صناعات فى خطر!!.. من يحمى صناعة الأسمنت من الانهيار؟

■ خبراء: المشروعات القومية طوق النجاة.. ويجب تطوير التكنولوجيا والحفاظ على العمالة ■ مراكز بحثية: اتساع الفجوة بين العرض والطلب ■ التصدير هو المخرج.. وضرورة فتح أسواق بإفريقيا ■ مطالب بمراقبة عمل الشركات متعددة الجنسيات .. والنظر بعين الاعتبار للشركات الوطنية معاناة الشركات .. عرض مستمر.. والقومية للأسمنت والسويس للأسمنت نموذجان

1٬210

تعد صناعة الأسمنت من أهم الصناعات الاستراتيجية التى تعتمد عليها الدولة بصورة كبيرة، فضلا عن زيادة هذه الأهمية مع تنفيذ المشروعات القومية، يتكون هذا القطاع الحيوى من 19 شركة منتجة، منها 18 شركة خاصة، بالإضافة إلى شركة تابعة للدولة متمثلة في جهاز الخدمة الوطنية، وتملك هذه الشركات 42 خط إنتاج، وتبلغ الاستثمارات الأجنبية في صناعة الإسمنت نحو 52 %.
ويواجه هذا القطاع عدد من التحديات فى الفترات الماضية، كان أهمها إغلاق الشركة الوحيدة التى تمتلكها وزارة قطاع الأعمال العام، وهى الشركة القومية للأسمنت، فضلا عن عدد من الممارسات الاحتكارية للشركات المتعددة الجنسيات والتى استلزمت تدخل الدولة لضبط هذا القطاع الحيوى وتوفير التوازن بالسوق، وتعد هذه الصناعة من الصناعات كثيفة العمالة، حيث أن هناك عمالة مباشرة تتراوح بين 800 عامل وألف عامل لكل 2 مليون طن أسمنت.

