هل تدخل روسيا والولايات المتحدة فى سباق تسلح جديد؟

* الولايات المتحدة خرقت الاتفاق و اتهمت روسيا.. فهى دمرت 50% مما دمرته روسيا * قدرة روسيا على الرد والانسحاب من الاتفاق جعلت الولايات المتحدة تفكر فى الانسحاب من اتفاق آخر * هدف واشنطن الضغط على روسيا وإظهار أنها حامى الأوروبيين من خطر روسى

174

أصدر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يوم 30 مايو 2019 قراراَ بإحالة مشروع قانون خاص بانسحاب روسيا من اتفاقية حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى للبرلمان الروسى، وذلك بعد أن أعلنت إدارة ترامب عن رغبتها فى الانسحاب من الاتفاق بدعوى مخالفة روسيا للاتفاق، ورغبة واشنطن فى توسيع الاتفاق بضم دول أخرى للاتفاق مثل الصين، وهو ما رفضته موسكو جملة وتفصيلاً، واتهمت الولايات المتحدة بأنها ألغت الاتفاق لأنها شعرت بأن هذا هو الأفيد على الأقل فيما يتعلق بالضغط على الأوروبيين. من جانبه دعا رئيس البرلمان الروسى فياتشسلاف فولودين الولايات المتحدة للتفكير فى قرارها والعودة لتنفيذ الاتفاقية، بينما أعربت رئيسة مجلس الفيدرالية الروسية عن استعداد بلادها لإنتاج أنواع جديدة من الأسلحة، تتماشى مع مصالح الأمن القومى الروسى.
نهاية الحرب الباردة
لكن ورغم الجدل الدائر يطل برأسه على الساحة سؤال مهم، من الذى خرق الاتفاق أولاً؟ هذا الاتفاق تم التوقيع عليه فى ديسمبر عام 1987 بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، بين الرئيس ريجان وميخائيل جورباتشوف، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ فى يونيو 1988. ويعتبره كثير من المراقبين هو نهاية الحرب الباردة بشكل فعلى، وليس كما يقول البعض انها انتهت بسقوط حائط برلين، فلأول مرة فى تاريخ العلاقات بين البلدين يتم الاتفاق على التخلص من طراز من الصواريخ بشكل كامل وتدميره، فقد اتفق الطرفان على التخلص بل وتدمير كل المجموعات من الصواريخ الباليستية والمجنحة المتمركزة على الأرض والتى يبلغ مداها من 1000 إلى 5500 كم، والأهم هو عدم إنتاج أو إجراء تجارب أو نشر هذه الأنواع من الصواريخ فى المستقبل. وكان من المفترض تدمير قواعد إطلاق هذه الأنواع من الصواريخ المنصوبة على الأرض على مدى ثلاث سنوات، والتى يبلغ مداها من 500 وحتى 5500 كم، ويسرى هذا الاتفاق على الصواريخ المتمركزة سواء على الجزء الآسيوى أو الأوروبى من الاتحاد السوفيتى، وينص الاتفاق كذلك على آلية للمراقبة للتأكد من تنفيذ عملية تدمير الصواريخ من كل طرف على الآخر. مع حلول شهر يونيو 1991 كان الاتحاد السوفيتى قد دمر بالفعل 1846 مجموعة صواريخ، بينما لم تدمر الولايات المتحدة سوى 846.
إمكانية الخروج
لأول مرة أعلنت الولايات المتحدة عن احتمال الخروج من اتفاق حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة، كان فى يونيو عام 2000 حينها أعلن الرئيس بوتين، أنه كرد على احتمالية خروج الولايات المتحدة ستقوم روسيا بوقف الحد من منظومات الدفاع الصاروخى. وفى فبراير عام 2007 وحول نفس الموضوع صرح رئيس الأركان الروسى آنذاك يورى بالويفسكى، إن بلاده قد تعيد النظر فى كل اتفاقيات الردع النووى، كرد على نشر الولايات المتحدة لمنظومات مضادة للصواريخ فى أوروبا الشرقية.
الاتفاق ذو طابع غير محدد المدة، لكن إمكانية الخروج من الاتفاق موجودة ومتاحة لكلا الطرفين، إذا قدم طرف اثباتات لا تقبل الشك بضرورة خروجه من الاتفاق، واليوم هذه الأدلة موجودة: حيث تقوم العديد من الدول بإنتاج وتطوير صواريخ متوسطة المدى، بينما كانت روسيا أثناء تنفيذ هذا الاتفاق قد فقدت العديد من أنظمة هذه الصواريخ، كما أكد السيد بالويفسكى حينها.
بينما صرح الجنرال نيكولاى سولوفتسوف قائد قوات الصواريخ فى الجيش الروسى، بأن بلاده على استعداد لاستئناف إنتاج الصواريخ الباليستية متوسطة المدى «مشيراً إلى أن الصواريخ تم تدميرها لكن الرسومات التقنية الخاصة بها موجودة بحوزة القوات المسلحة، وإذا تطلب الأمر يمكن استئناف الإنتاج. جاء تصريح قائد القوات الصاروخية الروسية كرد على موافقة جمهورية التشيك وبولندا على نصب منظومات أمريكية مضادة للصواريخ على أراضيهما وهو ما اعتبرته موسكو خرقا لاتفاق حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، لأنه من الممكن استخدم صواريخ تشبه القصيرة والمتوسطة المدى المتمركزة على الأرض كأهداف تدريب لمنظومة الدفاع الصاروخى، وكذلك نشر طائرات مسيرة فى المستقبل.
