بعد إطلاق مبادرة حياة كريمة: مسكنات حكومية.. سياسات مضادة.. والنتيجة 32 مليون فقير!

جودة عبدالخالق: الحكومة تتبع مجموعة من السياسات تؤدى إلى مزيد من إفقار المواطنين

614

يمن الحماقى: الدول الناجحة فى مواجهة الفقر ركزت على التمكين الاقتصادى للنهوض بالأسر الفقيرة
هانى الحسينى: ضرورة وضع برامج عدالة اجتماعية تتمثل فى تكافؤ الفرص فى توزيع معدلات النمو
سامية قدرى: دور الدولة توفير فرص عمل وتحسين الخدمات

تحقيق: نجوى إبراهيم

في أعقاب تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصاد بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، والذى يهدف الى إلغاء الدعم والرفع المباشر لأسعار السلع والخدمات وزيادة الضرائب وأسعار الوقود والكهرباء والمياه والغاز الطبيعى.. كانت النتيجة المباشرة للأخذ بهذا البرنامج زيادة الأعباء على المواطنين وتدهور مستوى معيشتهم, مما أدى الى زيادة نسبة الفقراء فى مصر, إلى 32.5 %، وفقًا لنتائج بحث “الدخل والانفاق” 2017/2018، وهذه الارقام تشير ببساطة الى أن واحدًا من بين كل ثلاثة من المصريين يعيش تحت خط الفقر، أي أن الدخل الذي يحصل عليه، والذي قدره التقرير الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء بنحو 735.5 جنيه شهريًا لا يكفي لتغطية حاجات المواطن الأساسية من مأكل وملبس وخدمات تعليمية وصحية، بل إن نسبة لا يستهان بها من المصريين تصل لنحو 6.2% اى قرابة الستة ملايين مواطن، يعيشون فى فقر مدقع، فلا يحصل الواحد منهم على ما يتجاوز 491 جنيهًا شهريًا.
واتبعت الحكومة، عدة سياسات للتخفيف من حدة نتائج برنامج الاصلاح على الفقراء, ومن ضمن هذه السياسات مبادرة “حياة كريمة” التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مستهل العام, ودعا فيها مؤسسات واجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدنى للتنسيق المشترك لتوفير حياة كريمة للمواطن الذى وصفه بانه البطل الحقيقى لانه استطاع تحمل كلفة الاصلاحات الاقتصادية .. فالحياة الكريمة هى حق لكل مواطن.. بل هى أهم حقوقه.
فرق إنقاذ
من جانبها اكتفت الحكومة فى بداية المبادرة، بتوفير فرق الإنقاذ التى تتحرك فى كل الشوارع, وتعمل على إنقاذ المشردين والأطفال بلا مأوى، ومساعدة من يعانون بسبب انخفاض درجات الحرارة، وتقديم الرعاية اللازمة.
وفى القرى الأكثر فقرًا ركزت المبادرة على إصلاح الأسقف بالمنازل ومد وصلات المياه والصرف الصحى وتوفير بعض الخدمات الصحية.
130 ألف أسرة
من جانبه، أعلن المهندس محمد هاشم، مستشار وزيرة التضامن للأشغال العامة، مدير برنامج «سكن كريم»، إن مبادرة «حياة كريمة» تمثل استراتيجية القضاء على الفقر فى القرى الأكثر احتياجاً، وتضم ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تشمل القرى التى تصل نسبة الفقر بها 70% أو أكثر، وهى القرى الأكثر فقراً، والمرحلة الثانية القرى التى تتراوح نسبة الفقر فيها من 50٪ إلى 70٪، وهى القرى الفقيرة التى تحتاج إلى تدخل، لكنها أقل خطراً، أما الثالثة فتشمل القرى التى تقل نسبة الفقر بها عن 50٪، وهى القرى التى تواجه تحديات أقل لتجاوز الفقر.
واضاف، المبادرة تشمل توفير سكن كريم من خلال بناء أسقف ورفع كفاءة المنازل الموجودة والتى تحتاج إلى تطوير، ومد وصلات مياه وصرف صحى للمنازل المحرومة من هذه الخدمات، وتوفير الكشف الطبى والعمليات الجراحية وتوفير العلاج اللازم للمرضى بالمجان، وأجهزة تعويضية تشمل سمّاعات ونظارات وكراسى متحركة وعكازات، إضافة إلى تجهيز الفتيات اليتيمات للزواج، بما يشمل تجهيز منازل الزوجية، وتنظيم أفراح جماعية لمساعدة المحتاجين، وإقامة مشروعات متناهية الصغر لتوفير دخل ثابت للمواطنين بالإضافة إلى تقديم دعم عينى بشكل دورى للأسر الأكثر احتياجاً.
277 قرية
وأشار، إلى أنه من المقرر تطبيق المبادرة على نطاق جغرافى موسع يشمل 277 قرية من المصنفة كونها الأكثر فقراً موزعة على 16 محافظة تتركز أغلبها فى الوجه القبلى، واختيار 100 منها، كمرحلة تجريبية، بتكلفة مليار و140 مليون جنيه، موضحاً أن العمل سيبدأ فعلياً فى 87 قرية بـ11 محافظة خلال عام، منها 7 فى الوجه القبلى، هى المنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان، والوادى الجديد، بالإضافة إلى مطروح، والبحيرة، والدقهلية، والقليوبية، حيث اعتمدت وزارة التضامن الاجتماعى فى ذلك على الخرائط الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وتم اختيار القرى التى تتراوح نسب الفقر بها ما بين 70% كحد أدنى و92%، لافتاً إلى أن التنفيذ بدأ عملياً على أرض الواقع، والتكلفة الإجمالية للمشروع ككل تتخطى 4 مليارات جنيه.
وبالنسبة لعدد الأسر المستهدفة فى الـ87 قرية، أشار الى اننا نستهدف 130 ألف أسرة تعيش فى هذه القرى الفقيرة، باعتبارها أُسَراً أولى بالرعاية فى الحصول على الخدمات الخاصة بالمبادرة .
الحد الادنى
