أمينة النقاش تكتب رسالة إلى لينين الرملى

296

أعرف أن الإنصاف، ليس من الفضائل الشائعة فى الوسط الفنى والثقافى والأدبى، ووسط المعنيين بالشأن العام، وأعرف أن الضغائن والمنافسة الشريرة والحسد والغيرة، أدوات فاسدة منتشرة بشتى الطرق فى تلك الأوساط تقتل وتميت بالعتمة فى أحيان كثيرة، وأعرف أن الموهوبين حقاً، المنجزين حقاً، يمتلكون من الترفع والكبرياء، وعزة النفس، والإباء، والخجل، ما يمنعهم من التوجه نحو منصات المطالبة، أى نوع من المطالبة، حتى لو كانت حقوقاً، لا جدال فى جدارتهم لاستحقاقها، أعرف أن الشلل الثقافية التى تملك المنع والمنح، والمستحوذة على كل المنابر والمنصات، القادرة إلى حين، على الترويج لنفسها والمحيطين بها، وجنى المكاسب الشخصية التافهة، بالإلحاح تارة والابتزاز أخرى، برغم ضآلة ما تملكه من مواهب، ليس فى قاموسها كلمة إنصاف، ولا تتوانى عن الثأر ممن تظنهم منافسين لها، وتشكل مواهبهم المشعة الباهرة خطراً عليهم وعلى استمرار ما يروجونه عن أنفسهم!

أعرف أن للجمهور المتلقى ذائقة فنية وأدبية تتسم بصدق تلقائى، تعلو على كل تلك الصغائر، وتفرق بين الغث والسمين، والهابط والراقى، والدعى والصادق، وتضع فى جوانحها ونن أعينها، كل من ساهم فى إسعادها وأدخل البهجة على حياتها، بكلمة أو بسمة أو حتى وعد بفرح قادم، وإلا ما معنى أن تترك بائعة الخضار المنصة المتواضعة التى تحوى كل رأسمالها فى الحياة من خضروات، عارية دون حماية من أحد، لكى تشارك مع جموع أتوا من كل حدب وصوب، معظمهم من البسطاء والعامة للمشاركة فى تشييع جنازة سعاد حسنى، ومن قبلها عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش، ومن بعدهم فاتن حمامة، من قبل ومن بعد، مشاهد الجموع الزاحفة التى خرجت تصرخ وتذرف الدموع فى وداع الزعيم جمال عبدالناصر.

أعرف أيضاً أن للتاريخ منصة إنصاف عادلة قادرة بحكم عدل ميزانها، أن تنصف الأحياء من الأحياء، كما سبق أن أنصفت موتى من الأحياء.

وفى صفحة ناصعة البياض فى سجلات تاريخ الفن السينمائى والدراما التليفزيونية والإذاعية والمسرحية، سوف يكتب بحروف من نور اسم «لينين الرملى» الذى أسس مدرسة فريدة فى الدراما، من طراز رفيع، على مدار أكثر من أربعين عاماً من عشقه الصوفى المتجرد لعالم المسرح، وأثرى هذا العالم المسرحى بخياله الخصب وثقافته المتنوعة، وسخريته اللاذعة، فضلا عن موهبته وجهده وماله الخاص، وهمته التى لا تفتر أبدا فعل ذلك بعيدا عن دعم «المؤسسة»، أى مؤسسة، سواء كان دعماً فى مجال النقد الأدبى أو المالى، وربما بسبب ذلك، إذ تحرر من مختلف الضغوط، التى تفقد المبدعين ليس فقط حريتهم فى التعبير، بل تفقدهم كذلك استقلالهم، ليصبح ظاهرة لا شبيه لها فى تاريخ المسرح المصرى، كمؤلف ومخرج ومدرب ومعلم وصانع للمواهب، مستخرج للتبر من التراب، جالب للضحكة وللبسمة والبهجة والفرح من قلب أكوام الخراب.

وتلك ظاهرة استثنائية، لم يحظ أحد بمثل تميزها ومكانتها حتى الآن، والسبب بسيط للغاية، أن عين لينين الرملى النابهة، كانت مصوبة دائماً نحو الإنسان العادى، يضحكه حتى على نفسه وحياته ومشكلاته، ويؤثر فيه حين يهدم له بجسارة وجرأة، موروثات بالية وراسخة، ثم يشركه فى النهاية فى حمل رسالة محبة غامرة للحياة، تنتصر لقيم العقل والعلم والعدالة والمساوة والحرية، وتأخذ بيدهم معه لمناصبة التعصب والخرافة والظلم والعدوان والشره الاستهلاكى والتفاهة، العداء.

ويا زميل الدراسة وصديق العمر الجميل «لينين الرملى»، أصحى لو سمحت، تكلم، فمحبوك مكلمون حزانى، وهم أكثر من أن يحصوا، وبـ«العربى الفصيح» غادرت الضحكة أرواحهم بعدما لُذت بالصمت.

*أمينة النقاش

التعليقات متوقفه