د. رفعت السعيد يكتب : الــگــــذابـــــون

46

خلال قيامي بإلقاء محاضرات في جامعة أوروبية فوجئت بثورة لطلاب السنة النهائية، سؤال في امتحان تحريري في مادة علم النفس أجاب عليه الجميع وبدون استثناء إجابات خاطئة أبرزها «لا أعرف» وتحدانا الطلاب نحن جميع المحاضرين أن نعرف الإجابة ولم نعرف، حتي جاء أستاذ المادة بالإجابة وهو يبتسم، السؤال هو «ما الفارق بين الكذب والرواية غير القابلة للتصديق».. أما الإجابة فهي «الذي يروي الرواية غير القابلة للتصديق يفضح نفسه قد يتلعثم أو يتناقض بعض ما يقوله مع بعضه الآخر، أو يكتسي وجهه بتكشيرة حازمة، لكن الكذاب المدمن للكذب يبدو وهو يردد الكذبة طبيعيا تماما.

أعتقد أن الممارسات الإخوانية الدائمة قد منحتهم وبكل ثقة لقب «الإخوان الكاذبون»، فقط تابعوا تاريخهم ووعودهم في الماضي القديم والماضي الحديث والحاضر غير السعيد، قوموا بإحصاء لتكتشفوا أن أحدا من قادتهم لم يورط ولو علي الخطأ في قول صادق، ولم يضبط دون كذب، إنه في علم النفس «إدمان» الكذب، وهذه حالة سياسية بالنسبة لنا أما بالنسبة للطب النفسي فإنها حالة يستعصي علاجها.

ويأتي ذلك كله بمناسبة الاستفتاء، ولأن الاستفتاء محطة أساسية في تاريخ علاقة المصريين بالجماعة وبمستقبلها، ولأنه بالنسبة للجماعة النقطة الفاصلة بين نعم ولا، نعم للدولة الإخوانية ولا للإخوان وتحكمهم فقد شحذت الكوادر الإخوانية كل كفاءتها في الكذب المتقن عبر تدريب ممنهج ومستند إلي فتوي إخوانية تقول «للمسلم إيهام القول للعدو «أي الكذب عليه» حتي يتمكن منه، وتابعت غير مندهش كثيرين منهم يتحدثون في براءة مصطنعة واستسلام برئ وصوت هادئ بينما كل حرف وكلمة لا تأتي إلا مغموسة بكذب مكشوف للأسف، لأنه يفقأ عين الحقيقة التي تتجلي أمام الناس».

> فأحد الإخوانيين كان يتحدث في برنامج حواري علي قناة الحياة كان يتحدث بهدوء قائلا «الشيء الأهم هو سيادة القانون، ودولة بلا سيادة للقانون لا يمكن أن تستقر، وكل ما نهدف إليه هو سيادة القانون» وينسي سيادة المفكر أن الإخوان حكمهم داس القانون بقدميه وأن عداءهم للقضاء وتكبيله بمرسوم خال من أية مشروعية ومنعه من ممارسة دوره في الفصل في مدي مشروعية قرارات رئيسهم هو مجرد عداء لكامل البناء القانوني والقضائي ابتداء من المحكمة الدستورية إلي كل مراتب التقاضي حتي المثول ابتداء أمام وكيل للنائب العام، هم لا يقبلون كل هذا البناء ولهم بناؤهم الخاص يحاولون به فرض تحكمهم علي مصر ومستقبلها.

> فالسيد عصام العريان يتباكي علي شاشة فضائية من ظلم المعارضة للإخوان إلي درجة أن الجماعة ستطلب ترخيص أسلحة لأعضائها لحماية أنفسهم ومقراتهم، بهذه البساطة الكاذبة يحاول عصام العريان أن يعطي مشروعية لجهازهم المسلح من الماضي وحتي الآن والذي حمل أفراده أسلحتهم الرشاشة علانية في ميدان رابعة العدوية، والذي ضبط مع واحد منهم يعمل ضمن حراس السيد خيرت الشاطر وفق رواية الصحف.