قال فوزى فتى، أمين سر لجنة الصناعة بمجلس النواب، إن صناعة الأسمنت مثل كل الصناعات، والتى تحتاج إلى استكمال الدولة ما قامت به من بنية تحتية، وكذلك يجب أن تؤول المناطق الصناعية لتبعية جهة واحدة فقط لحل جميع المشكلات.
وتابع أن تشغيل المصانع ورفع كفاءة الإنتاج سيعمل على تشغيل العمالة وهو ما يعنى الدولة وما يترتب عليه من خفض نسب البطالة، وتزليل كافة العقبات التى تواجه الصناع، موضحًا أنه تم تقديم عدد من المحفزات مثل خفض سعر الغاز للأنشطة الصناعية والتى استفادت منه هذه المصانع كثيرًا، فضلا عن خفض الفائدة البنكية، موضحًا أن الدولة يجب أن تقدم تسهيلات للمصنع الجاد فقط.
وقال إن الركود الحالى بسبب كثرة المعروض، يتطلب منا فتح أسواق خارجية، مشددًا على ضرورة قيام الدولة بالمشاركة فى إعمار الدول المحيطة مثل ليبيا والعراق، وفتح أسواق كبيرة فى إفريقيا من خلال شركات المقاولات مثل شركة المقاولين العرب، وهو ما يخلق فرصة كبيرة لتوزيع منتجاتنا من الأسمنت.
تدخل الدولة
وفى سياق متصل، أكد أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية، إننا نستهلك تقريبا 50 مليون طن سنويًا، وأنه لولا الدولة والمشروعات القومية، والتى تستهلك من حجم إنتاج الأسمنت في مصر، لكان عدد كبير من هذه المصانع قد اغلقت أبوابها وتمت تصفيتها، مضيفًا أن تدخل الدولة فى الفترة الماضية أعطى نوعا من الأمان لصناعة الأسمنت ومنعت احتكار البعض للصناعة عبر إنشائها مجمع بني سويف للأسمنت والرخام والجرانيت، والذي يعد أكبر مجمع في الشرق الأوسط لإنتاج هذه المواد.
وتابع الزينى، أن الدولة وافقت لمصنعى الأسمنت على دعم صادراتهم وإجراءات عديدة وقفت الدولة بجانبهم، موضحًا أننا نرى الآن أنه لم يعد هناك أزمات مفتعلة يقومون بها مثل تعطيش السوق وغيرها من الممارسات، موضحًا أن مصنعي الأسمنت يتحدثون عن خسائر وهمية لأنهم كانوا يحققون مكاسب خيالية قبل بناء مصانع أسمنت للدولة، وبعد تدخل الدولة في الصناعة فقدوا هذه المكاسب الهائلة، ولهذا يتحدثون عن خسارة المصانع، وهذا غير صحيح.
وقال إن الشركات الوطنية أحدثت نوعا من التوازن والتى حاربت الممارسات الاحتكارية لهذه الشركات وأصبح هناك منافسة عادلة والأرباح أصبحت الآن ليس وهمية كما كانوا يحققون بالسابق على حساب المستهلك.
الشركات متعددة الجنسيات
ومن جانبه، أكد عبد المنعم الجمل، أن إدعاءات الشركات المتعددة الجنسيات العاملة فى صناعة الأسمنت فى مصر، بأنها تحقق خسائر هى غير دقيقة، موضحًا أنه فى نفس الوقت نرى إصدار تراخيص لإنشاء مصانع أسمنت جديدة بالقطاع الخاص، مشيرًا أننا لسنا ضد مكاسب الشركات ولكن يجب يجب أن يكون هامش الربح عادلا بجانب تكاليف الانتاج.
ونوه الجمل، إلى أن الفترة الماضية شهدت وجود تحالف من شركات متعددة الجنسيات كانت تتحكم فى صناعة الأسمنت فى مصر واستحوذت على عدد من شركات الأسمنت، وكان يتم الضغط على السوق للحصول على مكاسب وحوافز من الدولة، قائلا دخول الشركات العالمية للسوق المصرى يجب أن يكون من أجل ضبط الميزان التجارى ودخول النقد الأجنبى، وليس من أجل الممارسات الاحتكارية.
وقال إن هناك بعض الهيئات تتعامل برعونة مع مثل هذه الشركات فحديث هذه الشركات عن الخسائر غير حقيقى، ولكن هى لها أهداف أخرى، ومن هذه الأهداف هو استغلال الأراضى الشاسعة لهذه الشركات، والتى معظمها فى مواقع استراتيجية، قائلا “الدولة لا تتحرك تجاه هذه الممارسات ولكننا بالعكس نرى أنها تقوم بمساعدتهم، فهذه الأراضى تم تخصيصها من أجل الصناعة وليس بغرض الاتجار أو الاستثمار العقارى، ولو كان سيتم الاتجار بها فيجب أن يتم رد هذه الأراضى للدولة مرة أخرى”.
وتابع الجمل، أن الدولة تحدد أفكارا أساسية للمستثمر وهى توفير فرص عمل جديدة وتطوير التكنولوجيا وزيادة الإنتاج، وفتح منافذ للتصدير، وتطوير التكنولوجيا للحفاظ على البيئة فضلا عن وجود منافسة عادلة تضمن وجود سعر عادل للمستهلك، موضحًا أننا نرى أن هذه الأهداف لم يتم تطبيقها على أرض الواقع، فشركة مثل مجموعة السويس للأسمنت مقارنة عدد العمالة بها الآن بالفترات السابقة وغيرها من الشركات نجد أن عدد العمالة انخفض كثيرًا فلا يوجد خلق فرص عمل جديدة، فضلا عن مقارنة سعر الطن قديمًا بالسعر الآن، وهذا بعد احتساب الطاقة المستخدمة للتشغيل ونجد أن الأسعار متفاوتة بعملية يتم احتسابها فيما بينهم، وكذلك تقوم هذه الشركات بخلق عدد من الشركات الداخلية والوسيطة بين مراحل الانتاج والتوزيع المختلفة، وتحقيق مكاسب حقيقية ليس عليها تكاليف.
وطالب الجمل، بأن يقوم المعنيون بصناعة الأسمنت بفتح هذه الملف مضيفًا بأنه يجب على الحكومة بأن تنظر بعين الاعتبار إلى الصناعات الوطنية، وأن شركات قطاع الأعمال العام، هى درع وسيف للدولة يجب ان يتم المحافظة عليها، فهى الوحيدة التى تستطيع أن تعمل على وجود توازن فى الأسواق، وعدم ترك السوق للمستثمرين الأجانب للتحكم فيه.