توفير الحياة الكريمة للمواطنين يتطلب توفير حقوق المواطن فى الغذاء والكساء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم.. وهذه هى المقومات الأساسية للمواطن.. هذا ما أكده الخبير الاقتصادى د.”شريف الدمرداش “مشيرًا الى أن المبادرة التى اطلقها الرئيس تستهدف تقديم الخدمات لفئة معينة, ولكن بعيدا عن هذه المبادرة فنحن نحتاج بالفعل الى توفير الحياة الكريمة لكل المواطنين خاصة وان لدينا نحو 90% من السكان يعانون من ارتفاع الاسعار, مشيرا الى أن السبيل الوحيد لتوفير الحياة الكريمة للمواطن هو توفير فرصة عمل دائمة لكل مواطن وبأجر عادل يتناسب مع الاسعار ومعدلات التضخم الحالية, ويوفر الحد الادنى للحياة الكريمة, لافتا الى اننا لدينا خلل فى منظومة الاجور فهى لا تتناسب مع مستوى الاسعار, فعدد من هم فى سن العمل يصل الى نحو 40 مليون مواطن الغالبية العظمى منهم يتقاضون أجورًا هزيلة لا تتناسب مع الاسعار, وهؤلاء لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم من مأكل ومسكن ورعاية صحية وتعليم ابنائهم.
واضاف الخبير الاقتصادى، أن دور الدولة معالجة هذا الخلل فالاسرة المكونة من أربعة أو خمسة افراد تحتاج الى دخل شهرى لا يقل عن اربعة آلاف جنيه لتحقيق الحد الادنى للحياة الكريمة.. ولكن فى الواقع أن اغلب الاسر لا تستطيع تحقيق هذا الحد الادنى, حتى المساعدات النقدية التى تعطيها الحكومة للفئات الفقيرة مثل معاش تكافل وكرامة فهى لا تحقق الحد الادنى من الحياة الكريمة, فهذه مجرد اعانات لا تسمن ولا تغنى من جوع, حتى اصحاب المعاشات يعانون من تدنى قيمة المعاش الذى لا يغطى متطلبات الحياة الكريمة.
نوعان من الفقر
أما د.”سامية قدرى” استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فأوضحت أنه عند مواجهة الفقر لابد العمل على نوعين من الفقر، وهما فقر القدرة والفقر المادى , مشيرة الى أن فقر القدرة يعنى عدم عدم امتلاك القدرات التي تمكن من الخروج من دائرة الفقر، مثل ملكية بعض الأصول، كالأرض أو المسكن أو التعليم والمهارات الفنية، والمستوى الصحي الملائم.
اما الفقر المادى، هو عدم قدرة الفرد على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية من الطعام والمسكن والملابس وخدمات التعليم والصحة والمواصلات, ومواجهة الفقر المادى يتطلب تحسن دخل الفرد حتى يستطيع تلبية احتياجاته الاساسية, وبالتالى تحسين مستوى معيشته, اما مواجهة فقر القدرة فيجب العمل على توفير الخدمات الصحية والتعليم الجيد وتوفير بيئة نظيفة ووسائل مواصلات باسعار مخفضة واماكن للسكن ملائمة.. وبالتالى فدور الدولة أن تعمل على المحورين لمواجهة الفقر الاول: توفير فرص عمل للمواطنين لتحسين الدخل, وتحسين مستوى المعيشة, اما المحور الثانى هو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
وفيما يخص مبادرة حياة كريمة، أشارت إلى أن هذه المبادرة وغيرها من المبادرات لن تمحى الفقر ولن تستطيع وحدها إزالة أثاره ولكنها على الاقل سوف تقلل من عملية الإفقار خاصة فى القرى الاكثر فقرا , مثلها مثل القروض الصغيرة والمساعدات المالية التى استخدمت كآلية للحد من الفقر, ولن نستطيع الحكم على هذه المبادرة الى من خلال الدراسات ونرى هل ساهمت فى تراجع نسبة الفقر أم لا؟!.
حق المواطن
ومن منظور حقوقى أكد د.”مجدى عبد الحميد” رئيس جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية – أن الحياة الكريمة هى حقوق يجب ان يحصل عليها المواطن وهى حقه فى العمل والمسكن والتأمين الصحى والغذاء الصحى والتعليم .. والدولة ملزمة بتوفير هذه الحقوق للمواطنين بعيدا عن اى مبادرات .
تابع: فمثلا حق المواطن فى العمل لا يعنى أن الدولة هى التى توفر الوظيفة ولكن مسئولية الدولة التخطيط السليم من اجل حل مشكلة البطالة, وبالنسبة للعلاج على الدولة توفير الميزانيات المناسبة للتأمين الصحى وأن يكون التأمين الصحى شاملا, وأيضا التعليم المجانى يجب أن يكون مرتبطل بميزانية تسهم فى اتاحة تعليم جيد.. وهذه الحقوق مسئولية الدولة وغير مرتبطة بمبادرة خيرية او على جمع تبرعات من اهل الخير, فليس دور الدولة عمل مبادرات خيرية أو منح هبات للمواطنين, ولكن عليها أن تؤدى دورها ومسئوليتها تجاه مواطنيها, اما جمع التبرعات واعطاء الهبات هذا دور الجمعيات الخيرية.
وأوضح، أن شبكات الضمان الاجتماعى والمساعدات النقدية التى تقددمها الدولة لبعض الفقراء هو امر متعارف عليه فى كل دول العالم, فهى مجرد حلول طارئة لمواجهة امور متفجرة, ولكنها ليست الأداة الرئاسية لتحقيق العدالة الاجتماعية, موضحا أن تحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة الفقراء يتطلب تعليمهم وتدريبهم على العمل وتوفير فرص عمل مناسبة بأجر مناسب.
سياسات خاطئة
اما النائب “هيثم الحريرى” عضو مجلس النواب، فأشار الى تراجع دور الحكومة فى تقديم الكثير من الخدمات العامة واتجاهها الى فرض رسوم متزايدة مقابل الحصول على ما يفترض تقديمه مجانًا بحكم الدستور كالتعليم فى المدارس والجامعات الحكومية, وكالعلاج فى المستشفيات العامة.. كما اضطرت كثير من الاسر لتعليم ابنائها فى المدارس الخاصة، بالاضافة الى مصروفات الدروس الخصوصية بسبب تدهور التعليم فى المدارس الحكومية, وايضا اضطروا الى العلاج الخاص هربا من العلاج فى المستشفيات العامة, بالاضافة الى ذلك ارتفاع اسعار فواتير المياه والكهرباء والغاز.

