلسفة النازية أن الألمان المنحدرين من الجنس الآري هم الجنس الأرقى بينما ينتمي اليهود والعرب والأفارقة إلى جنس أدنى، والجنس الأرقى هو المؤهل للهيمنة على الآخرين، وكانت الصهيونية، ولاتزال تستند إلى خرافة تقول إن اليهود هم شعب الله المختار، ويحق لهم بحكم هذا الاختيار أولا أن ينهوا شتاتهم بالعودة إلى « فلسطين « أرض معادهم كما يدعون، وأن يهيمنوا على « الأغيار» أي الآخرين الذين لم يخترهم الرب ويقربهم منه طبقا لأسطورتهم، وهي الأسطورة العنصرية التي طالما ساوى التحليل العلمي الموضوعي بينها وبين النازية والفاشية.
وحين ازدهرت حركة التحرر الوطني العالمية فى منتصف القرن الماضي نجحت فى حشد بعض بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3379 فى 1/12/1975 والذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، وهو القرار الذي اعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، ووافقت عليه 72 بلدا، ورفضته 35 بلداً، وامتنعت عن التصويت 32 بلدا.. وكانت هذه النتيجة تدل على عنف الصراع فى الأوساط الدولية حول الدور الذي تلعبه إسرائيل لصالح الأمبريالية العالمية، وكانت سياسة مصر الإفريقية النشيطة قد نجحت فى إبعاد النفوذ الإسرائيلي الصهيوني عن القارة التي تكافح من أجل الاستقلال، ولكن وبعد أن أقدمت مصر على عقد اتفاقية صلح مع إسرائيل بعد الانتصار المحدود فى حرب أكتوبر 1973، وتطبيق سياسة ما سمى بالانفتاح الاقتصادي تغيرت الخريطة السياسية فى كل من المنطقة العربية وإفريقيا ثم العالم أجمع، وأخذت التيارات اليمينية والعنصرية تنتعش مع صعود كل من حركة التحرر الوطني، والازمة العميقة التي تواجهها تجارب الديموقراطية الاجتماعية فى كل من أوروبا وأمريكا، والعنوان الأبرز لكل هذا الانهيار هو أزمة النظام الرأسمالي العالمي التي تتجلى دوريا، واستطاعت إسرائيل بمعاونة أمريكا وتواطؤ بعض العرب الحشد لإلغاء قرار الجمعية العامة رقم 337.. وأخذت إسرائيل تسفر عن وجهها العنصري البغيض محتمية بهذا الصعود لليمين والقوى العنصرية فى العالم، ومعتمدة على الضعف العربي الذي تنتزع منه تنازلا عقب الآخر، دون أي التزام بقرارات الشرعية الدولية، وتواصل بناء المستوطنات فى الأراضي العربية، وضم المزيد من هذه الأراضي، ويعجز العرب عن بناء موقف موحد من الإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تتوقف عند الدعم التقليدي للمشروع الصهيوني وإسرائيل، وإنما تقدمت فى خطى حثيثة لتصفية القضية الفلسطينية فيما يسمى بصفقة القرن، بينما تتراجع القضية الفلسطينية على جدول أعمال العرب أنفسهم.. أسأل أصدقائي وصديقاتي من الفلسطينيين أين يمكن أن نجد الأمل فى قلب هذا الظلام الذي يضاف إليه الانقسام الفلسطيني الفاجع، أتلقى إجابات مشجعة لم يكن بينها للأمانة أي توجه يائس، فهل يطمئن قلبي لأن الفلسطينيين يتعقبون أي ضوء، ولو شحيح فى واقع حياتهم البائسة، سواء فى ظل الاحتلال فى الضفة الفلسطينية وغزة، أو فى داخل فلسطين حيث تحكمهم العنصرية الإسرائيلية مباشرة.. قال « أيمن عودة « رئيس القائمة العربية الموحدة، أو التي كانت موحدة، فى الكنيسيت الإسرائيلي قال إن كفاحنا الآن يتمحور حول إبطال سعي « بنيامين نتنياهو» لنزع الشرعية عنا، ومؤخراً جداً كسب العرب داخل إسرائيل معركة قانونية حين أقرت محكمة عليا بحقهم فى الترشح فى الانتخابات القادمة.. ويخوض المقدسيون العرب معركة وجودية يومية هي فى العمق منها معركة بقاء، شأنهم شأن كل الذين يواصلون البقاء على أرضهم رغم الفرص التي تتوفر لهم للخروج، ويبتكر هذا الشعب الباسل أشكالا جديدة للكفاح لا فحسب من أجل البقاء وإنما أيضا بل وأساسا من أجل حقه فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ومن أجل حق العودة الذي أقرته الشرعية الدولية مع بداية النكبة، وبوسعنا القول أن الفلسطينيين يواصلون السعي على طريق التحرر الوطني رغم الانهيارات والنكسات.. ولم تخذل القوى الديموقراطية فى العالم شعب فلسطين، إذ تنمو حركة الطلاب والأساتذة الأمريكيين فى عدد من الجامعات لمقاطعة إسرائيل، وبعد أن فشلت محاولات اليمين العنصري العالمي للمساواة بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، فشلت أيضا محاولات لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية « إيباك» وهي مؤسسة غنية وقوية ومساندة لإسرائيل فى كل ما تقوم به، فشلت محاولتها فى إدانة النائبة فى مجلس النواب الأمريكي « إلهان عمر « وهى سوداء ومسلمة من أصل صومالي، بسبب تصريحاتها التي قالت فيها إن هناك بعض أعضاء جماعات الضغط وبرلمانيين أمريكيين يشجعون على الولاء لإسرائيل، وتصدى « بيرني ساندرز» النائب اليهودي والمرشح الديموقراطي للرئاسة لمحاولات إدانة « « إلهان عمر»، بل وأيد تصريحاتها قائلا « إنه يجب أن نفرق بين معاداة السامية، وبين انتقاد الحكومة اليمينية فى إسرائيل التي يرأسها نتنياهو، وقال « دافيد فيلدمان « وهو خام يهودي،» إن إتهام الأشخاص بمعاداة السامية بسبب انتقادهم احتلال إسرائيل لفلسطين لم يعد مقبولا «.هناك إذن شعاع فى قلب الظلام، هناك أمل علينا أن نكافح من أجله، فكما تصنع الظروف الإنسان، يصنع الإنسان الظروف.

التعليقات متوقفه