حسين عبد الرازق يكتب : الاستفتاء .. باطل

44

أصدر رئيس الجمهورية د. محمد مرسى قرارا جمهوريا يحمل رقم 297 لسنة 2012 مساء السبت أول ديسمبر ، دعا فيه الناخبين لإبداء رأيهم فى مشروع دستور جمهورية مصر العربية الذى صاغته الجمعية التأسيسية وصوتت عليه فجر يوم الجمعة 30 نوفمبر 2012 ، على أن يجرى الاستفتاء يوم السبت 15 ديسمبر 2012 .

وبصرف النظر على بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية حيث هيمن تيار الإسلام السياسى ( حزب الحرية والعدالة – حزب النور – أحزاب أخرى ) على أغلبية الجمعية ، ووجود عدد كبير من أعضائها أعضاء فى السلطة التشريعية ، وتعيين 20 من أعضائها فى مناصب رسمية خلال عضويتهم فى الجمعية ، وانسحاب ممثلى الكنائس المصرية وبالتالى غياب ممثلى أحد عنصرى الأمة ( المسيحيين ) ، وانسحاب المنتمين للأحزاب المدنية ( 18 عضوا ) ، ومقاطعة أحزاب يسارية وليبرالية للجمعية وبصفة خاصة حزب التجمع . وكذلك بطلان مشروع الدستور الصادر عنها بالتالى .. فالاستفتاء على هذا الدستور لا يصحح هذا البطلان ، بل هو أيضاً باطل . وكما يقول المستشار سامح عبد الله رئيس محكمة الاستئناف ” لو كان الاستفتاء سيصحح البطلان الذى يعترى القانون الذى ينظم أعمال الجمعية التى تضع الدستور ومن ثم الدستور ككل ، لكانت انتخابات مجلس الشعب ( الأخير بعد الثورة والذى تم حله ) قد صححت العيب الذى اعترى قانون مجلس الشعب ومن ثم المجلس ذاته ” .

وقضية الاستفتاءات الباطلة فى مصر قضية معروفة .

لقد دخل الاستفتاء الشعبى تاريخنا الدستورى لأول مرة فى دستور 1956 ثم فى دستور 1964 ودستور 1971 حيث نصت هذه الدساتير على ترشيح البرلمان ورئيس الجمهورية والاستفتاء عليه ، كما نصت على حق رئيس الجمهورية فى استفتاء الشعب فى المسائل الهامة .

وبصرف النظر عن تزوير إرادة الناخبين فى كل الاستفتاءات قبل الثورة ، فقد افتقدت أغلبها لركنين أساسيين لديمقراطية الاستفتاء الشعبى وهما :

الأول : أن الاستفتاء لكى يكون أسلوبا لمعرفة رأى الشعب ديمقراطيا ، يجب أن يجرى حول موضوع واحد بسيط يمكن الاجابة عليه بنعم أو لا ، وليس جمعا لموضوعات مختلفة متناقضة يستحيل الاجابة عنها كلها بنعم أو لا . ومن الأمثلة التقليدية فى هذا المجال أن الحكومة الفرنسية طرحت على الاستفتاء الشعبى يوم 21 أكتوبر 1945 سؤالاً يتصل بوضع دستور النظام الجديد بعد تحرير فرنسا .. ” هل تقبل أن تقوم الجمعية المنتخبة بوضع الدستور ؟” وهو سؤال مركب أو سؤالين على الأصح . جزء منه يتعلق بما إذا كان الجمعية التى تضع الدستور منتخبة أو لا . والجزء الثانى يتعلق بما إذا كانت تضع الدستور أم لا . فأثار هذا السؤال عاصفة شديدة من النقد ، وقال الفقهاء والساسة كيف يستفتى الشعب فى أمر يختلف فيه أساتذة القانون ، وأنه لا يجوز أن يطرح فى الاستفتاء سؤالان متداخلان .

الركن الثانى : أن يتم حوار واسع تطرح من خلاله كل الآراء والمواقف عبر أجهزة الإعلام جميعا من إذاعة وتليفزيون وصحافة ، ومن خلال المؤتمرات السياسية ، وذلك حتى يستنير الشعب ويعرف حقيقة ما يطلب رأيه بشأنه .

والاستفتاء المقرر على مشروع الدستور يفتقر للركنين معا . فالمطلوب التصويت بنعم أو لا على دستور من 237 مادة . ويستحيل إجراء نقاش حقيقى حول فى أسبوعين !

فإذا أضفنا إلى ذلك احتمال مقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء ، فيكون الاستفتاء باطلاً بطلاناً مطلقاً.

فالمادة 39 فى الإعلان الدستورى تنص فى فقرتها الثانية ” وتتولى لجنة عليا ذات تشكيل قضائى كامل الإشراف على الانتخابات والاستفتاءات ، بدءاً من القيد بجداول الانتخابات وحتى إعلان النتيجة وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون . ويجرى الاقتراع والفرز تحت إشراف أعضاء من هيئات قضائية ترشحهم مجالسها العليا ، ويصدر باختيارهم قرار من اللجنة العليا “.

التعليقات متوقفه