د. جود عبدالخالق يكتب : من محنتي الخاصة إلى الهم العام

631

بقلم د. جودة عبدالخالق:
خلال الشهور الستة الماضية عشت محنة قاسية للغاية، فقد بلغت آلام العمود الفقري حداً جعلني أتحرك فقط بإستخدام مشاية، وبدلا من المشى على ساقين أصبحت أمشي على ستة أطراف مستعيناً بطرفين آخرين وهما الذراعان، احتار الأطباء وحيروني معهم، هناك من قال لا داعي للجراحة لأنها خطيرة، ويكفى العلاج الطبيعي مع الأدوية المناسبة، وجربت العلاج الطبيعي، متنقلاً من مركز إلى مركز أملاً فى التعافي، لكن بلا جدوى، وهناك من قال إنه مرض السكري المزمن هو المسئول لأنه يصيب الأعصاب الطرفية بالتهاب حاد يؤلم ويعوق، وهناك من قال لابد مما ليس منه بد، جراحة فى فقرات الرقبة وأسفل الظهر.
ساقتني الصدفة البحتة إلى اثنين من أساتذة جراحة المخ والأعصاب فى كلية طب قصر العيني، وهما الأستاذ الدكتور محمد حافظ رمضان والأستاذ الدكتور عمر عثمان سرور، فى عيادتهما فى وسط البلد التقينا، بعد الفحص ومراجعة الأشعة والتحاليل والقياسات المختلفة قالا إن الحل هو جراحة فى الفقرات العنقية والقطنية، لأن الفقرات ضغطت على النخاع الشوكي بشدة مما سبب حالة العجز عن الحركة الذي أعانيه واتفقنا على أن يجريا لي الجراحة فى أحدى المستشفيات الخاصة المعروفة بخدمتها الطبية الجيدة، لكن صديقا لنا هو د. مصطفى الخشاب جراح المخ والأعصاب فى نيويورك. حذرني من إجراء الجراحة فى مصر، باعتبار أن التجهيزات والخدمة الطبية ليست ملائمة، وألح على بالذهاب إلى ألمانيا باعتبارها أفضل بلد فى هذا النوع من الجراحات الدقيقة والخطيرة.
وعلى كره منى بدأت أسعى للسفر إلى ألمانيا لإجراء الجراحة هناك بعد أن كنت رافضاً تماماً فكرة السفر إلى الخارج للعلاج، فالاحتمالات فى حالتي ليست فقط الشفاء أو الوفاة، بل هناك الاحتمال المرعب، الشلل الرباعي لاقدر الله لكن كل محاولات الحجز لإجراء الجراحة فى ألمانيا انتهت إلى طريق مسدود فعدنا إلى جراحينا لمناقشة كل التفاصيل معهم وطرح مخاوفنا عليهم، واشترك معنا عبر الهاتف صديقنا من نيويورك وسألت زوجتي العزيزة عن تفاصيل التفاصيل، واتضح أن جراحينا لديهم خبرة كبيرة فى هذه العمليات وأنهم يذهبون إلى الجامعات الكبرى فى أمريكا لعرض خبراتهم، وأنهم بالفعل يستخدمون جهاز مراقبة الأعصاب أثناء الجراحة منذ عدة سنوات، وبالتالي، ومضينا قدما وأجريت الجراحة برعاية الله وانتهت العملية بنجاح !
إن محنتى الخاصة هذه تقودني إلى الهم العام، فكثيرا ما نتصرف باعتبار أن زمار الحي لا يطرب وأنه لا كرامة لنبي فى وطنه، وهذا لا يليق بنا، فعلينا أن نعتز بما لدينا ونثمنه عالياً، فالخدمة التي قدمها الجراحان المصريان الكبيران لا تقل إن لم تزد، عن جدية الخواجات فى الخارج، وعلينا أن نتذكر نماذج ناصعة لخبرات وطنية مثل ما نجده فى مركز الكلي بالمنصورة بقيادة د. محمد غنيم، أو مؤسسة مجدي يعقوب بقيادة جراح القلب الكبير، وأذكر عندما كنت وزيراً أننا أقمنا احتفالية كبيرة فى دار الأوبرا تحت شعار « أدعم منتج بلدك.
«مطلوب من وزارة الصحة ونقابة الأطباء وضع آلية لتسليط الضوء على خبراتنا الطبية المتميزة وإتاحة المعلومات المطلوبة حتى تكون مصر قبلة لمن يسعى للعلاج من الوطن العربي وإفريقيا توجد الإمكانية، وما نحتاجه هو الإرادة، فهل نفعل؟
حكمة اليوم للشاعر محمد أبو الوفا :»إن فى الإنسان طاقات اقتدار.. أه لو يدركها كيف تدار.

التعليقات متوقفه