إقصاء الجماعات من الساحة الدعوية.. بعد 30 يونيو.. التخلص من القيادات الإخوانية.. غزو الفضاء الإلكترونى.. وانتشار الوعاظ بالمحافظات

395

تباينت أراء العلماء والباحثين، حول دور المؤسسات الدينية الثلاث «الأزهر، الإفتاء، الأوقاف»، عقب ثورة 30 يونيو، والإطاحة بجماعة الإخوان، حيث أكد البعض أن المؤسسات قامت بدور كبير فى نشر وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين بالداخل والخارج، من خلال السيطرة على المنابر، واقتصارها على علماء الأزهر، والتخلص من القيادات الإخوانية بالمشيخة، إلى جانب غزو الفضاء الإلكتروني وجذب عدد كبير من الأفراد حول العالم لمتابعتها، بينما يرى آخرون أن جهود تلك المؤسسات لم تكن بحجم المخاطر التي يشهدها العالم، مؤكدين أنه لم يتم تجديد الخطاب الديني الا بمواجهة فكر محمد بن عبد الوهاب وإنهاء التعصب والتطرف.

وقالت الدكتورة فتحية الحنفي، استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن المؤسسات الدينية قامت بنهضة فكرية ودينية كبيرة عقب قيام ثورة يونيو حتى الوقت الراهن، لبيان صورة الإسلام الصحيحة التي تتسم بالوسطية والاعتدال ومقت التطرف والغلو فى كل ما يتعلق بالأمور الحياتية، لافتة إلى أن هذه الطفرة لم تقتصر على الشأن الداخلي للمؤسسات الدينية فحسب، بل أمتدت لتصل لللعالم أجمع.
وأضافت، قامت دار الإفتاء على المستوي العالمي بعقد عدد من المؤتمرات العالمية تحت رعاية رئيس الجمهورية وفضيلة شيخ الأزهر، وهذه المؤتمرات جمعت كافة مفتين العالم للتحاور والتشاور وبيان أهمية الفتوي فى استقرار المجتمعات، فضلا عن الدعوة الي السلام الوسطي ونبذ التطرف والإرهاب، إلى جانب وثيقة الأخوة الإنسانية لترسيخ التعاون بين جميع البشر، مشيرة إلى أن هذه الوثيقة بمثابة مبادرة تاريخية بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، وصفعة قوية لدعاة الصدام الحضاري، علاوة على انها تعد نقطة تحول فى العلاقة بين الازهر والفاتيكان، إضافة الي ذلك دور المراصد فى رصد الفتاوي على المستوي العالمي بكل اللغات وكيفية الرد عليها بما يتناسب مع الزمان والمكان وحال المستفتي، الأمر الذي يجعل رواد تلك المراصد تتعدى الملايين. وفيما يخص الشأن الداخلي، أكدت الحنفي، أن المؤسسات الدينية لم تتوان لبيان صورة الإسلام الصحيحة التي تتسم بالوسطية والاعتدال بعيدا عن الغلو والتطرف وعدم التعصب لمذهب دون آخر مع تحقيق الفكر المقاصدي بما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال إنتشار الوعاظ بمحافظات الجمهورية، وإصدار العديد من المراجع والرد على الشبهات، وتواجد رجال الأزهر فى كل مكان، منها محطات المترو من خلال أكشاك الفتوى التي نجحت خلال الآونة الأخيرة.
وتابعت استاذ الفقه المقارن، أن وزارة الأوقاف قامت بدور بارز فى إقصاء السلفيين ودعاة التشدد والتطرف عن الساحة الدعوية، واختيار كل من تتوافر فيهم صفات الداعية كي يستطيع إبراز صحيح الدين مع ربطه بالواقع المعاصر، وساهم فى ذلك إعداد أكاديمية الدعاة لتخرج الداعية المتمكن.
