ماجدة موريس تكتب:الجونة… مدينة السينما

1٬071

الجونة… مدينة السينما

ماجدة موريس

التاريخ لا يصنع نفسه من فراغ، ولهذا فإن القاهرة مدينتنا الكبري، عاصمة مصر، أصبح مهرجانها السينمائي الكبير أحد أنشطتها المهمة، وكذلك الاسكندرية المدينة التي بناها الاسكندر واصبحت عاصمة ثانية لمصر ومن معالمها مهرجانها السينمائي العريق لدول المتوسط، والأمر ذاته مع الاسماعيلية، درة مدن القناة ومهرجانها السينمائي المميز للسينما التسجيلية والقصيرة، وهناك مهرجانات أخري، حديثة، تنتمي الي مدنها مثل الأقصر للسينما الافريقية ، وأسوان لسينما المرأة، وشرم الشيخ  إلا مهرجان الجونة السينمائي الذي  أصبحت مدينته هي التي تنتمي إليه وليس العكس، فتاريخ الجونة الصغير كمدينة، وانتمائها الي محافظة كالبحر الأحمر، لها عاصمة أكثر شهرة كالغردقة جعل من مهمة المهرجان ومؤسسيه صعبة في منافسة مهرجانات أكبر ولها مكانتها علي الخريطة الثقافية المصرية، ولكن، ما حدث في الجونة يقدم النموذج العملي لاهمية وقيمة التعاون الخلاق بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في مصر، فالمدينة الصغيرة التي كانت منتجعًا للأثرياء أصبحت هدفا لأعداد أكبر من المصريين هم محبوا الفن، السينما تحديدا، وعشاق الفرجة علي الاعمال السينمائية المهمة في أجواء تعيدنا الي زمن نسميه الزمن الجميل، بلا زحام او منغصات وانما أنسجام بين كل الانشطة في المدينة، بما فيها التجول بين دور العرض والساحات والشريط الملاصق للبحر والكافيهات، ووجود وسائل مواصلات عامة مختلفة ومميزة ومنها التوكتوك الخاص بالجونة، المميز  بألوان خاصة، وأرقام واضحة، ويقوده شباب موحد الزي، وتسعيرة واحدة للمدينة هي خمسة جنيهات، حدث هذا في الدورتين الاولي والثانية حتي العام الماضي، ولانني كتبت مثل غيري من النقاد عن الافلام الكبيرة والندوات المهمة التي قدمها المهرجان، وعن الخدمة الكبيرة التي قدمها لمن فاته الذهاب الي مهرجانات السينما الكبري في العالم حيث احضر الافلام الفائزة بجوائزها ومنها الفيلم الياباني الرائع (سارقو المتاجر) الحاصل علي الجائزة الكبري لمهرجان كان في العام الماضي، وغيره من أفلام ملهمة ظل بعضها يحصد الجوائز حتي نهاية العام، وربما لهذا النجاح اللافت للمهرجان في دورته الاولي (٢٠١٧) كان الاقبال مضاعفا في الدورة الثانية، ولأول مرة أجد عددا من الشخصيات العامة، في الصحافة والفكر وحتي السياسة تواظب علي حضور الافلام، والذين لم أرهم قبلا في مهرجانات القاهرة وبقية المدن، هل خلق هذا المهرجان مناخا مختلفا لتلقي العمل الفني ؟ ام ان المتغيرات التي أصابت مهرجاناتنا الكبري، وربما المتاعب التي تتعرض لها من جوانب عديدة، جعلا البحث عن المناخ الآمن شرطا للكثيرين لاستئناف محبتهم للفن؟ وهل تحتاج علاقة الفنون بأوعية تلقيها، كالمسارح ودور العرض والأماكن الأثرية والمفتوحة الي أهتمام جديد ومعاملة خاصة ؟ نعم بالتأكيد، فمنذ ايام انتهي مهرجان القلعة لفنون الموسيقي والغناء في دورته السابعة والعشرين بحضور جماهيري طاغ، وهو نفس الاقبال الذي يجده مهرجان (سماع) للموسيقي والإنشاد، ومهرجانات المسرح بالعاصمة، لكننا نحتاج الي دعم أوعية الفنون بالمحافظات، والي أقامة دور عرض سينمائي ومسرحي وموسيقي في محافظات مصرية كثيرة خالية منها، ونحتاج الي جهود رجال الاعمال والمال الداعمين لبلدهم في إنشاء هذه الدور والقاعات بجانب جهد الدولة ووزارة الثقافة التي لا تتوقف عن العمل بقيادة وزيرتها النشطة لدعم المشروعات الفنية والثقافية في كل مكان، ويكفي ان أسرد هنا واقعتين، الاولي في الدورة الرابعة  لمهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية عام٢٠١٦ حين امتلئت قاعة المحافظة بأعداد فوق الطاقة من الناس لرؤية فيلم المخرجة اللبنانية مي المصري (٣٠٠٠ ليلة)عن أحوال الفلسطينيات في المعتقلات الاسرائيلية وكيف رفض هذا الجمهور الكبير مغادرة القاعة الا بعد انتهاء ندوة الفيلم وتحية المخرجة، اما الواقعة الثانية فكانت في الجونة، في الدورة الثانية العام الماضي حين تقدمت مني سيدة وشكرتني، ربما لاول مرة في تاريخي، لانني، ساعدتهافي التفكير بالفيلم بعد عرضه بأسئلتي لمدير الندوة، وأمتد الحوار بيننا لأعرف منها أنها تعيش مع عائلتها بالمدينة الصغيرة، وأنها منذ بدأ المهرجان أصبحت من رواده الدائمين، تنتظره بفارغ الصبر لتري وتتعلم من أفلامه ما لم تعرفه من قبل، هكذا يفعل المهرجان او الحدث المهم في البشر، خاصة إذا كان منضبطا، قادرا علي تطوير أدائه ومهامه الي الافضل، وحسن التعامل مع جمهوره، تحية لمهرجان سينمائي مصري جديد، أصبح منافسًا قويًا لسابقيه.وتحية لجمهور مصري شغوف بالفن، ونداء الي من يقدر علي المساهمة في دعم حياة الناس، في كل المحافظات، بإقامة ودعم الانشطة الثقافية والفنية، الجونة السينمائي اصبح نموذجا مضيئا، ونحتاج غيره، في المسرح والموسيقي وكل الفنون.

التعليقات متوقفه