محافظات تحت رحمة الإرهاب..«1»

خريطة الجماعات الإرهابية في محافظة الفيوم:"الإخوان والجماعة الإسلامية والشوقيين".. يتنافسون للسيطرة على المحافظة

984

*المحافظة أنتجت قيادات عديدة للإرهاب..وانتشرت الجماعات الإسلامية بشكل كبير

*”عمر عبد الرحمن” البداية.. و تنتشر “المرابطين وحسم” فى المحافظة

*أحمد بان: الإخوان اتخذوا منها حواضن لجيل ثالث من الإرهابيين

 

 

تعد محافظة الفيوم، من أخطر المحافظات التى تأوي الإرهابيين خلال الفترة الأخيرة، وتحولت المحافظة إلى بؤرة إرهابية، تساؤلات كثيرة طرحت، منذ إعلان وزارة الداخلية، عن أن تفجير معهد الأورام، كان وراءه حركة “حسم” إحدى الجماعات الإرهابية بمحافظة الفيوم، وهنا يطرح السؤال لماذا تحديدا محافظة الفيوم وهل زرع الإرهاب ذريعته بالمحافظة، فأنبتت نبتا شيطانيًا، أراد زعزعة أمن واستقرار الوطن وقتل الأبرياء؟.

البداية عمر بدالرحمن

لماذا تحولت المحافظة إلى بؤرة إرهابية ليس في الوقت الحالي فقط، ولكن منذ زمن، عندما بدأ انتشار الأفكار المتطرفة بالمحافظة، بداية من قرية “فيديمين” بعدما جاء إليها  الدكتور عمر عبدالرحمن، مؤسس الجماعة الإسلامية، عقب تخرجه فى كلية أصول الدين  جامعة أسيوط، حيث عمل إماما بالمسجد العتيق بالقرية وبدأت الجرأة في تكفير الحكام، وبدأ يأتي إليه أتباعه من مختلف قري المحافظة، ثم ذاع صيته بمحافظة الفيوم والمحافظات المجاورة وكانت خطبته الأسبوعية يوم الجمعة تضم العديد من الحضور.

ولم يتوقف الفكر المتطرف بالمحافظة عند عمر عبدالرحمن فقط ولكن بظهور جماعة الشوقيين وتمركزهم بمركز سنورس وقرية كحك بمركز يوسف الصديق، بدأ عهد جديد من الأفكار التكفيرية والمعتقدات المتطرفة، بالإضافة إلى وجود الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة ولكن كان الانضمام إليها والعمل يتم في سرية تامة، دون ظهور الجماعة بشكل علني بعد وفاة حسن البنا، مؤسس الجماعة.

“جماعات التكفير”

أول وأخطر الجماعات التي نشأت بمحافظة الفيوم، هي جماعة التوقف والتبين، التي أصبح اسمها فيما بعد “الناجون من النار”، نشأت في منتصف الثمانينيات، على يد الطبيب الشاب مجدي الصفتى “من القاهرة لكنه كان يتردد على المحافظة باستمرار” ورأى أن الطريق الأقصر لنشر فكره، هو إثبات أن معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد، فأسس الجماعة، التي حاولت اغتيال وزيري الداخلية السابقين، النبوي إسماعيل، واللواء حسن أبو باشا، والكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد.

تعتبر هذا الجماعة من أخطر الجماعات الإرهابية، التي ظهرت في عهد الرئيس الأسبق مبارك وأكثرها جرأة، كفرت المجتمع حكاما ومحكومين واستبعدت صفة أهل الكتاب عن المسيحيين، ودعت إلى استخدام العنف ضدهم، وقد جمعت بين أفكار تنظيم الجهاد وتنظيم جماعة المسلمين، لشكري مصطفى، وجماعة “التوقف والتبيين”، ومن ضمن مصادرها الفكرية كتاب “المنهج الحركي في الإسلام للإخوانى فتحي يكن “، وكُتب “ابن تيمية” وكُتب “محمد بن عبدالوهاب “، حيث اعتبرت أن الشرك بالله هو الكفر الأكبر وهو معنى يخرج عن الملة “الدين” ، ومعنى لا يخرج عن الملة وهو الصفات السيئة في المسلمين من كذب ورياء وحلف بغير الله، ولهذا يعتبر المجتمع كافرًا بالمعنى الثاني، ولذلك اعتبروا مصر دار حرب ولابد من إعلان الجهاد، لتغيير الحكم بالقوة.