ترى مراكز متخصصة أن هناك عددا من التحديات تواجه الصناعة حيث أنه خلال الربع الأول من العام الجارى، انخفضت حجم مبيعات شركات الأسمنت بنسبة 6.4 %، متأثرة بضعف الطلــب المحــــلى، الذى انخفـــض بنسبـــــة 6.6 % على أساس سنوى إلى 12.4 مليون طن، بينما ارتفعت الصادرات بنسبة 7 % على أساس سنوى إلى 157.9 ألف طن فى الربع الأول ما يمثل 1.3 % فقط من إجمالى المبيعات، من بين شركات الأسمنت الـ 16 الموجودة بالسوق، سجلت 4 شركات فقط نمواً فى أحجام المبيعات، اثنتان منها مدرجتان بالبورصة المصرية، وهما مصر للأسمنت قنا، أسمنت سيناء، ورى بنك الاستثمار هيرميس.
واشارت الدراسات إلى أن أبرز التحديات التى تواجه قطاع الأسمنت فى مصر هى توقعات استقرار الطلب عند المستويات الحالية، بواقع 54 مليون طن خلال العام 2019، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الحالية، بينما توقع بلتون، زيادة الفجوة بين العرض والطلب ليصل إلى 31.6 مليون طن خلال العام الجارى، إلا أن استمرار الحكومة فى برنامجها لخفض الدعم عن المحروقات، سيمثل مزيداً من الضغوط على شركات الأسمنت، وأما فاروس، توقع تسجيل شركات قطاع الأسمنت المدرجة بالبورصة أداءً ضعيفًا، وذلك فى الربعين الأولين، وأرجعت أسباب ذلك إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب، وتوقع أن يقترب معدل الاستخدام فى القطاع إلى 69 % خلال 2019، وأن تشهد الهوامش فترة من التقلبات الكبيرة، وكذلك انخفاض الصادرات بسبب ارتفاع الجنيه أمام الدولار، خاصة مع تخطى التكلفة النقدية لكل طن أسعار الصادرات (33-39 دولار/طن)، إضافة إلى ذلك، توقع أن تمتلك شركات القطاع قدرة محدودة جدًا على تمرير هذه التكاليف على المستهلك فى ضوء ديناميكيات السوق الحالية.
وتحدث بنك استثمار شعاع، في مذكرة بحثية حديثة، عن ضرورة توسع شركات الأسمنت المصرية، في التصدير لأفريقيا، لتصريف جزء من الفائض الكبير في السوق المحلي، وأن صادرات الأسمنت مثلت ما نسبتــــــه 1.2 % من إجمالي الكميات المنتجة في الربع الأول من 2019، وما يعادل 0.8 % فقط من الطاقات التشغيلية. وتابع: نلاحظ أن أسواق التصدير التقليدية المحتملة مثل اليمن وسوريا والعراق وفلسطين لم يتم العمل على التواجد بها بعد، ومع ذلك لا تتمتع مصر حاليًا بميزة نسبية في هذه الأسواق مقارنة بتركيا وإيران والسعودية نظرًا للتكلفة والأسعار الحالية في السوق المحلية، مضيفًا أن التصدير أمر لا بد منه، مؤكدًا ضرورة أن يجد الأسمنت مكانـًا له في أفريقيا، حيث هناك فرصة في شرق أفريقيا مع وصول معدل الاستهلاك إلى 33.9 مليون طن في عام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 37.6 مليون طن في 2020، بينما بلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية هناك 21 مليون طن سنويًا، بفجوة 13 مليون طن في عام 2018.