وفيما يخص تجديد الخطاب الديني أشارت الحنفي، إلى أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أصدر توجيهات للقائمين على المؤسسات التعليمية سواء قطاع المعاهد الأزهرية أو الجامعة أو جامع الازهر بالدعوة الي التجديد مع الإبقاء على الثوابت بما يحقق المصلحة للجميع، بهدف توضيح صورة الإسلام الصحيحة وليس الدعوة بالمعني التقليدي، منها فحص المناهج، وانتشار البرامج التليفزيونية، فالخطاب الديني يجب أن يكون اخلاقيا فى المقام الأول.
وقال الدكتور مختار مرزوق، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط، إن الآونة الاخيرة خاصة قبل قيام ثورة يونيو شهدت العديد من انتشار الأفكار المتطرفة التي كانت تسيطر على كثير من الناس، وظهر أثر ذلك فى تفكيرهم للافراد دون حق، وفى افتائهم لتفجير الناس فى المجتمعات بكثرة، وما إلى ذلك من الافكار المنتشرة، وكذلك انتشارهم فى المساجد والندوات، والحضانات التي كانت تستخدم استخداما سيئًا لتغذية العقول بالأفكار المتطرفة، وبعد ثورة يونيو اتجهت الدولة المتمثلة فى الأزهر والأوقاف والإفتاء، لمناهضة الفكر المتطرف نحو الاتجاه الصحيح لمحاصرة التطرف والغلو، ويتمثل ذلك فى عدة أشياء منها: منع هؤلاء المخربين للعقول من أعتلاء المنابر والاستيلاء عليها، ومنع تدريس المناهج المتطرفة التي لا تتفق مع الفكر الوسطي المعتدل، وكذلك محاصرة القنوات التي كانت تدعو للتفرقة والعنف ولاعتناق الافكار المتطرفة، وتكفير الافراد.
وأضاف، فقد أصدرت المؤسسات الثلاث العديد من الاصدارات التي تحُث على الفكر الوسطي المعتدل، وبدأ الكثير من الشباب مطالعاتها والاهتمام بها، وظهر ذلك فى معرض الكتاب، بالإضافة لإقامة العديد من الندوات لتفنيد الفكر المتطرف والرد على الفتاوى الشاذة والشبهات، وكذلك ماينشر فى الصحف القومية والخاصة والحزبية، من مقالات دينية من قبل علماء الأزهر، إلى جانب صفحات التواصل الاجتماعي لدار الافتاء والتي يتابعها ملايين الافراد من الداخل والخارج، خاصة اعتراف بعض الدول الاروربية بأن دار الافتاء المصرية، من أكثر المؤسسات اعتدالا ويأخذون منها الفتوى، ويسيرون على نهجها.
وتابع، أن هيئة كبار العلماء، برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لها أيضأ دور كبير وبارز فى تصحيح صورة الاسلام، والاهتمام بالقضايا الاجتماعية، وعمل مشروع قانون الأحوال الشخصية، بالاضافة لدور اللجنة الدينية بمجلس النواب، وقيامها بسن تشريعات تناهض الفكر المتطرف مثل قانون تنظيم الفتوى العامة، إلى جانب أخذها للاراء التي تراها صالحة لحال الأمة.
وأما عن جامعة الأزهر أكد مرزوق، أن الجامعة قامت فى الاونة الاخيرة بنهضة علمية كبيرة، بعد أن كانت تحوى بعض الطلاب الذين كانوا ينتموا لجماعات بعينها، وظهر ذلك فى عدد من التظاهرات بالجامعة عقب الثورة مباشرة، لافتًا إلى تخرج عدد كبير من العلماء الشباب، بالاضافة إلى أن من يقوم على إذاعة القران الكريم، أساتذة متخصصون من جامعة الأزهر من الفقه والتفسير والحديث وغيره.
وأشار إلى أن المؤتمرات التي تقوم بها المؤسسات فى الداخل والخارج والتي تخرج بتوصيات كثيرة يتم تنفيذها على ارض الواقع تتبني الفكر الوسطى وتصحح المفاهيم المغلوطة، وتجدد الخطاب الديني وإلى الدعوة الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، بالاضافة لطرح موضوعات اجتماعية ودينية خطيرة تهم العالم الاسلامي بمصر والعالم أجمع ويقومون على طرح العديد من الأفكار لحلها، كون مصر قطب الدائرة فى العالمين الأسلامي والعربي.