واعتبرت “الناجون من النار” أن أعضاء الحكومة والعاملين فيها محاربين لله ورسوله، ويتم إهدار دمهم واستباحة أعراضهم وأموالهم، واستباحة سرقة أموال الدولة، لتعينهم على حرب الدولة الكافرة، كما حرمت الجماعة العمل في أجهزة الدولة الكافرة، والصلاة في المساجد الحكومية، فهي مملوكة للدولة الكافرة، وعدم الأكل من الذبائح المحلية، لأنها ذبائح الكفار، وتكفير رجال الشرطة والجيش والقضاء وإهدار دمهم، لأنهم مساندون للنظام الكافر “تذكروا حادث قتل الجنود المصريين في رمضان”، لذلك تم اعتقال عدد من عناصر الجماعة في قضيتها المعروفة، وأفرج عن بعضهم بعد الثورة، ولا يزال البعض منهم يمارسون عملهم الفكري.

“الشوقيين”

بعيدًا عن أعين الأمن، التي ركزت علي معاقل الجماعة الإسلامية في الفيوم، كون المهندس شوقي الشيخ، تنظيم الشوقيين في قرية “كحك” التابعة لمركز يوسف الصديق، ولم يكن مجرد مهندس مدني، تتلمذ على يد الشيخ يوسف البدرى في السبعينيات، أيام دراسته الهندسة في جامعة حلوان، فقد كان لشوقي ميول أخرى اختلفت عن شيخه البدرى، فشوقي الذي انحدر من أسرة كبيرة ومعروفة في “أبشواى” إحدى قرى المحافظة، تعرف على طارق الزمر في منطقة الهرم وانضم عن طريقه لتنظيم الجهاد، وظل على ولائه لتنظيم الجهاد، حتى بعدما دخل السجن في سبتمبر 1981 وخرج من بعد اغتيال السادات بشهور عديدة.

احتك شوقي الشيخ، قبل دخوله السجن، بجماعات عديدة، بداية من جماعة ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي انضم إليها وهو طالب في كلية الهندسة بجامعة حلوان في السبعينيات، مرورا بجماعة الجهاد، ثم الجماعة الإسلامية، ثم تنظيم الفرقة الناجية لأميرها مجدي الصفتي، وختاما بجماعة “التوقف والتبين”، المشهورة بجماعة “التكفير والهجرة” لمنظمها الأول، عبدالفتاح إسماعيل، الذي حكم عليه بالإعدام مع سيد قطب ومحمد يوسف هواش، في قضية تنظيم 1965، وقد تأثر شوقي الشيخ، بفكر الجماعة عقب لقائه بابن مؤسسها، نجيب عبدالفتاح إسماعيل في السجن، فقرر بعد خروجه المزج بين أفكار الجماعات التي احتك بها.

كون جماعة ” الشوقيين”، بعد انشقاقه عن الجماعة، وتبنى عقيدة جديدة اشتقها هو بنفسه من عقائد مجموعات التوقف والتبين، وهى عبارة عن عقيدتهم كاملة، لكنه أدخل عليها تعديلا مفادها أنه مادام أمر التوقف هذا بدعة، فإنه عليه ألا يتوقف بل يبادر بالحكم بكفر من خالف عقيدته دون توقف، وبعدها لو اعتنق عقيدته، فإنه يدخل الإسلام من جديد، إي تكفير كل من هو على فكر آخر غير فكره بما فيها الجماعة الإسلامية والجهاد، وأنشأ في القرية مسجدا اعتبروه “مسجد الإسلام ” والصلاة في غيره من المساجد باطلة، كما كانوا يرفضون الصلاة خلف إمام من غير الجماعة، وكانوا لا يأكلون إلا اللحوم، التي يذبحونها بأنفسهم .

