القوى في السودان ..ضغوط على طريق الإتفاق ..أم تصعيد للشقاق والفراق؟

350

بقلم: محمد فرج

الأخبار التي تأتي من السودان، تتراوح بين التقدم خطوة للأمام .. والتراجع خطوات للخلف، ولعل من أخطرها لجوء قوى الحرية والتغيير للتصعيد الميداني رداً على فشل الاتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي حول رئاسة المجلس السيادي.

ولا توجد مشكلة في الاختلاف والاتفاق، فهما من السمات والخصائص المرتبطة بعمليات الحوار والتفاوض، لكن المشكلة تكمن في ردود الأفعال، وأساليب التعاطي مع الخلافات، خاصة عندما تكون ردود الأفعال معلنة على الهواء عبر التصريحات والمؤتمرات الصحفية والبيانات السياسية، وبصفة خاصة عندما تكون أساليب الضغط مرتبطة بالتلويح بالتصعيد الميداني، ودفع الجماهير المحتشدة نحو درجات أعلى من الغضب والتوتر والاحتجاج والعصيان المدني، هنا تتضاعف المخاطر وتتعقد السيناريوهات وقد تصل إلى نقطة اللاعودة، أي الخروج من حلبة الضغوط بحثاً عن نقاط تلاقي، والدخول في جلبة الصراع التي قد تؤدي إلى مخاطر الشقاق والطلاق.

والملاحظات الأساسية تكمن في أن الحوار بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في السودان، كانت قد سارت شوطاً كبيراً نحو الاتفاق، عندما نقلت حوارها بعيداً عن كاميرات الإعلام والبيانات السياسية والتصريحات الصحفية للقيادات الميدانية، وعندما انتقلت من الحوار حول شكل السلطة بمكوناتها الثلاث – المجلس السيادي والحكومة والبرلمان – إلى التركيز حول مهام كل هيئة من هذه الهيئات الثلاثة، عندما انتقلت إلى الجوهر اتفقت، وعندما عادت إلى الشكل اختلفت.

هذه ملاحظة أولى، أما الثانية فمن الملاحظ أن الطرفين قد اتفقا على مهام وتكوين كل من الحكومة كسلطة تنفيذية وحكومة كفاءات مدنية برئيس مدني، والبرلمان من 300 عضواً تختار قوى الحرية والتغيير أغلبية أعضائه بنسبة 67% وتختار باقي القوى السياسية والمدنية المشاركة في الانتفاضة 33% الباقية، كذلك اتفق الطرفان على رفض مشاركة رموز ورؤوس وحزب نظام البشير – نظام الجبهة القومية الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني – في مؤسسات السلطة الجديدة، أما الخلاف فقد انحسر في نسب التمثيل وفي رئاسة المجلس السيادي، فهل يستدعي هذا الخلاف اللجوء لأسلوب التصعيد الميداني أم للحوار؟

الملاحظات التي لا يلتفت إليها كثير من المحللين تتمثل فيما يلي:

1- هل تتعامل قوى الثورة ممثلة في قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري الانتقالي بتكوينه الراهن باعتباره جزءً من قوى الثورة أم ممثلاً لقوى الثورة المضادة؟ بمعنى هل هو حليف تم اللجوء إليه من قوى الثورة واستجاب؟ أم هو مجرد انقلاب عسكري يجب الإسراع في إزاحته؟

2- هل يتصور حلف الثورة أن المهمة الجوهرية الراهنة، هي استكمال عملية إزاحة سلطة البشير ونظامه المتغلغل في مفاصل وشرايين الدولة والمجتمع السوداني؟ أم أن هذه المهمة قد تم إنجازها بمجرد إزاحة رأس النظام عن الحكم؟ وبالتالي يتفرغ حلف الثورة لمهام أخرى ليس من بينها بناء حلف اجتماعي سياسي مهمته الرئيسية القضاء على سلطة ونظام الرئيس المعزول وحلفه الإسلامي السوداني والإقليمي والدولي.

3- بناء على الملاحظتين السابقتين تأتي الملاحظة الثالثة التي تتصل برؤية قوى الحرية والتغيير والقوة المدنية لدور الجيش الوطني السوداني وبالتالي دور المجلس العسكري الانتقالي في مهام المرحلة الانتقالية التي ستبدأ في السودان بعد إعلان نجاح الثورة، هل ترى قوى الحرية والتغيير للجيش والمجلس العسكري دوراً ؟ وما هو هذا الدور؟ وكيف يتم التعبير عنه وتمثله في مؤسسات السلطة الجديدة؟

هذه الملاحظات التي تعبر عن القلق لمسار حوارات وخلافات القوى في السودان، هي في النهاية ملاحظات متابع من بعيد، لكنها تنطلق من السؤال الجوهري حول طبيعة الخلافات، ونظرة المتحاورين لطبيعة المهام الرئيسية، وطبيعة التناقضات الرئيسية الراهنة، وتنطلق من الخوف من اتجاه الحوار نحو الشكل ونسب التمثيل والمدني والعسكري، وتراجع الحوار عن المهام الرئيسية.

وأياً ما كان السبب الحقيقي خلف الخلافات الأخيرة حول المجلس السيادي، فهل لم يكن ممكناً الوصول للاتفاق إلا عبر التصعيد الميداني؟ وهل من المحتم أن يقود هذا التصعيد إلى اتفاق؟ أم أنه قد يفتح الباب لكثير من شياطين الجن والإنس؟ وإلى مزيد من الخلاف والشقاق؟

*بقلم محمد فرج

التعليقات متوقفه