«بي بي سي» تنحاز لحكم المرشد الإيرانى..قطر وتركيا وبريطانيا تسعى إلى الدفع بـ « محمد المقريف» لخلافة السراج

مخطط قطري تركي يهدف إلى إعادة الإخوان إلى السلطة فى ليبيا.. كما حدث فى تونس

663

بقلم  عبد الستار حتيتة

ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية بضعة مؤشرات إعلامية في قنوات تبث من دول معروفة بانحيازها إلى الفوضى والتطرف والجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
قنوات تبث من الدوحة هي شبكة قنوات “الجزيرة”، وأخرى تبث من لندن هي “بي بي سي”، ناهيك عن قنوات عربية تبث من تركيا التي يحكمها زعيم المتطرفين في المنطقة، رجب طيب أردوغان.
قبل أيام بدأت قناة الجزيرة في تلميع محمد المقريف، الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا، والمقرب من جماعة الإخوان. وانحازت “بي بي سي” إلى حكم المرشد المتطرف في إيران.
أولا بالنسبة لقناة الجزيرة.. يأتي تلميع “المقريف” بعد عقد بضعة اجتماعات من خلف الستائر السوداء بين قادة في المخابرات القطرية والتركية، لإعادة تمهيد الطريق لجماعة الإخوان في ليبيا لتكرار ما حدث أخيرا في تونس من صعود لهذه الجماعة المتهمة بالإرهاب.
تسعى قطر وتركيا ومعهما بريطانيا – وهؤلاء من رعاة الجماعات الإرهابية – إلى الدفع بالمقريف، إلى الواجهة السياسية في ليبيا من جديد، بعد أن رأس في طرابلس البرلمان السابق الذي كان يهيمن عليه المتطرفون والميليشيات المسلحة.
ظهر المقريف في برنامج “شاهد على العصر”، الذي يقدمه المذيع الإخواني في قناة الجزيرة، المصري، أحمد منصور، قبل يومين. وسبق هذا الظهور ترتيبات كثيرة، من بينها لقاءات في الربع الأول من سبتمبر الماضي، شارك فيها مسؤولون قطريون وأتراك.
في بعض الاجتماعات كان يمكن أن ترى وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، وترى كذلك مستشار أردوغان، ابراهيم كولن.
كما كان هناك اجتماع آخر عقد في اسطنبول قبيل نهاية سبتمبر بيومين، ظهر فيه زعماء الجماعات الإرهابية الليبية ممن يتنقلون بين قطر وتركيا. ومن الوجوه المعروفة التي كانت تضرب بالدفوف لـ”المقريف”، علي الصلابي (من جماعة الإخوان الليبية) وعبد الحكيم بلحاج (أمير الجماعة الليبية المقاتلة). ولم يكن مثيرا للاستغراب وصول كل من “كولن”، وبرفقته السفير التركي في ليبيا، سرحت اكس، إلى مقر الاجتماع.
هذا المخطط القطري التركي الإرهابي الذي تدعمه بريطانيا “من بعيد لبعيد”، يهدف إلى إعادة الوجوه الإخوانية الليبية للخلف بضع خطوات، وتقديم المقريف، لكي يتولى قيادة مرحلة ما بعد فايز السراج. كان المقريف في أيام القذافي دبلوماسيا منشقا يعيش في عواصم الغرب، ويرأس كيانا اسمه الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وهي جبهة كان مقرها في لندن وكانت متحالفة مع الجماعات الإرهابية ومنها جماعة الإخوان.
المخطط يقوم على إعادة تقديم “المقريف” إلى المشهد الليبي، لكن باعتباره قياديا في جبهة الإنقاذ، على أن يظل في تحالف غير معلن مع جماعة الإخوان.. وغير معلن بسبب كراهية الليبيين لهذه الجماعة لما قامت به من تخريب وفوضى في عموم البلاد بعد القذافي. وخلال تلك الاجتماعات يقول مصدر كان على علم بتفاصيل ما دار فيها إن “تم استحسان الفكرة.. وأضيف إليها من بعض اللمسات”.
وتقرر في هذه الاجتماعات سحب البساط من تحت قدمي أحد كبار المتطرفين في جماعة الإخوان الليبية، وهو الدكتور عصام عميش، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، وكان أحد قادة المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة، قبل عودته لليبيا بعد سقوط نظام القذافي.
رغم كل هذه الاتفاقات والمؤامرات، لم يقم زملاء عميش في جماعة الإخوان بإخباره حتى الآن بأنه سيتوجب عليه الابتعاد عن خشبة المسرح السياسي. وحتى أيام قليلة مضت، كان عميش ما زال يقدم الخدمات والتصورات عن إثارة المزيد من الفوضى في ليبيا ودول الجوار، معتقدا أن قطر وتركيا وبريطانيا، ومعهم التنظيم الدولي للإخوان، يجهزونه لخلافة السراج.
وبالنسبة لـ”المقريف” لا توجد شعبية تذكر له في ليبيا إلا في بضع مناطق صغيرة. لكنه يمتلك مقدارا كبيرا من الكراهية للرموز والشخصيات العسكرية والقبلية المحسوبة على نظام معمر القذافي، وهذا أمر ترحب به قطر وتركيا وبريطانيا وعدة دول أخرى، إضافة إلى الجماعات الإرهابية.
