لقطات: أصل الحكاية من ميت العز

1٬047

كما جرت عليه العادة منذ أكثر من ربع القرن، وفى الجمعة الثانية من شهر رمضان المعظم، شددنا الرحال زوجتى وأنا بصحبة دستة من الأصدقاء من نادى المعادى إلى حيث إفطار العائلة فى قريتى- ميت العز. هى رحلة سنوية إلى مسقط رأسى ومأوى جسدى ومثوى روحى. فأرض ميت العز الطيبة بالنسبة لى هى البداية و النهاية، هى المنبع والمصب. ذهبت يشدنى حنين جارف وتتدافع فى مخيلتى آلاف الذكريات عن المكان والزمان. لكنى كنت متلهفا هذه المرة لمعرفة رأى أعضاء الأسرة بعد صدور سيرتى الذاتية “حكاية مصرية” بالإشتراك مع رفيقة دربى كريمة كُرَيِّم. فى هذا الكتاب تحدثت عن ميت العز كما تفتحت عليها عيناى. و كنت أنتظر أن يتلقوا نشر الكتاب بسعادة و فخر. لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه!.
حضر الإفطار ما لا يقل عن مائة وخمسين فردًا من الخلايلة يمثلون أربعة أجيال، جاءوا من كل مكان. بل إن بعضهم حضر من الخارج. حقا، لقد كان جمعًا غفيرًا ومشهدًا مثيرًا. بعد الإفطار والصلوات دار الحديث بين الحضور عن أحوال العائلة والقرية والمحروسة. كان هناك إرتياح لمحصول القمح هذا الموسم، لكنهم طالبوا بالاهتمام بالصرف المغطى وبزيادة مساحة الأرز. اتفقنا على تأسيس جمعية أهلية لتنمية المجتمع. ثم تطرق الحديث إلى كتاب “حكاية مصرية”، كانوا سعداء جدًا بالكتاب لأنه سلط الأضواء على ميت العز ووضعها فى بؤرة الاهتمام الإعلامى. لكن عددًا منهم كان عاتبا علىّ لأن الكتاب لم يُقدِّر عائلة خليل (أو عيلة الخلايلة) حق قدرها بين عائلات ميت العز. و لتأكيد موقفهم، أعطونى مجموعة من المستندات المثيرة والتى يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر!.
فى كتاب “حكاية مصرية” وصفت ظروف نشأتى وأحوالى عائلتى فى قريتى، ميت العز مركز ميت غمر دقهلية. قلت ما نصه: “كانت العائلة فى الأصل من ذوى الأملاك فى ميت العز، ولديها أطيان مكنتها أن تعيش ميسورة الحال. إلا أنها تأثرت بتقلبات الأيام ومفعول الميراث وتحولات الاقتصاد والسياسة. فتحولت إلى عائلة فقيرة ممتدة تكابد العيش بفلاحة مساحة من الأرض كانت موضوعا للتفتت المتسلسل من جيل إلى جيل بمفعول الاحتياجات البيولوجية ومقتضيات الشريعة الإسلامية. وإلى جانب الزراعة، إشتغل أعضاء الأسرة ومنهم الغلام بتربية الماشية ورعى الأغنام.” هكذا وصفت أحوال أسرتى كما نشأت فيها وقت مولدى فى أربعينيات القرن الماضى. ولقد حاولت جاهدا أن أتحرى كامل الأمانة والصدق فيما أكتب، إحتراما لنفسى و لعائلتى و للقارئ و للتاريخ.
من حسن الحظ أن المعلومات التى زودنى بها بعض شباب العائلة يوم الجمعة الماضى تٌكَمِّل وتُؤكِّد ما جاء فى الكتاب عن أحوال عائلتنا. فها هو إعلام وراثة صادر عن محكمة الزقازيق الابتدائية الشرعية بتاريخ 16/3/19011م ينص على أن تركة جدنا الأكبر متولى خليل (المتوفى عام 1898) بلغت قيمتها النقدية ما يعادل 1200 جنيه. أو ما يعادل 67 فدانًا (كان سعر فدان الأرض وقتها حوالى 18 جنيهًا). كما أن ثلاثة من أقطاب العائلة كانوا حاصلين على الإجازة العليا من الأزهر الشريف، و تتابعوا فى منصب مأذون شرعى القرية بين 1850 و 1956. أما الشيخ عبد الناصر الذى كان يجهزنى للإلتحاق بالأزهر، والذى أشرت إلى الخلاف بينى و بينه فى “حكاية مصرية”، فهو إبن عم والدى ويحمل شهادة الثانوية الأزهرية. وكان يعمل فى سلك التدريس، ولم يكن “شيخ كُتَّاب”، كما ورد فى الحكاية.
حكمة اليوم (الحجاج بن يوسف الثقفى)
كن ابن من شئت واكتسب أدباً
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنذا
ليس الفتى من يقول كان أبي

التعليقات متوقفه