مشروع قانون مكافحة المخدرات.. يثير أزمة بين البرلمان والحكومة

60 مليون جنيه الإنفاق اليومى على الحشيش والبانجو

367

انتشرت فى السنوات الأخيرة ظاهرة تعاطى المواد المخدرة خاصة بين الشباب.. الأمر الذى دفع الحكومة لتعديل بعض أحكام القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار بها وتمت إحالته الى البرلمان، ويساهم مشروع القانون فى التصدي لمشكلة المواد المخدرة، سواء كانت مخلقة كيميائيا أو نباتيا، ومنها الاستروكس والفودو.
ويستهدف التعديل غلق الثغرات التى يستغلها تجار المخدرات لجلب مركبات جديدة غير التى تم ادراجها بجدول المخدرات، وإدخال المواد التخليقية والمستحدثة على قوائم المخدرات، خاصة أنّ المدرج على قوائم المخدرات فى القانون الحالي هي الأنواع التقليدية للمخدرات، وهي لا تغطي المواد المخلقة التي تزايدت مؤخرا، وأصبحت أكثر فتكا من المواد العادية، كما يعاقب التعديل المروجين والمستوردين لهذه المواد من الخارج.

طبقا لمشروع القانون تمت إضافة فقرة أولى للمادة 39 من القانون، تقضي بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز 10 آلاف جنيه، كل من ضبط فى مكان أعد أو هيأ لتعاطي المواد التخليقية المخدرة، وذلك فى أثناء تعاطيها مع علمه بذلك.
وأضاف مشروع القانون مادة جديدة برقم 34 مكرر، تنص على أنّ يعاقب بالإعدام كل من جلب أو صنع أو أنتج مواد تخليقية ذات أثر تخديري أو ضار بالعقل أو الجسد أو الحالة النفسية والعصبية.
وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه، كل من حاز أو أحرز بقصد الاتجار الجواهر المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة، وتكون العقوبة السجن المشدد وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه إذا كانت الحيازة أو الإحراز بغير قصد.
وعاقب مشروع القانون فى المادة 42 فقرة أولى بمصادرة المواد التخليقية والأموال المتحصلة من الجريمة والأدوات ووسائل النقل المضبوطة التي استخدمت فى ارتكابها.
ونص مشروع القانون فى المادة 47 فقرة أولى، بأنّ يحكم بإغلاق كل محل يرخص له بالاتجار فى الجواهر المخدرة أو حيازتها أو أي محل آخر غير مسكون أو معد للسكنى، إذا ادار المكان أو هيأه للغير لتعاطي الجواهر التخليقية.
وأعفى مشروع القانون فى المادة 48 فقرة أولى، من العقوبات المقررة فى المواد 33 و34 و34 كرر و35، كل من بادر بإبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل علمها بالنسبة للمواد التخليقية.
جدل دستورى
وأثار مشروع القانون جدلا واسعا عند مناقشته بسبب شبهة عدم الدستورية وعدم وضوح مواده، وعدم التحديد الدقيق للمواد المخدرة، وحسمت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب هذا الجدل بإضافة مادة تجرم المواد المخدرة التخليقية، تنص على أن “تعتبر فى حكم الجواهر المخدرة فى تطبيق أحكام هذا القانون المواد المخلقة التي تحدث ذات الأثر التخديري أو الضار بالعقل أو الجسد أو الحالة النفسية والعصبية، ويصدر بتحديد هذه المواد وضوابطها ومعاييرها قرار من الوزير المختص وتسري على المواد المخلقة كافة الأحكام الواردة فى هذا القانون
وكان اعتراض المستشاربهاء أبو شقة، رئيس اللجنة التشريعية والدستورية على مشروع القانون الحكومى يتمثل فى وجود شبهة عدم دستورية ومواد غير منضبطة فى الصياغة، وهو التحفظ الذي عبر عنه أيضا رئيس البرلمان د”.على عبد العال”
وأشار “أبو شقة”، إلى أن النصوص المقترحة فى مشروع الحكومة غير منضبطة من الناحية الفنية والصياغة القانونية والدستورية، مع تعارضها لمواد فى ذات القانون، مع فرض عقوبات معالجة بالأساس فى مواد أخري بالقانون، إضافة إلى عدم تحديد المواد التخليقة على وجه الدقه، مثلما هو محدد بالقانون القائم للمواد المخدرة “جوهر” بالجدول”1” والجدول 2”، بالإضافة أيضا لعدم المعالجة المالية بشأن الضبط الجمركي، مثلما نصت عليه المادة 33 بالمواد المخدرة التقليدية، وأيضا العقوبات الخاصة بتهيئة المكان للتعاطي والإتجار، حيث السجن، فى الوقت الذي يكون التعاطي هو السجن المشدد.
