من مدريد.. إلى ورشة المنامة إسرائيل هي الرابحة

191

ورشة المنامة تعيد إلى الأذهان ذكريات مؤتمر مدريد للسلام عندما جرّت الولايات المتحدة كل العرب للجلوس مع الإسرائيليين حول مائدة واحدة عام 1991، وجها لوجه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير، الذي كان مدرجاً على قوائم الإرهابيين المطلوبين لبريطانيا بسبب جرائمه فى فلسطين قبل حرب عام 1948.
التشابه بين الحدثين هو أن إسرائيل هي التي تنجح دوماً فى الاستفادة من التحولات التي يشهدها العالم، أو التي تشهدها المنطقة، ففى أواخر القرن الماضي استفاد الإسرائيليون من انهيار الاتحاد السوفييتي، واستفراد الولايات المتحدة بالعالم، وقاموا باستدراج الفلسطينيين ومعهم العرب لتوقيع اتفاقات سلام والقبول بـ»حكم ذاتي» مع «وعد بدولة». بعد ذلك استفادت إسرائيل دون غيرها من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول2001 وموجة الخوف العالمي من الإرهاب، ولولا تلك الهجمات الدموية لما حصلت إسرائيل على موافقة أمريكية بتنفيذ عملية «السور الواقي» وبناء الجدار العنصري الفاصل، واغتيال كل من ياسر عرفات وأحمد ياسين.. فقد نجحت تل أبيب فى مطلع الألفية الجديدة فى التلبيس على العالم وإقناع الأمريكيين والكثيرين غيرهم بأنها «ضحية أعمال ارهابية».
يستفيد الإسرائيليون مجدداً من الظروف الدولية والاقليمية الراهنة؛ فثمة رئيس أمريكي ليس له مثيل فى الانحياز للمشروع الصهيوني ضد العرب، إضافة إلى حالة غير مسبوقة من الانهيار العربي والخلافات البينية، تكاد تُفتت العديد من دول المنطقة وكياناتها، وثمة انقسام فلسطيني داخلي أدى إلى تعطيل الفصائل الفلسطينية كافة وتحويلها إلى ما يشبه «جمعيات خيرية» تبحث عن تأمين الرواتب للموظفين والمساعدات للعائلات المستورة فى غزة والضفة الغربية. فى ظل الوضع الراهن والمعطيات القائمة ينعقد مؤتمر البحرين الاقتصادي، الذي لا يمكن أن ينتهي بأي شيء إيجابي للفلسطينيين أو العرب ما داموا هم الطرف الأضعف، وما دام المنظمون منحازون للاحتلال الإسرائيلي، ويعتبرون القدس عاصمة لإسرائيل، ويعتبرون الجولان جزءاً من إسرائيل. تريد إسرائيل اليوم أن تستفيد من الواقع العربي المتردي مجدداً، فالأنظمة العربية تتهافت من أجل الحفاظ على كراسيها، والفلسطينيون منقسمون ويعيشون أضعف أحوالهم، والإدارة الأمريكية منحازة إلى أبعد مدى للإسرائيليين ولا تخفى ذلك، وما يجري الآن هو فقط استفادة من هذه الأوضاع لفرض مزيد من الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة، وإنتاج وضع لا يمكن معه منح الفلسطينيين أي دولة ولا استقلال ولا حرية، لا فى الوقت الحالي ولا فى المستقبل.
مؤتمر البحرين ليس بداية لمشروع سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وإنما هو تمهيد لإقامة علاقات مباشرة بين العرب واسرائيل بما يخدم المشروع الاسرائيلي فى المنطقة، كما أنه محاولة لتجاوز الفلسطينيين والقفز عنهم وعن كل مؤسساتهم وتحويلهم إلى مجرد «جالية» أو «أقلية» داخل اسرائيل، التي يعترف بها كل العرب ويقيمون معها علاقات مباشرة. والأخطر من ذلك أن بعض الأنظمة العربية المتهافتة على الكراسي، قد تقدم الشرعية اللازمة للاحتلال الاسرائيلي من أجل البقاء فى القدس والضفة الغربية، لا بل تقوم بتمويل الصيغة التي يقبل بها الاحتلال.. أي أنها ستتحمل تكاليف هذا الاحتلال عبر إيهامها بأنها «تستثمر» فى الأراضي الفلسطينية.
القوى الفلسطينية لا تزال موحدة غير منقسمة عندما يتعلق الأمر بالثوابت الوطنية والقضايا المصيرية أهم ما فى مؤتمر البحرين اليوم أن الفلسطينيين غائبون، وكل ما عدا ذلك هو مجرد تفاصيل، فمن يريد من العرب أن يقيم علاقات مع اسرائيل فليفعل، ومن يريد أن يلقي بملياراته فى جيوب ترامب فليفعل وكل هذه هوامش.. المهم اليوم أن الفلسطينيين يقاطعون هذا المؤتمر المشبوه، وهذا موقف تاريخي يحمل جملة من الدلالات المهمة، أهمها أن الفلسطينيين، بمن فيهم السلطة فى رام الله، لديهم القدرة على قول (لا) عندما تكون الحاجة ماسة لها، وأنهم على الرغم من ضعفهم يستطيعون مقاومة الضغوط العربية والأمريكية. أما الدلالة الثانية والمهمة فهو أن القوى الفلسطينية لا تزال موحدة غير منقسمة عندما يتعلق الأمر بالثوابت الوطنية والقضايا المصيرية.
والخلاصة هي أن مؤتمر البحرين لا قيمة له، فلسطينياً على الأقل، وأي اتفاق عربي مع اسرائيل يقفز عن الفلسطينيين فلن يكون له أي شرعية أيضاً، وسوف يكون أشبه بوعد بلفور، حيث سيكون اتفاقاً بين من لا يملك ومن لا يستحق ولا يمكن فرضه على أصحاب الشأن الأساسيين، وهم الفلسطينيون الموجودون على أرضهم.
كاتب فلسطيني *

