محمد حافظ رجب رائد القصة القصيرة:نجيب محفوظ هاجمني وقال إن توفيق الحكيم أستاذ الكل..ويوسف إدريس شعر بضعفه أمامي فكتب مسرحًا..والكتابة عندي ليست بديلًا للانتحار

1٬175

حوار محمود قنديل

اتخذ  محمد حافظ رجب السيريالية منهجًا لكتاباته، واختار الواقع المصري مكانًا تدور فيه رؤاه، واعتمد الأوجاع المعيشة مادة خصبة لقلمه، فصار رائدًا من رواد التجديد…قالت عنه دائرة المعارف البريطانية إنه ساهم في إدخال شكل جديد للقصة القصيرة في مصر…هؤلاء الأوغاد سيعيشون رغم اللعنة، سيعيشون بلا حب ولا عواطف منكم، سيعيشون بلا أساتذة لأنهم أصبحوا أساتذة أنفسهم، سيأخذون مع الفتيات كل الرقصات وستبقون أنتم خارج الحلبة تتفرجون. بماذا تذكرك هذه الكلمات؟

– لقد قلتُ هذه الكلمات أوائل الستينيات، وقت أن كنا نعاني الاضطهاد ونكتب بطريقة مختلفة، وهي تذكرني بالحياة العريضة المتفجرة، وتؤكد أن الإنسان قادر على مواصلة الحب والدفء.

  • من كان السبب في معاناتك وشعورك بالاضطهاد؟

– كثيرون، فنجيب محفوظ عندما حضرت إحدى ندواته قال لي : أنت قلت نحن جيل بلا أساتذة، كيف؟ وتوفيق الحكيم أستاذ الكل، وأنا أستاذي سلامة موسى، وقال للحاضرين : ياجماعة حافظ رجب استغل غيبتنا وكتب سيريالية، وعاد ليقول لي : مالذي جعلك تكتب سيريالية؟، وكيف تكتب هذه السيريالية؟، وماذا تعني لك؟، فقلتُ له : إن يوسف إدريس كتب ما تحويه قصصي في الفرافير.
أما محمود أمين العالم فقد هاجمني بقسوة وقال : إن حافظ رجب شخص غريب، فقد زرتُه منذ سنوات في محطة الرمل بالإسكندرية فوجدته مازال يبيع السجائر رغم أنه سلك سلكًا وظيفيًا.

 

  • ولكن محمود أمين العالم وصف مجموعتك القصصية ” الكرة ورأس الرجل” بالرائعة، أليس كذلك ؟

– نعم حدث هذا وانضم إليه يحيى حقي مما جعل فاروق منيب يجن جنونه ويقول : لقد أحس محمود العالم ويحيى حقي بحافظ رجب إحساسًا كاملًا فكتبا عنه.

  • أحد النقاد قال : إن مجموعتك ” الكرة ورأس الرجل” هي قصة واحدة كُتِبَت تسع مرات، فما ردك؟

– لا.. لا.. لا، ربما كان يقصد المشاعر، فالمشاعر واحدة، أما إذا كان يقصد غير ذلك فهو ظلم كبير لي، إن مجموعتي الخاصة ( الكرة ورأس الرجل) اقتحام للمجهول، ففيها فتكتُ بالواقع المحيط وخرجت منه بقصص.

 

  • قلتَ يومًا : إن نجيب محفوظ حاول تقليدكم في مجموعته القصصية ” تحت المظلة”، أمازلت عند قولك هذا؟

– نعم، لقد حاول بالفعل تقليدنا، فنجيب محفوظ مكث ٣٥ سنة لم يكتب قصة جديدة؛ كله تقليدي، ومحمد جبريل قال له : أنت لم تكتب ” تحت المظلة” إلا بعد أن قرأت لحافظ رجب، فسكت.

  • وماذا عن رؤيتك ليوسف إدريس؟

– لمَّا سمعت أنه كتب ” الفرافير” حضرت العرض المسرحي، وعرفتُ أنه ترك القصة لنا، وكذلك رشاد رشدي، لقد شعروا بضعفهم أمامنا.

 

  • هناك من يرى أن يحيى حقي كان أكثر المنصفين لك، فما مدى موافقتك على هذا؟

– يحيى حقي – رحمه الله – كان ذكيًا واجتماعيًا، في البداية قال لي : اقرأ وأنا أسمع، فكنت أقرأ عليه قصصي إلى أن وجدتُه يكتب عني في مقاله الأسبوعي ” الفنان وزمانه” ويقول : لقد التقيت بفنان يسبق زمانه، تجده يمسك القلم كريشة في مهب الريح إنه غيَّر من شكل وأسلوب ومضمون القصة. وقال أيضًا : إن حافظ رجب كسر السرد الرتيب المألوف في القصة القصيرة، واعتمد على الجُمَل القصيرة غير المترابطة كأنها لمسات فرشاة مرتعشة متقدة الأعصاب، ليس همه أن ينقل إلينا الفهم، بل ينقل الإحساس.