وأوضح، أن قرار المجلس بإعادة مشروع القانون للجنة التشريعية لضبط الصياغة يستهدف مكافحة المواد المخدرة التخليقية وعلى رأسها الاستروكس والفودو، مشدداعلى ضرورة مراعاة الضوابط الفنية فى صياغات مواد التعديل لتتسق مع قانون مخدرات، وقال “لابد أن تكون عيون المشرع على النصوص حتى لا يحدث تناقض”، وأضاف “المواد التخليقية أكثر خطورة من الهيروين والكوكايين. فهل يتصور أن نضع عقوبات أقل من عقوبات قانون المخدرات؟”.
وأوضح أبو شقة، أن التعديل الذي أقرته اللجنة يعطي مرونة لوزير الصحة لإضافة مواد جديدة لجدول المخدرات.
تنامى المشكلة
ومن جانبها، اوضحت النائبة “مارجريت عازر” أن من يتلاعبون بعقول البشر يجدون طرقا متعددة للدخول إليهم باستحداث نوعيات جديدة لتدمير عقول شبابنا. وأكدت أنّ السبب فى تقدم الحكومة بتعديل القانون، تنامي مشكلة المخدرات المستحدثة، وسرعة انتشار المؤثرات النفسية الجديدة، فضلا عن استخدام العناصر الإجرامية الخطرة للعديد من المواد غير المدرجة على قوائم المراقبة الدولية أو الجداول الملحقة بقانون المخدرات الوطني، من خلال إضافتها إلى نباتات ومواد اخرى للحصول على ذات تأثير المواد المخدرة، وإغراق الأسواق بها والإفلات من العقاب، فى ضوء عدم إدراج تلك المواد بالجداول المشار إليها، وتعاظم المخاطر الناتجة عن تعاطي تلك المواد.
واضافت، أن مشروع القانون حاول معالجة بعض هذه الثغرات، ففى ظل القانون القديم يستطيع المجرمون الإفلات من العقاب فى ضوء عدم إدراج تلك المواد بالجداول المشار إليها وتعاظم المخاطر الناتجة عن تعاطيها.
وأوضحت، أن العقوبات فى مشروع القانون تصل إلى الإعدام حيث نص على أن يعاقب بالإعدام كل من جلب أو صنع أو أنتج مواد تخليقية ذات أثر تخديرى أو ضار بالعقل أو الجسد أو الحالة النفسية والعصبية، بالاضافة إلى السجن المشدد والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه إذا كانت الحيازة والإحراز بقصد التعاطي، ويُعاقب بالسجن المشدد والغرامة التي لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه كل من أدار مكانًا أو هيأه للغير لتعاطي الجواهر التخليقية.
وشددت على أهمية تكثيف حملات التوعية بخطورة تعاطي المخدرات والإدمان، لافته إلى أن القانون وحده لا يكفى لمواجهة هذا الخطر الذى يدمر عقول الشباب، ولا بد من تكاتف المجتمع للقضاء على هذه الظاهرة، والتركيز على دور الأسرة والتعليم فى رفع مستوى الوعي بخطورة المخدرات من خلال الخطاب الدينى والثقافى،فالقانون وحده ليس كافيا.
المواد التخليقية
أما اللواء رفعت عبد الحميد، مدير إدارة الأدلة الجنائية الأسبق وخبير العلوم الجنائية ومسرح الجريمةـ فأوضح أنه تم إدراج 45 نوعا من المواد التخليقية المستحدثة فى جدول المخدرات بقرار من وزير الداخلية عام 2010، وخطورة هذه المواد أنها تدخل البلاد على أنها مواد تباع لأغراض تجارية، ويتم تصنيعها داخل البلاد، وتعتبر المواد التخليقية أكثر فتكا بالمتعاطى،لافتا الى أن وزارة الداخلية اعترفت بوجود ظاهرتين إجراميتين فى مصر هما الاتجار والتعاطى وجلب المخدرات، والاتجار فى السلاح،وكليهما تجارة عالمية غير مشروعة.