شوقي الشيخ، لم يكن مستوعبا لمفاهيم الإسلام الصحيحة، فكان تربة خصبة للانحراف الفكري، ولم تكمن خطورته في انحرافه الفكري فقط، بل إن خطورته الأكبر تمثلت في قدرته على التأثير، خاصة في مجال الحيز الجغرافي، الذي كان يعيش وينشط فيه وهو مركز أبشواى والقرى المحيطة به، لقد كان زعيما حركيا ويتمتع بكاريزما، حتى أنه نجح في تجنيد ما يزيد على الألف شاب للفكر الجديد، الذي نجح في الترويج له وبشكل كبير.

“حمل السلاح والتكفير”

ولقد مزج شوقي، بين فكرة حمل السلاح ضد الحكومة، التي تعلمها أيام عضويته بتنظيم الجهاد، وفكرة تكفير من ليس معه، وأدى ذلك لتسلحه هو والعديد من أتباعه وقيامهم بالعديد من الأعمال المسلحة، التي سرعان ما أفضت لمواجهة واسعة بينهم وبين الشرطة، أثر قتله لخفير نظامي والاستيلاء على سلاحه الحكومي.

وكانت معظم اشتباكاتهم مع الشرطة، تحدث عندما تحاصر الشرطة مجموعة منهم وتحاول القبض عليهم، واتسمت هذه الاشتباكات بشراسة منقطعة النظير، مستخدمين الأسلحة الآلية والقنابل اليدوية، وارتكز فكر التنظيم على تكفير الحاكم والمجتمع والدعوة إلى الخلافة الإسلامية بالقوة، من طريق إثارة الرأي العام وارتكاب جرائم هدفها إفقاد المواطنين ثقتهم بمؤسسات الدولة.

فسيطر التنظيم خلال هذه الفترة بشكل كبير، لدرجة أن شوقي الشيخ، كان يتجول بسيارته محاطا بالدراجات البخارية، التي يستقلها مسلحون لحمايته، لذلك جاءت الأوامر بالقضاء علي التنظيم، فتجمعت قوات كبيرة من مديرات أمن الفيوم والجيزة والمنيا وبني سويف، وقاوموا بمحاصرة قرية “كحك” لثلاثة أيام نشبت فيها معارك عنيفة مع أعضاء التنظيم، انتهت بمقتل شوقي الشيخ وعدد من أعضاء التنظيم والقبض علي بقية أعضائه .

وقتل شوقي الشيخ، في هذه المواجهات في قرية “كحك” عام 1990م، وكأن شوقي كان هو الصمام لعنف الشوقيين، حيث اندلع بعد موته، عنف الشوقيين بأشد ما يكون وزاد من عنفهم، أن بعض قادة الجهاد، مثل نزيه نصحي راشد، قد رأوا أن تسليح الشوقيين بالقنابل اليدوية أمر مفيد لاستنزاف قوة الحكومة، وبالتالي فقد أمدوا الشوقيين بكل القنابل، التي استعملوها في صراعهم المسلح ضد الشرطة طوال الفترة الممتدة من عام 1990م وحتى 1994م .

كما ارتكبوا العديد من الأعمال المسلحة ضد الشرطة والمتعاونين معها، ولكن أكثر أعمالهم، كانت السطو المسلح على محلات ذهب مملوكة لمسيحيين وبعض المكتبات وإحراق النوادي، استنادا إلى الفتوى التي أطلقها الشيخ وأحل فيها الأموال، ما عدا أموال أعضاء التنظيم، باعتبار الآخرين كفارا، فكانوا يبيعون الذهب المسروق غالبا لتجار مسيحيين أيضا، ممن يتعاملون في الذهب المسروق بأقل من ثمنه ثم يشترون به سلاحا، كما ينفقون منه على معيشتهم، حيث كانوا هاربين من الأجهزة الأمنية ويعيشون متخفيين.