  • تناولت الإنسان في مجموعتك ” مخلوقات براد الشاي المغلي” كآلة، فما الباعث على ذلك؟

– هذا الإنسان كنتُ أرقبه في مقهى يوناني بالإسكندرية، وكان عبيد الواقع يجلسون فيه.

 

  • استعنت بالصورة في كتاباتك للتعبير عن رؤاك الفنية، فما هو الدافع؟

– لا أحد يختلف على الصورة، الخلاف – دائمًا – على الكلمة، فلا يوجد من يقول عن الصورة إنها ليست صورة، من هنا فالصورة تبقى والكلمات تسقط.

  • أحد أبناء جيلك أخذ عليك أنك تفتي بسيريالية في مضامين واقعية، فماذا تقول له؟

– لا أقول له شيئًا، فهذا رأيه.

 

  • أخيرًا كتبتَ رواية عنوانها ” طحالب رمادية.. سلاحف تئن” صدرت ضمن الأعمال الكاملة الصادرة عن دار العين بالقاهرة، لماذا تأخر ذلك؟

– كتبتُ القصة لأن حجمها كان يسمح بالنشر سريعًا أكثر من الرواية.

  • أي المجموعات القصصية أقرب إليك؟

– كلها قريبة من نفسي.

  • ماذا أردتَ أن تقول في كتاباتك؟

– أردتُ أن أتكلم عن اندحار الإنسان المصري، ففي مجموعتي ” عشق كوب عصير الجوافة” الخال يحب عصير الجوافة وزوجته عشقت ابن أخيها.

  • إلى من تتوجه بإبداعك؟

– أنا لا أختار القارئ، القارئ إذا وصله شيء مني فمرحبًا، وإذا لم يصله شيء فمرحبًا أيضًا.

  • البعض يرى صعوبة فهمك وفهم إبداعك، فهل تلتمس لهم الأعذار؟

– من يقترب مني يفهمني ويفهم عالمي وتكوين كتاباتي، ذات الكتابات التي غمرتني وغمرتها، إنها قوة مؤثرة فعلًا.

  • عملتَ موظفًا بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، فهل أثر عملك الوظيفي على طاقتك الإبداعية؟

– الواقع ممتد، قبل الوظيفة كان الواقع يعطي بسخاء، وبعد الوظيفة أصبحت أنظر إلى المسألة على أنها إنسان بأربعة أقدام؛ مكتب هنا ومكتب هناك.

  • أمل دنقل قال إن الكتابة عندي بديل للانتحار، فماذا تمثل الكتابة عند حافظ رجب؟

– الكتابة عندي تدارك في الحياة.

  • تحدثتَ عن السنوات التي عشتها في القاهرة وكأنك تتحدث عن سنوات عجاف، أهو نتاج الغربة؟

– بالفعل كانت هناك غربة شديدة مع زملائي الكتاب، ولما قمتُ بالصيحة ( نحن جيل بلا أساتذة) وقفوا يترقبون نتيجة المعركة، ولما اطمأنوا انضموا إليّ، فتركت القاهرة وعدت إلى الإسكندرية عام ١٩٦٤، أي بعد سبع سنوات من الغربة.

  • توقفتم عن الكتابة فترة ليست بالقصيرة، فهلَّا عرفنا الداعي إلى هذا التوقف؟

– قسوة المحلية بعيدًا عن القاهرة قسوة شديدة والسبب كان من أجل أن أجد بيتًا أقيم فيه مع أهلي لكني لم أجد راحة، فواجهت نفسي ما العمل؟ وقررت العودة للكتابة، وكونت اتحاد كتاب الأقاليم بالإسكندرية.

  • إلى أين تتجه القصة القصيرة في مصر؟

– هناك العنصر النسائي أقتحم الصّم، التقيتُ بهن وكأني كنتُ معهن، وكأنهن معي في العنفوان، ولكنهن في حاجة إلى خبرة مجرب، من أجل ذلك أدعو كل من يكتب القصة في مصر والبلاد العربية إلى قراءة أعمالي الكاملة، إنها عالم حافل بأسرار الكون.

 

  • سعدنا كثيرًا بتكريمكم – منذ سنوات – بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، فهل كنت تتوقعه؟

– لقد تأخر كثيرًا، لقد كان تكريمًا وكأنه رثاء.

  • الأحداث الكبرى تؤثر – دائمًا – على المبدع أو الفنان، فهل أثرت فيك هزيمة ٦٧ أو انتصار أكتوبر ٧٣ ؟

– أنا كنت شايف الوضع جيدًا عام ١٩٦٣، وتنبأت بما سوف يحدث سنة ١٩٦٧، وقد عرضتُ لحم الإنسان من الداخل فكان بشعًا، فالهزيمة كانت موجودة في المجتمع المصري رغم الانتصار وهي هزيمة إنسانية وشخصية وروحية.

  • الأدب بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، هل تراه مختلفًا؟
    – لا.. هناك فترة جمود انفعالي نعيشها، فالتهافت على المصالح والمنافع الشخصية زاد من تفكك المجتمع.

حافظ رجب، هل أنت متفائل؟
– نحن نعيش رغم أن كل شيء لايدعو إلى الاستمرار في العيش.

 

 

 

التعليقات متوقفه