واوضح أن مشروع القانون الجديد حاول النزول بجريمة الاتجار والتعاطى للحد الأدنى من خلال تغليظ العقوبات واضافة المواد التخليقية لجدول المخدرات، الا أن العبرة ليست بكثرة التشريعات، خاصة أن مصر تمتلك ترسانة من التشريعات لمكافحة الإدمان وعالم المخدرات ولا تقتصر العقوبات على الاتجار والتعاطى فحسب، ولكنها تمتد لكل من هيأ المكان والأدوات للتعاطي، كما عاقب المشرع الجنائي التاجر أو البائع حتي ولو كانت على سبيل الهدية وتوسعت القوانين فى العقاب غير أن الاشكالية هى تنفيذ القوانين خاصة أن هذه الجريمة تتغير يوما بعد اخر طبقا لما تقرره المافيا فى الخارج.
فاتورة الإدمان
وانتقد خبير العلوم الجنائية الأعمال الدرامية، التى تعرض مشاهد تفصيلية لتعاطى المخدرات وتتوسع فيها فضلا عن اهمال التربية والتقويم المنزلى، مشددا على ضرورة مواجهة هذه الظاهرة الإجرامية القاتلة ومعالجتها بالخطاب الديني والإعلامي والتربوي والتعليمي، والقضاء على البطالة والأمية خاصة أنه لم يقتصر الأمر كما كان قديما فى التعاطي على أصحاب المهن فقط ولكنه امتد الي فئات من الشباب المتعلم سواء كان فى الريف أو الحضر.
وفيما يخص حملات التوعية التى تتبناها وزارة التضامن ووزارة الصحة للتصدى لمشكلة الإدمان أكد أنها بداية طيبة، ولكنها منقوصة فالقضية تتطلب حلول سريعة الأجل وطويلة الأجل، لأن دافعى فاتورة التعاطى ليس المتعاطين والتجار فى السجون، بل الدولة بأكملها هى من تدفع فاتورة الادمان، فالمخدرات تهدر اقتصاد الوطن.
وطالب «عبد الحميد» بضرورة وجود تشريع دولى يحد من مكافحة المخدرات عالميًا، وذلك إما بتوفير موارد بديلة للدول التى تتعايش على تجارة المخدرات، خاصة الدول الفقيرة مثل أفغانستان وكولومبيا وبعض دول شرق وجنوب شرق أسيا مثل لاو وميانمار.
المواجهة
ويوافقه الرأى “عصام الاسلامبولى، الفقيه القانونى، مؤكدا أن التشريعات وحدها غير كافية للتصدى لعالم المخدرات، وأوضح أنه فى أوقات كثيرة يتم تلفيق التهم لمواطنين بحيازة مخدرات من قبل ضباط المباحث، وإثبات ذلك يكون أمرا يسيرا على ضابط المباحث، كما أن هناك بعض الضباط يسهلون دخول هذه السموم، فالمسألة ليست قانون، ولكن الأمر ابعد من ذلك، فالمواجهة يجب أن تكون من المنبع فمثلا كيف تدخل هذه السموم الى مصر، ومن يسهل دخولها، وكيف يتم التغاضى عن تداولها فى الافراح الشعبية والمقاهى..
أرقام وإحصائيات
الأرقام الرسمية لمعدلات تعاطى المخدرات فى مصر، تؤكد أن هناك خطرا وفوضي لابد من مواجهتها بشكل حاسم..فتشير الإحصائيات التي أعدها الصندوق القومي لمكافحة الإدمان إلى أن معدلات التعاطي فى مصر خلال عام 2017 وصلت إلى أكثر من 10% وهي نسبة تمثل ضعف المعدلات العالمية كما أن نسبة التعاطي بين الذكور 72%، بينما بين الإناث بلغت 27%، وأكثر أنواع المخدرات انتشارا بين المدمنين هي أقراص الترامادول بنسبة 51.8 % ويأتي فى المرتبة الثانية الهيروين بأكثر من 25 % ويليه الحشيش بنسبة نحو 23 %.