محمد عايش

تعليق
  1. الديوانى يقول

    الهدف الرءيسي وراء “منتدي المنامة”
    الخطا الذي يقع فيه الكثيرين ان “صفقة القرن” او “منتدي المنامة” حول القضية الفلسطينية. ليس من المتوقع ان يسفر هذا المنتدي عن اي شيء حيال القضية الفلسطينية ولكنه كمازال يحقق الكثير من اهداف اسراءيل والولايات المتحدة فى المنطقة. الخطوة الاولى تقسيم الارضيّة الجيوبوليتكال فى المنطقة الى “اسراءيل والفلسطينيين” وفى هذه المرحلة “اسراءيل وبقية العرب”. نجاح هذا المنتدي حتى قبل عقده سيكون جلوس وفد اسراءيلي جنبا الى جنب مع وفد سعودي رفيع المستوي ووفود من دول الامارات. وعلى الرغم من وجود التنسيق “المصري الاسراءيلي” (وكذلك “الأردنى الاسراءيلي”) كان من الضروري مشاركة مصر فى المنامة لتعطي غطاء فى المرحلة الحالية انه “اسراءيلي عربى” على الرغم من مقاطعة معظم الدول العربية. زيارة نتنياهو لعمان منذ عدة اسابيع كانت مجرد تمهيد لمنتدي المنامة لتقليل وقع الصدمة على الشعوب العربية. من الواضح ان الخطوة القادمة هى التفاهم “الاماراتى الاسراءيلي” وتحالف عسكري ضد العدو المشترك ايران. النظام السعودي يجد نفسه محاصرا من الشمال بالعراق وسوريا ولبنان وفى الجنوب اليمن واصبح لا مفر من تحالف سافر مع اسراءيل اكبر قوة عسكرية فى الشرق الأوسط.

  2. الديوانى يقول

    دروس من التاريخ : سقوط الدولة الفاطمية
    فى اخر ايام الدولة الفاطمية قام شارو (اخر الوزراء العظام) بالتحالف تارة مع دولة الزنك ضد دولة الصليبيين وتارة مع دولة الصليبيين ضد الزنك للبقاء فى الحكم. انتهت الدولة الفاطمية بغزو مصر (مرة اخري) وإقامة الدولة الأيوبية وإعدام شارو.

التعليقات متوقفه