صواريخ مجنحة
وكما يؤكد الخبراء إن منصات إطلاق عمودية من طراز إم كا 41 من مضادات الصواريخ منصوبة بالفعل فى كل من بولندا ورومانيا، وهو ما يسمح بإطلاق، ليس فقط مضادات الصواريخ من المستوى 2 والمستوى 3، ولكن أيضاً بإطلاق صواريخ توما هوك متوسطة المدى (100 2200 كم) وتستطيع حمل رءوس نووية. وكما يقول الخبراء استكمالاً لخرق الولايات المتحدة للاتفاق فى عام 2013، قامت الولايات المتحدة بإجراء تجارب على إطلاق صواريخ جوية من الأرض يصل مداها ألف كم، وفى عام 2017 وقع الرئيس ترامب مشروع قانون الدفاع الذى ينص على تخصيص 25 مليون دولار لتطوير صواريخ مجنحة من نفس النوع السابق ذكره والذى من المفترض تم تدميره، وهذا يعتبر خرقا لاتفاق حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة. ورغم وصف الرئيس بوتين فى يونيو عام 2013 للاتفاق الذى وقعه جورباتشوف وريجان بأنه كان مثيرا للجدل، وتصريح رئيس الديوان الرئاسى سيرجى إيفانوف بأن روسيا ستنسحب من الاتفاق، غير أنه لم يحدث شيء، حتى جاء قرار الرئيس بوتين فى 30 مايو 2019.
من الجانب الأمريكى أول إشارة على رغبة الولايات المتحدة فى الانسحاب من الاتفاق، جاءت فى عصر الرئيس أوباما عندما أرسل خطاباً للرئيس بوتين يتهم فيه روسيا بخرق الاتفاق، وأنها تقوم بإجراء تجارب على صواريخ مجنحة متوسطة المدى، مخالفة بذلك الاتفاق. ولأول مرة بمبادرة من الجانب الأمريكى جرت الدعوة لاجتماع لجنة المراقبة المشتركة على الاتفاق فى جنيف فى نوفمبر عام 2016، لكن لأول مرة ناقش الكونجرس الأمريكى احتمال خروج الولايات المتحدة من الاتفاق فى أغسطس 2017، لكن القرار النهائى اتخذته السلطات الأمريكية فى 1 فبراير 2019.
بمجرد أن أخطرت الخارجية الأمريكية روسيا بقرار الخروج من الاتفاق، أعلن الرئيس بوتين أن بلاده ستوقف مشاركتها فيه، وهو ما يعتبر ردا بالمثل على القرار الأمريكى، وقام الرئيس بوتين بتكليف وزير دفاعه سيرجى شويجو ووزير خارجيته سيرجى لافروف بالتوقف عن محاولات المبادرة بالمحادثات الخاصة باتفاق حظر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، مادام الجانب الأمريكى لم يبادر بالحوار بنفسه. جدير بالذكر أن مجلس الدوما (البرلمان) ومجلس الفيدرالية أعلنا عن تأييدهما لقرار الرئيس بوتين بوقف مشاركة روسيا فى الاتفاق.
تذمر أوروبي
لكن السؤال الأهم بعد كل هذا الجدل الدائر، هل سيبدأ سباق تسلح جديد فى أوروبا، بعد أن أصبحت طبول الحرب الباردة تقرع بشدة بين موسكو وواشنطن؟ من الصعب حتى الآن الحديث عن ذلك، فكما يقول الخبراء كان إعلان واشنطن عن الانسحاب من الاتفاق مجرد بالونة اختبار، لاختبار مدى صلابة روسيا، لكن هاهى روسيا اتخذت القرار وانسحبت. فى الواقع هذا الاتفاق لا يهم كثيراً لا روسيا ولا الولايات المتحدة، والأمريكيون يدركون هذا، فالاتفاق مهم فقط للأوروبيين، فالاتفاق عندما وقع كانت تحتاجه فقط أوروبا، لأنها كانت أرض المعركة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، والسؤال ماذا يريد الأمريكيون من إلغاء الاتفاق، عودة الصواريخ إلى أوروبا من جديد؟ فى هذه الحالة ستوجه روسيا صواريخها إلى دول حليفة للولايات المتحدة، فهل معنى ذلك ستتخلى واشنطن عن حلفائها الأوروبيين وتتركهم تحت رحمة الصواريخ الروسية. أم تريد الولايات المتحدة أن تعطى لنفسها أهمية فى حماية أوروبا بعد تذمر الأوروبيين من هوائية ترامب ومحاولاته فرض شروط اقتصادية غير مقبولة عليهم منها اجبارهم على شراء الغاز الأمريكى الأغلى من الروسى بما لا يقل عن 30% ومنها القبول بالشروط التجارية الأمريكية وإثناء أوروبا عن إنشاء جيش أوروبى وليشرب ترامب زعامة الناتو، لكن الذى لا شك فيه وأجمع عليه الخبراء هو أن إلغاء الاتفاق من طرفيه ستكون ضحيته أوروبا من الناحية الاستراتيجية. لكن يبدو أن الرد الروسى فتح شهية ترامب ليقلب الطاولة على الجميع، عندما تحدث البعض فى واشنطن عن احتمال إعادة النظر فى اتفاقيات الحد من الصواريخ الهجومية الاستراتيجية. لكن الذى لا شك فيه أن هناك نارا تحت الرماد فى علاقات القطبين الكبيرين، هذا النار متمثلة فى حرب باردة جديدة بدأت بالفعل وفى سباق تسلح قادم. لكن روسيا تعلمت من درس انهيار الاتحاد السوفيتى وتحاول بقدر المستطاع تجنب الدخول فى سباق تسلح ينهك اقتصادها.

د. نبيل رشوان

التعليقات متوقفه