وبعد هذه السياسات يبقى السؤال كيف ستوفر الدولة حياة كريمة للمواطن.. البطل الحقيقى الذى تحمل تكاليف ما يسمى بالإصلاح الاقتصادى ؟!.
مواجهة الفقر
وحول كيفية مواجهة ارتفاع معدلات الفقر، أوضح د.”جودة عبد الخالق” أستاذ الاقتصاد ووزير التضامن الأسبق، أنه يجب عدم النظر الى أن زيادة معدلات النمو الاقتصادى قادرة وحدها على مواجهة الفقر, ولكن لابد من خلق فرص عمل, وان يتوجه النمو الاقتصادى الى القرى الاكثر فقرا خاصة فى ريف الصعيد لان معدلات الفقر بها تصل الى أكثر من 50% , ويجب اتخاذ اجراءات صارمة لتوجيه الاستثمارات للانتاج فى هذه المناطق البائسة.
وتابع: من الضرورى إعادة النظر فى سياسة الاستثمار, والتركيز على الاستثمار المباشر فبدلا من الاستثمار فى البورصة لتحقيق الارباح, او الاستثمار فى العقارات والسيارات, علينا التركيز على الزراعة والصناعة التحويلية، حيث إن خمس السكان يعملون بالزراعة وتطويرها يعنى رفع مستوى هذه الفئة, وفى حالة الاهتمام بالزراعة سوف نتخطى مشكلة الامن الغذائى خاصة اننا نستورد اكثر من 50% من غذائنا.
وحول سياسات الحكومة المتبعة لمواجهة الفقر كالبرامج الحماية الاجتماعية التى اتخذتها الحكومة لحماية الفقراء من أثار برنامج الاصلاح قال د.”جودة”: إن الحكومة تتبع مجموعة من السياسات تؤدى إلى مزيد من إفقار المواطنين، ثم تقدم لهم دعماً نقديا مشكوكاً فى قدرته على انتشالهم من الفقر, كان من الافضل أن يتم اتخاذ اجراءات تصب فى مصلحة الفقراء, وتتراجع الحكومة عن السياسات التى تنتج الفقر حتى لا تحتاج الى مد مظلة الحماية الاجتماعية, مشيرا الى أن هذه البرامج الحمائية ممكن أن تفلح فى ازالة جزء من الضرر ولكنها لم تفلح فى أن تكون آلية للمواجهة.
تمكين اقتصادى
ومن جانبها طالبت د.”يمن الحماقى” أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس بضرورة وضع خطة واضحة للتمكين الاقتصادى لأبناء الطبقة الكادحة بمعنى توفير فرص عمل لهم ومساعدتهم على عمل مشروعات لها عائد مضمون وتمكنهم مستقبلا من الاعتماد على أنفسهم, وشددت على ضرورة الاهتمام بقطاعى الصناعة والزراعة لانهما من القطاعات التى تعطينا فرصا لتنوع هيكل الانتاج, مشيرة الى أن جميع الدول الناجحة فى مواجهة الفقر ركزت على التمكين الاقتصادى للنهوض بالأسر الفقيرة وحل المشكلة من جذورها كما حدث فى الصين.