ويسعى “لوبى الفوضى والإرهاب” إلى اغتنام الفرصة، والدفع بالمقريف إلى رأس السلطة، بتأييد من الجماعات الإرهابية والمسلحة في طرابلس، في تكرار لتجربة تصعيد رئيس الوزراء السابق علي زيدان. فـ”زيدان” لم يكن إخوانيا، لكنه كان محبا لهم، وتحالف مع قادتهم، إلى أن عصفوا به في النهاية وألقوا به في سلة المهملات.
رغم أن التيار المحسوب على النظام السابق يمثل الأغلبية في ليبيا، إلا أنه ما زال مشتتا، وغير متفق على الوقوف وراء شخصية واحدة. ولهذا تسعى قطر ومن يدور في فلكها إلى استغلال هذا الوضع، من خلال الاستمرار في تشويه النظام السابق، وعرقلة دخول الجيش الوطني إلى طرابلس، والعمل على إعادة حكم الإخوان إلى ليبيا من بوابة المقريف.
لقد رصدت الأجهزة الأمنية العديد من اللقاءات والمناقشات في الدوحة واسطنبول، حول خطة تلميع المقريف، وذلك خلال الشهرين الأخيرين، وتحديدا في أيام الرابع والعشرين من أكتوبر، والثالث من نوفمبر، والسادس من نوفمبر أيضا.. على أن يتم الانتهاء من كل المخطط قبل مؤتمر برلين المزمع عقده حول ليبيا في الفترة المقبلة.
قبل انطلاق حلقات المقريف في برنامج “شاهد على العصر”، تم في طرابلس تقفيل العديد من ملفات الفساد التي كانت تحقق فيها السلطات في طرابلس والتي تخص فترة عمله كرئيس للبرلمان السابق، وكدبلوماسي سابق في الهند.
عن طريق الأموال القطرية والضغوط التركية تم بالفعل، في النصف الأول من شهر نوفمبر 2019، إغلاق ملفات التحقيقات هذه، بـ”بالحفظ الإداري”.
وللعلم كانت هذه القضايا، وفقا لمصدر في جهاز المحاسبة الليبي، قد أحيلت للجهاز في يوم 18 أكتوبر 2018. وبعد نحو 13 شهرا، أي منذ حوالي ثلاثة أسابيع فقط، قرر الجهاز نفسه حفظ التحقيق فيها. وتم إرسال صور من هذا القرار إلى كل من النائب العام، ورئيس هيئة الرقابة الادارية، ورئيس الهئية الوطنية لمكافحة الفساد، في العاصمة الليبية.
أما فيما يخص قناة “بي بي سي”، البريطانية – والتي يتشكك كثيرون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في انحيازها للجماعات الإرهابية – فقد تعرضت لهجوم شديد من جانب قطاع من المعارضة الإيرانية، متهمين إياها بالانحياز إلى المخابرات الإيرانية وحكم رجال الدين بزعامة “آية الله خامنئي” في طهران.
ومعروف أن إيران لديها مشاكل كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب برنامجها النووي. ومع ذلك تمكنت طهران من استقطاب دول أوربية منها بريطانيا للاستفادة من فرص الاستثمار وتوريد المنتجات إليها. ورغم الشد والجذب بين إيران وبريطانيا، وقيام كل منهما باحتجاز ناقلات بحرية تخص الدولة الأخرى، إلا أن موقف بريطانيا من حكم رجال الدين في طهران لم يكن أبدا موقفا متشددا مثل ذاك الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران.
المهم.. وقبل بضعة أيام فوجئت منظمة مجاهدين خلق، وهي فصيل معارض إيراني، بأن “بي بي سي” تلاعبت في تحقيق صحفي مصور عن مقر المنظمة الجديد في دولة ألبانيا. وهذا التلاعب دفع المنظمة إلى إصار بيان بعنوان لافت يقول “آية الله الـ(بي بي سي) في خدمـة آية الله خامنئي”.
ويأتي ما قامت به بي بي سي بالتزامن مع الانتفاضة الشعبية ضد حكم رجال الدين والفقر والفساد في الدولة الإيرانية.
وقالت المعارضة الإيرانية عن نص الموضوع الذي نشر على الموقع البريطاني إنه “مشابه تماما لنصوص المخابرات الإيرانية ضد مجاهدين خلق”، وأن “السؤال الذي يفرض نفسه هو عن الدافع وراء هذه الحملة الشعواء على مقاومة لا ذنب لها سوى الدفاع عن حقوق شعبها المظلوم والمقموع بيد نظام ولاية الفقيه وقوات حرسها المجرمين. كما أن هذه المقاومة تقف دائما بجانب حقوق الشعوب المقهورة في الشرق الأوسط الذين يقوم نظام الملالي بقمعهم وارتكاب المجازر بحقهم”.
الأمر، في الحقيقة، لا يتعلق بشبكة “الجزيرة” أو شبكة “بي بي سي” فقط، ولكنه يتعلق كذلك بالعديد من الأبواق التي ظهرت في السنوات الأخيرة، من عواصم مختلفة، منها أنقرة، وأصبحت تستخدم الإعلام بشكل مفضوح لخدمة ألاعيب سياسية قذرة تؤدي إلى الفوضى والتخريب وإزهاق الأرواح في نزاعات دموية، من المحيط إلى الخليج، مرورا بالعديد من دول المنطقة.

التعليقات متوقفه