قضية للمناقشة: حرب باسم الله

367

حدثني شاعر نيجيري عن ما يشابه اليقين المبني على معلومات لدى المثقفين فى نيجيريا تفيد بأن أطرافاً فرنسية كانت ولاتزال ضالعة فى تأسيس جماعة « بوكوحرام» وهي جماعة تكفيرية بإسم الاسلام قامت منذ سنوات حرفياً بتعطيل تطور المجتمع النيجيري وتحديثه، إذ انشغل بالدفاع عن نفسه ضد ممارساتها الوحشية، وعدائها للنساء وللحداثة، والتعايش بين الأقوام والديانات.
ونشرت جريدة الشرق الأوسط قبل أيام عرضا لكتاب المؤلف الفرنسي « أليكس جوردانوف» حروب الظل للإدارة العامة للامن الداخلي « قال فيه : « من المؤكد أن اسم « خشب الجميز» لا يعني شيئاً بالنسبة للفرد العادي إلا أنه يمثل فى الواقع أهمية كبرى، كونه فى الواقع اسماً حركياً لواحدة من أهم حروب الظل الكبرى التي كان يكمن هدفها الأساسي فى قلب نظام « بشار الأسد « فى سوريا فى خريف 2011، إلا أنها توقفت فى سنة 2017، ولم تعرها وسائل الإعلام الغربية اهتماماً كبيرا، رغم كلفتها الباهظة التي تجاوزت العديد من مليارات الدولارات، وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة والذخيرة التي ساعدت كثيرا قوة التمرد الفاعلة التي يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة، أو تلك التي تمثل جزءًا فيها، وهي تعد أهم عملية تهريب أسلحة فى التاريخ لتشمل 17 حكومة على الأقل لنقل الأسلحة إلى التنظيمات المتطرفة أو المتمردة بواسطة إحدى شركات الطيران من « أذربيجان « ويقود العملية جنرال وهو قائد جهاز أمن من أجهزة المخابرات الأمريكية « واعتذر عن طول الاقتباس.
ويقدم الصحفى الذي عرض الكتاب من « القاهرة « موضوعه تحت عنوان « المخابرات الفرنسية فى حروبها الصامتة ضد التنظيمات الإرهابية « رغم أن ما يتبين لنا من القراءة المدققة للموضوع أن دور المخابرات الفرنسية انصب على محاولة إسقاط « بشار الأسد « وهو ما يقتضي مساندة التنظيمات الإرهابية التي تدفقت إلى سوريا لإنجاز هذه المهمة، لا محاربتها.
ولا أظنني فى حاجة لأن أبين الأدوار التي تلعبها كل من أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي دفاعا عن الإخوان المسلمين، والزيارات التي قامت بها كل من « كاترين أشيتون « مفوضة الاتحاد الأوروبي السابقة للشئون الخارجية و» هيلاري كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية لدى إسقاط الشعب المصري لحكم الإخوان المسلمين بعد مظاهرات مليونية عام 2013، وكان الهدف من هذه الزيارات هو الدفاع عن ما أسموه « شرعية « حكم الإخوان وهي الشرعية المزورة التي أسقطها الشعب. ولعله من المفيد أن نتذكر للمرة الألف أنه لدى تأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين عام 1928 كانت شركة قناة السويس الإنجليزية هي الداعم المالي الأكبر له.
كذلك بوسعنا أن نسوق تفاصيل كثيرة جدا عن الدور الأمريكي المثابر فى مساندة « سيد قطب « على بلورة أفكاره التكفيرية حين قدمت له منحة من أجل تعلم اللغة الإنجليزية، وقد توصل الكاتب « على العميم « بعد قراءات مدققة إلى أن كتاب سيد قطب « العدالة الاجتماعية فى الإسلام « يقع ضمن مشروع أمريكي سياسي حشدت فيه المسيحية ومعها الإسلام لإضرام حرب دينية على الشيوعية، وهذا ما أهل « سيد قطب « من قبل الطرف الأمريكي الاستخباراتي لأن ينال بعثة مفتوحة لامريكا، وكان من مقتضيات هذا المشروع خلق تعاون وتوافقات آنية وعاجلة بين المسيحية والإسلام من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك من خلال الدين وبواسطة الدين كإحدى آليات مواجهة الشيوعية والحد من انتشارها «.
ويكتب المؤرخ « محمد عزت دروزة « فى مذكراته أنه حين أراد زعماء القدس إنشاء جمعية باسم الجمعية العربية الوطنية، أوعزت لهم السلطات البريطانية بأن يسموها « الجمعية الإسلامية المسيحية «.
وهناك تفاصيل كثيرة عن الدور الذي لعبته القوى الاستعمارية والإمبريالية لإبقاء المنطقة غارقة فى الدين بديلا للثقافة والحداثة خاصة بعد أن كانت المنطقة قد تحررت من الاستعمار القديم، ثم جرى إنشاء إسرائيل فى القلب منها كتجسيد عملي لهذا التوجه، وتوافقت هذه النزعة الاستعمارية مع ميول الرجعية المحلية القبلية والعائلية التي تنتمي للعصور الوسطى وتسعى للحفاظ على عروشها ومصالحها بأي ثمن فلعبت بدورها لعبة الدين حتى وصلنا إلى أن « معظم تيارات الفكر العربي لا تزال مسجونة داخل النفق المظلم نفسه الذي حصر سؤال النهضة فى بعد الدين وحده» كما يقول الباحث الراحل فى علوم القرآن « نصر حامد أبو زيد « وهو واحد من المجددين المبدعين للفكر الديني، وجرى تكفيره ونفيه.
نردد كثيرا أن ثمة خطرا لحرب عالمية ثالثة سوف تندلع شراراتها بسبب الصراعات الدائرة فى مواقع كثيرة من العالم، وإذ تدافع الولايات المتحدة الأمريكية بشراسة عن هيمنتها التي تتآكل بالتدريج.
وواقع الأمر أن الحرب العالمية الثالثة دائرة فعلا باسم الدين هذه المرة، وتحت لافتات الهوية وصراع الحضارات أي أن عنوانها ثقافي، وأساسها المنظمات الإرهابية التي تتوالد كالفطر باسم الدين، وصحيح أن الدين الإسلامي يحظى بنصيب كبير منها، لكن التدقيق فى الأمر يبين لنا أن كل الديانات تفرز نفس الظواهر أو ما يشابهها، وتستفيق بعض النظم العائلية الحاكمة بعد أن إنقلب السحر على الساحر كما يقال أي بعد أن ساندت ومولت ودربت المنظمات الإرهابية باسم حماية الدين، والحقيقة أنها كانت تدافع عن أشكال حكمها الإستبدادية وغير المشروعة والفاسدة، وبطبيعة الحال ليس هناك ما هو أسهل من سلاح الدين لقمع المعارضين، ووأد القوى والأفكار الجديدة، بما فيها ما يتعلق بتجديد الفكر الديني واستلهام التراث نقديا.
وهكذا يطل علينا وإن فى لباس جديد وبشعارات جديدة ذلك الثلاثي الذي طالما واجهته الشعوب وهي تنجز عملية تحررها من الاستعمار القديم، أي قصور المٌلك والطبقات الرجعية التي على استعداد للتحالف مع الشيطان دفاعاً عن مصالحها، والإمبريالية العالمية فى أحط مراحلها، فماذا نفعل الآن ؟ تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى عمل جماعي جبار.

التعليقات متوقفه