فالقرية ظلت لسنوات طويلة مهملة، دون مواجهة حقيقية لفكر الإرهاب والتكفير، وتتردد الأنباء حاليا عن وجود تيارات تكفيرية جديدة، نشأت داخل القرية والمناطق المحيطة بها، تستمد أفكارها من فكر الشوقيين، وتقول تلك الجماعات بعد جواز مخالطة أهل القرية، أو الزواج من خارج أعضاء الجماعة، كما أن الوقوف على مقابرهم أو حضور أفراحهم لا يجوز لأنه مخالف لشرع الله ، ويقولون أنهم دخلوا الإسلام من جديد .

“الجهاديين”

منذ الثمانينيات دخلت الفيوم، دائرة التطرف والإرهاب، وأصبحت أحد الدوائر الرئيسية، لتصدير الفكر المتطرف، ومنها خرجت فكرة الاستحلال وجواز السرقة والقتل ما دام ذلك في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، بحسب فهم الجماعات المتطرفة ، وأيضا بدأت تقوي شوكة الجماعات المتطرفة بالمحافظة، وتصدر المشهد في هذا التوقيت جماعتي ” الجماعة الإسلامية والجهاد”، حيث كانت الجماعة الإسلامية الأكثر عددًا وقوة وتنفيذا لعمليات العنف، سواء اغتيال ضباط الشرطة أو إحراق ممتلكات المسيحيين أو تنظيم مسيرات عنيفة، تنتهي غالبا باشتباكات مع الشرطة وسقوط قتلي ومصابين .

فكانت المسيرات في المحافظة، غالبا ما تتم عقب خطبة نارية، لمفتي الجماعة عمر عبدالرحمن، والذي أصبح الأب الروحي للجماعة، فكان محبوسا في الولايات المتحدة، يقضي فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر في قضية ” تفجيرات نيويورك ” سنة 1993، والذي تعهد في 29 يونيو 2012، الرئيس المعزول محمد مرسي، في أول خطاب له في ميدان التحرير أمام المتظاهرين، ببذل جهده والعمل على تحريره، وهنأ عمر عبد الرحمن، من داخل سجنه، الشعب المصري على فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة، قبل أن يموت، كما أنه أيضا هو من أفتي باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، فكان يسكن حي ” الحادقة ” بمدينة الفيوم، ويقف تحت شقته عربة شرطة وحراسة أمام باب العمارة .

كان عبد الرحمن يلقي خطبه، التي لم تكن تتحدث في الدين بقدر ما كانت سبابا وتكفيرا للنظام والمجتمع في مسجد الشهداء بمنطقة “مصطفي حسن”، غير أن الرجل لم يكتف بالخطب والفتاوى المتطرفة فقط ، ولكنه أرسل نجليه ” أحمد ومحمد ” إلي أفغانستان للمشاركة في القتال هناك .

وأيضا كان إحدى المحطات الفارقة في الحرب بين الدولة والجماعات الإرهابية في المحافظة، هو اغتيال المقدم أحمد علاء، رئيس قسم مكافحة النشاط الديني بمباحث أمن الدولة بفرع الفيوم عام 1991، تتبعه مسلحان يستقلان دراجة بخارية وفي وسط وفي وضح النهار البلد تحديدا عند ” كوبري السنترال “أطلقا عليه النار داخل سيارته التي كان يستقلها وحيدا دون سائق أو حراسة ، لكن الإرهابيين لم يتمكنا من الفرار حيث تم القبض عليهما في موقع الحادث، اغتيال احمد علاء أحدث ضجة إعلامية كبيرة ودفع وزارة الداخلية إلي شن حملة واسعة ضد أوكار الإرهابيين في المحافظة ، غير أن فصول الإرهاب لم تنته.