بينما يرى عبد الغني هندى، عضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، أن جماعة الاخوان كانت تستغل الدين لمصالح سياسية، وكان المنتظر من المؤسسات الدينية احلال الاسلام الحقيقي محل فهم الجماعات الاخوانية، قائلا: إذا كان للمؤسسات دور قوى لما ظهر تلك الجماعات بهذه القوة.
وأوضح هندي، أن ردور أفعال الجماعات نحو قضية أو حدث معين يظهر مدى غياب تواجد تلك المؤسسات، وأن المحاولات التي تأتي من خلالهم ليست بحجم التحديات الراهنة فى الداخل والخارج.
وأضاف، أن هناك تحديات كثيرة وجدتها المؤسسات الدينية، خاصة أن الاونة الاخيرة شهدت معاناة كبيرة فى فهم الدين منها حالات عنف، عدم احترام القانون كونه لا ينطبق للشريعة الاسلامية، اعتبار الدين وسيلة للوصول إلى مكاسب سياسية، والعمل الوطني مخالف للعمل للديني.
وشدد هندي، على ضرورة التركيز على النماذج العملية لاستفادة المجتمعات، فى الإدارة والطب، والنماذج الحياتية بين الناس، وذلك بإنشاء مبادرات تعليمية بأنشطة مختلفة مع الكنائس، وزيارة المتاحف والاماكن الاثرية وخلافة، بشكل حداثي وليس روتيني، لكسر الحدة الموجودة حاليا، إلى جانب إنشاء اقسام للفتوى، وملئ الفراغ الالكتروني خاصة أن الاهاب الذي يأتي من الانترنت يظل كارثي.
وتابع عضو المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، أن دار الافتاء قامت بدور كبير فى نشر وتصحيح المفاهيم المغلوطة من خلال مواقع التواصل وانتشارها عبر الفضاء الالكتروني، مع العالم الخارجي وارسال بعثات وخلافه، ومحاولات وزارة الاوقاف السيطرة على المنابر وسيطرتها على المساجد، وتخلص الأزهر من القيادات المنسوبة للجماعات، ولكن هذه الجهود قليلة مقارنة بالاحداث.
وفى السياق ذاته، قال نبيل نعيم، القيادى السابق بتنظيم الجهاد، إن أداء المؤسسات الدينية خلال الست سنوات الاخيرة باهت وليس على مستوى الحدث، إضافة لاختراق الإخوان والسلفيين تلك المؤسسات وتواجدهم بها، ولم يتم تجديد الخطاب الديني ونشر الوعي الديني الصحيح الا من خلال مواجهة فكر محمد عبد الوهاب وتفنيده وأثبات انه فكر تخريبي يمزق الامة ويخربها، وأن الدين أمر بعكس ذلك. وأضاف نعيم، أن الأزهر هو المؤسسة الوحيدة القادرة على دحض أباطيل وفكر هذه الجماعات، ورغم ذلك لم يقم بدوره فى ظل الهجمات التي تواجه الأمة منذ سنوات.
وشدد على ضرورة إنشاء برامج ثابتة لعلماء كوارد ذات قيمة علمية وثقافية وإسلامية كبيرة، ولها حضور وجمهور قوى على غرار برنامج الشيخ الشعراوي، يشاهده الجميع من كافة أنحاء الأرض للالتفاف حولها، بهدف عرض الشبهات التي تقرها هذه الجماعات ويقوم البرنامج بالرد عليها، وكيف يتم استخدام الدليل الشرعي استخدام خاطئ، ويستعرض من خلال البرامج الأفكار الشاذة ليتم الرد عليها، إلى جانب فضح المؤسسات التمويلية للجماعات التي تأتي من دول الخليج.
وطالب نعيم، بضرورة أن يخصص دروس فى المساجد عقب كل صلاة جمعة، للرد على تلك الأفكار وتوعية المجتمعات وذلك فى جميع أنحاء الجمهورية.

التعليقات متوقفه