والإدمان حاليا له أوجه عديدة، فبحسب احصائيات صندوق الادمان فإن 30.6% يتعاطون المخدرات من أجل العمل لفترة طويلة فيتناولون الترامادول، و35.2% يتناولون المخدرات من أجل نسيان الهموم، فى حين يتعاطاها 34.8% من أجل الاكتئاب و36.6% من أجل القبول الاجتماعي، وبدافع التجربة يتناولها 37.8%، و24.9% من أجل الإبداع، وأخيرا 29.1% من أجل الجرأة.
وقد أجرى المركز القومى للبحوث الجنائية، بحثا ميدانيا على عينة من طلاب المدارس الثانوية “92 ألف و391” فى القاهرة الكبرى، وتبين من خلال الدراسة أن نسبة من يتعاطون المخدرات وصل لـ6،11%، بنسبة 90%من مخدر الحشيش و7%من مخدر الأفيون. بلغ سن الأطفال خلال الدراسة “12-18سنة.
وكشفت الدراسة عن أن أسباب تعاطى الأطفال، أن 6،73٪ سمعوا بها، بينما 5،29% لديهم أصدقاء يتعاطونها، و15%لديهم أقارب يتعاطون المخدرات، كما توضح دراسة تم إجراؤها على عدد “2345 من طلبة جامعة القاهرة” و”2735 من طلبة جامعة عين شمس” تكشف انتشار المخدرات بينهم، حيث أكدت الدراسة أن نسبة 9% يتعاطون المخدرات، و15%يدخنون السجائر.
وتوثق الدراسة، هبوط سن المدخنين إلى سن “9 سنوات” فى حين كانت الفئات الأكثر تعاطيًا ما بين”14 – 20 سنة” وتذهب الدراسة إلى أن نسبة انتشار المخدرات بين طلبة الجامعات تصل لـ 60%، وأن نسبة المدمنين فى المرحلة الإعدادية 22%.
وتشير الدراسة، إلى أن نسب تعاطى المخدرات بين الأصدقاء وصلت إلى 82% وفى السيارة 49% فى الحفلات 40%، وفى الحمامات 25%، وأخيرا فى النوادى الليلية بنسبة 15%، وتقول الدارسة: إن مخدر الحشيش والبانجو هما الأكثر رواجا بين الفئات العمرية، وخاصة الشباب، ولاحظت الدراسة، عودة عدد كبير من المدمنين المُعَالجين إلى التعاطى مرة أخرى وخاصة من مخدرات “الكوكايين والأفيون”رغم ارتفاع سعره.
140 مليار دولار
وكشفت لعام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية أن حجم ما ينفقه المصريون على تعاطى المخدرات نحو 140 مليار جنيه سنويًا، وأن المصريين استهلكوا منشطات جنسية وكلها إنتاج محلي بقيمة مليار و110 ملايين و363 ألف جنيه خلال عام 2016 لأشخاص تبدأ أعمارهم من سن العشرين عامًا تقريبا. وتشير الدراسة إلى أن لدينا 20 مليون شخص يتعاطون الحشيش و40 مليونا يتعاطون البانجو. وأن الانفاق اليومي على المخدرات يقدر بـ 60 مليون جنيه. وأن الشرائح العمرية الأقل بدأت تدخل فى طابور المخدرات وهو ما أثبته مسح وزارة الصحة الذي نشرت نتائجة العام الماضى ويشير إلى أن معدل انتشار إدمان المواد المخدرة بحسب المسح الصحي 2016 / 2017 بلغ 0.86% بين طلاب المدارس الثانوية بالجمهورية، وأن نسبة من يدمنون الحشيش 0.50%. وللفودو 0.27%. أما الأقراص المهدئة فبلغت 0.45%. ومدمني الخمور 0.42%.فى حين كان الترامادول 0.34%. وعقاقير الهلوسة 0.31%، والمذيبات العضوية 0.30%. وعقاقير بناء العضلات 0.26%. أما مدمنو الأفيون 0.24%.فيما بلغ إدمان الكوكايين 0.17% ومدمنو الهيروين بنسبة 0.10%.

التعليقات متوقفه