استمرت الجماعة الإسلامية، في تزايد العمليات الإرهابية، وانضم إليها العديد من شباب المحافظة، منهم ذلك الإرهابي القاتل عبد الرحمن خالد، وانضم إليهم مؤخرا العديد من عناصر داعش الهاربين من ليبيا، بعدما بدأ الجيش الليبي في تطهيرها، مما أسفر عن القبض على القيادي الإرهابي الهارب هشام عشماوي، والذي كان له أكبر الأثر في إرباك العناصر الإرهابية والتكفيرية، الموجودين على الحدود الغربية، خاصة أن محافظة الفيوم من أقرب المحافظات للحدود الليبية، وأيضا يجب أن نشير إلى أن بداية عملية الواحات الغربية، التي راح ضحيتها مجموعة من ضباطنا البواسل، انطلقت من ليبيا وبتخطيط ومشاركة الإرهابي هشام عشماوي.

“الإخوان”

أما جماعة الإخوان، فتوغلت بشكل كبير في المحافظة، فبحسب موقعها الجغرافي، اهتم بها حسن البنا، لسهولة مراقبة الشرطة قبل دخولها المحافظة ولهذا كانت من أكبر المدن التي تتم بها اجتماعات الإخوان في عهده، بل كانت أكبر محافظة في مصر، أقام الإخوان فيها في عهد البنا ومن بعده، مستغلين ضعف الدولة وغياب الخدمات التي يحتاج إليها الأهالي، ليبسطوا نفوذهم عبر الجمعيات الخيرية والمستوصفات الطبية والمساعدات العينية والمالية، لذلك لم يكن غريبا أن يحصل الرئيس المعزول محمد مرسي على أعلى الأصوات في الفيوم، وتحصل جماعة الإخوان في انتخابات 2011 على كافة مقاعد المحافظة .

ولذلك كان من السهل انضمام نسبة كبيرة من الأهالي إلى الإخوان المسلمين دون فهم واضح لمبادئ الجماعة وما تسعى إليه، ولذلك يذكر لنا التاريخ انه في عهد حسن البنا عندما أراد أن يتباهى أمام الحكومة بقوة الإخوان، قام بعمل مؤتمر كبير بالفيوم عام 1946 ومنعه الأمن بالقوة، حيث أن الدعوة للانضمام للإخوان المسلمين بالفيوم، بدأت تقريبا عام 1937م .

فبعد انحسار موجة الإرهاب التسعينية، تصدرت جماعة الإخوان المشهد وقامت بالتقرب من التيارات المدنية بالمحافظة، ولعبت علي كل الحبال مروجة أنها واحدة من التيارات الوطنية، وتتقاطع مع الأحزاب والقوي المدنية في المطالبة بالإصلاح والديمقراطية، وللأسف الشديد وقعت تلك القوي في فخ الجماعة وبعضها تحالف معها، غير أن الوجه الحقيقي للجماعة ظهر بعد ثورة 25 يناير، فكانت دائما تسعي إلي الاستحواذ والهيمنة علي الساحة السياسية في الفيوم، وبعد ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الجماعة وبعد أن كشف الجميع لعبتها، اتجهت إلي التمدد في أطراف المحافظة، للتأثير علي عقول البسطاء من الريفيين.

فالجماعات المتطرفة تنبهت إلي أهمية الثقافة والفكر، ربما بأكثر مما تنبهت الدولة، فالفيوم كانت بها دارا عرض سينمائي كانتا المتنفس الوحيد لأبناء المحافظة، هما دارا سينما “عبد الحميد” و “الفيوم”، في وقت متزامن قام منتمون للجماعات المتطرفة بشراء الدارين وإغلاقهما، وبما أن القانون يمنع هدم دور السينما فتم إغلاقهما لسنوات طويلة، ثم افتعال حريق بسينما “عبد الحميد “، حيث إنها تقع بقلب المدينة التجاري، ثم تأجير أرضها لبعض التجار لإقامة أسواق عليها، وهكذا ومنذ أكثر من 20 عامًا، لم يعد بالفيوم، التي يفوق تعداد سكانها 3 ملايين نسمة، دار عرض سينمائي واحدة.