وفقًا لبيانات 5 شركات إسمنت مدرجة في البورصة، فإن مبيعاتها تراجعت خلال الربع الأول من العام الجاري، بسبب زيادة المعروض وانخفاض الطلب المحلي، ونرصد عددا من الوقائع التى مرت بها الشركات خلال الفترة الماضية، وعلى رأس هذه الشركات، الشركة القومية للأسمنت والتى تم إعلان تصفيتها بقرار من الجمعية العمومية للشركة، حيث اعلن تصفيتها بسبب الخسائر وتآكل رأس مال المساهمين، ويجرى الأن دفع تعويضات لعمال الشركة طبقا للاتفاقية التى تم إجراؤها مؤخرًا وإجراء عملية التصفية والتصرف فى أصول الشركة.
ثم تلى ذلك، الأحداث التى مرت بها شركة السويس للإسمنت، والتي أعلنت يوم الأحد 19-5-2019 عن إيقاف مصنع إسمنت بورتلاند طرة، التابع لها، مؤقتًا، نتيجة الخسائر التي يحققها، والتي بلغت في الربع الأول من العام الجاري 72 مليون جنيه.
وأعلنت الشركة فى بيان للبورصة أن الطلب المحلي على الإسمنت انخفض في الربع الأول من 2019 بنسبة 8.8 % مقابل نفس الفترة من العام الماضي، ليواصل الانخفاض للعام الثالث على التوالي، كما أشارت إلى أن سوق الإسمنت يشهد حاليا زيادة هائلة في العرض تتجاوز 30 مليون طن سنويا، في مقابل انخفاض الطلب، “ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى مستويات لا تغطي تكلفة الإنتاج”.
وأوضحت الشركة، أن قرار إغلاق المصنع جاء بناء على تدهور النتائج المالية لشركة إسمنت بورتلاند طره المصرية، المملوكة بنسبة 66.12 % لصالح شركة السويس للإسمنت، حيث تجاوزت خسائرها قيمة حقوق المساهمين، حيث سجلت قيمة سلبية لحقوق المساهمين في 2018 بلغت 196 مليون جنيه، فيما حقق نشاط الإسمنت منفصلا خسائر بقيمة 37 مليون جنيه في 2018، و72 مليون جنيه خلال الربع الأول من العام الجاري.
وقالت الشركة إنه برغم كل الجهود التي بذلتها لخفض تكلفة الإنتاج والتشغيل، “فإن الوضع المتفاقم في السوق يجعل من نشاط الإسمنت بالشركة نشاطا محققا لخسائر نقدية بصفة مستمرة، ولا يُتوقع له أن يشهد انفراجه في المستقبل القريب”. وإنه لم يكن أمام الشركة لوقف الخسائر سوى خيارين إما التصفية أو وقف نشاط الإسمنت مؤقتا. وتصوت الجمعية العامة غير العادية لشركة إسمنت بورتلاند طره على قرار مجلس الإدارة في 10 يونيو المقبل.
وأيضًا شركة جنوب الوادي للإسمنت أعلنت في تقرير أرسلته للبورصة أن أرباحها في 2018 انخفضت بنسبة 5 %، نتيجة انخفاض الأسعار مع زيادة المعروض، حيث سجلت الشركة ربحا بقيمة 10.18 مليون جنيه في 2018 مقابل 22.14 مليون جنيه أرباح خلال 2017، وبررت الشركة التراجع بأنها عانت من انخفاض شديد في هامش ربح التشغيل بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج الذي لم يوازه ارتفاع في سعر الأسمنت، مشيرة إلى أن الأسعار انخفضت نتيجة أن المعروض أكثر من الطلب بحوالي 40 %.
وأضافت أن رسم تنمية الموارد الخاصة بالطفلة وأسعار المواد الخام والطاقة ارتفعت بنسبة 30 إلى 40 % بسبب إلغاء الدعم دون انعكاس هذه الزيادة على سعر الإسمنت وانخفاض السيولة اللازمة لمواجهة التزامات الشركة.
وهناك أيضًا شركة مصر للإسمنت – قنا، والتى حققت تراجعــًا فــي أربــاح الربــع الأول مــن العــام الجاري بنسبة 80.9 %، حيث سجلت صافي ربح 12.05 مليون جنيه مقابل 63.1 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، وشركة العربية للإسمنت، تراجع ربحها خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 96.3%، وسجلت صافي ربح بقيمة 5.97 مليون جنيه مقابل 162.01 مليون جنيه أرباح خلال نفس الفترة من العام الماضي. شركة مصر بني سويف للإسمنت تراجعت أرباحها، بنسبة 76.5 % خلال الربع الأول من العام، فسجلت صافي ربح بقيمة 29.53 مليون جنيه مقابل 125.9 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي.

التعليقات متوقفه