العدالة الاجتماعية
وأكد “هانى الحسينى” القيادى بحزب التجمع والخبير الاقتصادى, أن الحكومة المصرية لم تتبن مبدأ العدالة الاجتماعية الواجبة من أجل حياة كريمة لكل المواطنين, موضحا أن مبدأ العدالة الاجتماعية يعنى تحمل الاغنياء للجزء الاكبر من الاعباء الاقتصادية, وحصول الفقراء على نفس الحقوق التى يحصل عليها الاغنياء كالعمل والتعليم والصحة وهذا ليس موجودا فى مصر, فالمواطن الفقير هو ضحية للاجراءات الاقتصادية الصعبة التى انتهجتها الحكومة, ولذلك تسعى الحكومة لحمايته اجتماعيا حتى لا يزداد فقرا وذلك عن طريق برامج الحماية الاجتماعية او مبادرة حياة كريمة, وتابع: أن الدولة تحاول التوسع فى هذه البرامج الحمائية وتسعى لتوفير الحياة الكريمة, وفى نفس الوقت تتجه الى تقليص الدعم الحقيقى الموجه للمواطن الفقير.. مشيرًا الى أن هذه البرامج تأتى تنفيذا لنصائح صندوق النقد الدولى والبنك الدولى, والتى يوصى بها لضمان عدم حدوث توترات اجتماعية بعد تنفيذ اجراءات الاصلاح, اى أن الهدف منها سياسى وليس هدفا اقتصاديًا اجتماعيًا, وأضاف ان مواجهة تزايد معدلات الفقر تتطلب برامج عدالة اجتماعية تتمثل فى تكافؤ الفرص فى توزيع معدلات النمو, ووضع برامج شاملة لمحاربة البطالة وتوفير فرص عمل دائمة وليست مؤقتة, وإرساء قواعد هدفها تحسين مستوى المعيشة وخفض الاسعار. وتابع: اما سياسات الحكومة الحالية لن تواجه الفقر فهى مجرد مسكنات.

التعليقات متوقفه