“الفيوم منفذ إرهابيى ليبيا”

نظرا لوجود قبائل بالمحافظة، لها امتداد تاريخي بليبيا، مثل قبيلة ” أولاد على” فإن هناك تواصلا دائما بين عدد كبير من المواطنين مع الليبيين، الذين نزح منهم عدد كبير إلى المحافظة، واستغل إرهابيو القاعدة وداعش تلك الطرق الملتوية، والتي لا يعرفها سوى بدو المحافظة لاختراق مصر من حدودها الغربية، فكان أشرف الغرابلى، زعيم ما يعرف باسم “المنطقة المركزية” لتنظيم بيت المقدس، قتل فيما بعد، ينتقل من الفيوم إلى محافظة 6 أكتوبر، ومنها نجح في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية.

حاول التنظيم أن يستغل تلك الطرق الملتوية التي لا يعرفها سوى البدو، في إدخال عناصر إلى مصر، ونجح بالفعل في نقل عناصر وأسلحة، وكان يتولى القيادي أشرف الغرابلى هذه المهمة، فعندما ظهرت ” جماعة المرابطين ” التي أسسها الضابط المفصول هشام عشماوي، أكدت مديرية أمن الفيوم، أن عناصر هذا التنظيم تنتمي لشبكة القاعدة، والتي يقودها الظواهري، جاءت من ليبيا، واتخذت من محافظة الفيوم أوكارا للاختباء، وأهم من ساعد هؤلاء على التواجد في الفيوم، هو وجود البيئة الحاضنة بالمحافظة، بظهور عدد من خلايا جماعة “الشوقيين” التكفيرية، والجماعة الإسلامية، خاصة بعد عودتهم للعمل مؤخرا، وإقامتهم لعدد من الزوايا، والمساجد الخاصة، لاستضافة وتدريب عناصرهم في قرى مركزي “إبشواى، يوسف الصديق” بالمحافظة.

فعناصر هذا التنظيم، نفذت عدة عمليات إرهابية بالمحافظة، أهمها محاولة اختطاف الرائد وليد تاج الدين، بإدارة البحث الجنائي بالمحافظة، والشرطيين السريين سيد أحمد على، وسمير عبدالباقي.

أما داعش، فقد وضع بعض المعسكرات بالقرب من واحة جغبوب، وهى الواحة التي ينتقل منها مقاتلوه إلى مصر، عبر حدودنا الغربية، التي تبلغ نحو 1432 كيلومترا، عبر 4 طرق ملتوية وصحراوية، وهى طريق القوصية أسيوط، وطريق قرية دلجا المنيا، وطريق ينتهي بمدينة ديروط أسيوط، وطريق الفيوم هو أهمها.

“خريطة غير تقليدية”

ومن جانبه قال أحمد بان، الخبير في الحركات الإسلامية، إن تمدد الإخوان في الفيوم ومناطق أخرى، جعلهم يستوطنون بها، مما جعل هذه المناطق حواضن لجيل ثالث من الإرهابيين، خاصة أن الإخوان لم يعدوا نفس الكيان، الذي كان يراهن على المسار السياسي، بل اتجه إلى العنف العشوائي ،الذي تبقى من تيار الجهاد والسلفية الجهادية في مصر.

وأضاف، أن محافظة الفيوم مثل باقي المحافظات، لا يمكن حصرها في الإرهاب، وإن كانت أرض خصبة له، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية أمام تحد كبير في رسم خريطة غير تقليدية لمواجهة دعشنة الإخوان، وهي السلوك الذي يعني تعزيز العنف لدى قطاعات واسعة داخل الإخوان، ليأسهم من وجود مسارات أخرى.

وتابع، أن هناك عناصر بخلاف الفقر والتهميش، دفعت لتشكيل جيل من الإرهابيين ، منها السياق التاريخي لربط الأجيال الجديدة، بحركات إرهابية وتكفيرية ذاع صيتها في تلك المدينة، لافتا إلى أن المؤثرات الفكرية كانت العامل الأكبر، خاصة أن الجيل الثالث من التكفيريين مقطوع الصلة بالعلم والايدولوجيا، وبالتالي تحركه أوهام وأساطير تبث على الإنترنت، خاصة مع وجود عوامل جناح داخلية متمثلة في جهل واستغلال لفائض طاقة حركية، لتوجيه لأحداث لا يعرفها.

التعليقات متوقفه