شكشكة: الشخصية المصرية «3» العمامة و الطربوش و البيه و الباشا

433

عندما تحول الحاضر الى لوحة سيريالية عبثية التفتنا الى الخلف نبحث فى الماضى عن سلوانا. إننا شعب يتمسك بكل ماهو قديم، نُحن دوما الى الماضى، ونرنوا الى كل ما فات بمزيد من الإعجاب، وأنظر الى مدارسنا و جامعاتنا، أو سر فى بعض الشوارع المصرية، فسيخيل اليك أنك عدت القهقرى الى القرن التاسع عشر..الحجاب والنقاب والبرقع والجلباب والزى الأفغانى واللحية..
وما أن يبدأ نقاش حول قضية ما،حتى تجد من يتحسر على العصر الذهبى، رغم الاختلاف الشديد حول ذلك العصر.. هل كان عهد الرسالة والرسول، أم عصر الخلفاء الراشدين أم عصر العباسيين أم عصر الملك فاروق أو عصر ثورة يوليو؟!.. و ستجد لكل تلك العصور من ينحاز و يتمسك و يحلم بالعودة ولا يرى أملا الا فى التراجع الى عصره الذهبى..!
وعلى ذكر العودة للأزياء القديمة و ذلك النقاش الذى لا ينتهى حول الزى الشرعى للرجال والنساء، فهذه عادة عند المصريين حيث يتمسكون برموز معينة على أنها تمثل الهوية الإسلامية. كان أجدادنا ولقرون عديدة يرتدون العمامات، اقتداء برجال السلطنة العثمانية وقت هيمنتها على الشعوب الإسلامية، وكانت العمامة تكبر و تتضخم كلما زاد نفوذ لابسها أو تضخمت ثروته. وفى عام 1829 أراد السلطان « الخليفة » التركى العثمانى محمود الثانى أن يحررالرجال من العمائم الضخمة التى كانت تثقل رؤوسهم، فأصدر فرمانا يفرض ارتداء الطربوش ويحظُر ارتداء العمامة، ولكن الرجال رفضوا ارتداء الطربوش، وتشبثوا بالعمائم متهمين السلطان بالكفر والضلال! وأعلن شيخ الاسلام التركى عصيان أمر السلطان قائلا «ان السلطان يستطيع أن يقتلع رأس عبده ولكنه لا يملك أن يدنسها بالكفر». ورغم ذلك تلاشت العمامة تدريجيا من المجتمعات الإسلامية وإن ظل رجال الدين يتمسكون بها كزى يميزهم عن الآخرين.
ثم جاء الدور على الطربوش، وقد كان الكثيرون يعتقدون أنه زى مصرى أصيل، ولا يعلمون أنه زى «مستورد» من دولة أوروبية، احتل مكانه فوق رؤوس المصريين، بعد أن فُرض قسرا على رؤوس الأتراك. وفى عهد مصطفى كمال أتاتورك أصدرالبرلمان التركى قانونا يقضى بخلع الطربوش وارتداء القبعة الأوروبية «فى 25 نوفمبر من عام 1925م »، وتضمن القانون عقوبات مشددة على من يخالفه، تصل الى حد الاعدام!! وكما حدث مع العمامة، رفض الأتراك ذلك القانون الغريب، وانتفض الشيوخ غضبا، وقادوا المظاهرات فى شوارع المدن التركية مطالبين بالاحتفاظ بالطربوش على أساس أنه رمز للاسلام وروح الأمة لايجوز مطلقا التخلى عنه. ورغم هذا تشبثت الحكومة بقانونها، ونفذت حكم الاعدام على بعض المواطنين، وفى النهاية اضطر الجميع الى الاذعان. ولأن أتاتورك نفسه قاد حركة سياسية ألغت الخلافة الإسلامية، وجعلت من تركيا دولة علمانية، لا ترغب فى السيطرة على الشعوب الإسلامية، فقد وجد المصريون لديهم الشجاعة لأن يرفضوا قرار خلع الطربوش معلنين العصيان « ليس استقلالا عن تركيا و إنما لأنها تخلت عنهم!». فماذا حدث..الى الأسبوع القادم بإذن الله

التعليقات متوقفه