> والسيد محمود غزلان تحدث أمام فضائية أخري قائلا إن المحكمة الدستورية تتقصد الجماعة وتحاول إحباط مشروعها وينسي أن عديدا من أعضاء الدستورية كانوا في لجنة الانتخابات الرئاسية وأنهم – ويا للأسي – هم الذين أعلنوا – برغم كل شيء – فوز د. مرسي، وبهذا القول يبرر د. غزلان حصار الدستورية فهي تستحق أن تحاصر، ويتساءل في براءة لماذا يحاصرون الاتحادية ولا نحاصر الدستورية ويتناسي بفطنة زائدة عن الحد الفارق بين رئيس سياسي وبين أعلي هيئة قضائية تعلو هامتها علي كل هامة أخري، وكأنه يلقن أتباعه درسا بليغا في آداب العمل الوطني إذا لم يعجبك حكم أي قاض حاصر المحكمة وامنعه من الدخول، هل هذا معقول؟

> ولأن القضاء هو حارس الحقوق التي يتعين أن تهدر ولأنه حارس القانون الذي يجب أن يداس فإن الحملة ضده تمتد وتتمدد ولم يكن غريبا أن يجد الإعلان الدستوري العظيم القدر الذي أصدره مرسي ليصادر به حقوق مصر وقضاتها اعتراضا وإدانة من نوادي القضاة، ومجلس القضاء الأعلي ومجلس الدولة والكثيرين من أعضاء النيابة العامة، ومع هؤلاء جميعا يصطف أعلي هامات الرأي العام المصري مجمع البحوث الإسلامية، الكنائس المصرية جميعا ومائتان من الدبلوماسيين وكل الأحزاب المدنية وعلي رأسها أحزاب وقوي الجبهة الوطنية للإنقاذ، ونقابة الصحفيين والمحامين.. وكثيرين كثيرين جدا وقفوا ضد التحكم الإخواني، لكن الإخوان لا يتراجعون فالمخطط يجب أن يتحقق دستور مسلوق «والمسلوق هو طعام المرضي والشعب ليس مريضا» صادر علي لجنة غير شرعية، وصياغة مفككة وركيكة ومليئة بألغام تستهدف الحرية والديمقراطية والنساء والأطفال والمسيحيين ونفيض بفيض من التأسلم الذي لا علاقة له بصحيح الإسلام.

> ومحافظ الشرقية يظهر ولا أدري من فوضه بذلك وهو يعلن نتيجة التصويت بينما جزء من الشاشة يوضح أن المواطنين عنده لازالوا يصوتون، أرأيتم شيئا يثير السخرية أكثر من ذلك؟

> والتحريض الطائفي الكريه يتصاعد ليكون واحدا من معايير التصويت، وقري مسيحية بأسيوط تمنع من الخروج بتهديد السلاح واتهامات ساذجة بل غاية في السذاجة بأن جبهة الإنقاذ خططت لاختطاف مرسي، أرأيتم سخافة وترديا أكثر من ذلك؟

> والتصويت وبرغم كل العوار، حيث لجان بلا قضاة، وحيث إخوانيون يقومون بالفرز، وتأكيدات نادي القضاء بأن لديهم 120 إسما علي الأقل قاموا بالإشراف وهم ليسوا قضاة وحيث الأموال والداعايات بالمساجد وحيث.. وحيث يأتي بنسبة متقاربة يقولون 45% قالوا لا أو أكثر أو أقل لكنها علي أية حال نسبة لا تعبر أبدا عن حالة الرضاء العام المفترضة في تمرير الدستور، فالدستور لا يقرأه المصوتون ولو قرأوه لما اكتشفوا ما فيه وفيهم 43% أمي، وللجميع وبشكل مؤكد الحق في التصويت ومن هنا يكون التصويت بناء علي حالة من الرضاء أو عدم الرضاء، فإذا كان أقل قليلا من النصف حتي بعد كل التزوير والتغيير و.. و.. فأين الرضاء العام، ويجب أن يعلم د. مرسي أن حالة الرفض له ولدستوره ولتصرفاته قد تجاوزت كل الحدود وأنه دخل موسوعة «جينيس» في فقدان الشعبية بأسرع وقت ممكن وأن تدرك الجماعة أن تصرفاتها وكذبها وتسلطها وترفعها وتزويرها قد جعل حاضرها عبئا علي ماضيها وعلي مستقبلها.

> وقبل ذلك كله نأتي إلي حديث شريف «لا يؤم رجل أناسا هم له كارهون» ويا مرسي نصف المصريين علي الأقل بمعاييرك أنت وأغلبيتهم بمعايير الحق والعدل هم لك كارهون، فكيف تؤمهم؟

> ويسأل ساءل: أما من سبيل كي يتعقل الإخوان ويكفوا عن الكذب والتباكي والادعاء والتحكم وأجيب مقولة لأينشتين «إنك لا تستطيع أن تحل مشكلات إذا ما فكرت في حلها بذات طريقة التفكير التي صنعتها بها» لكن الإخوان متمسكون بذات طريقة التفكير التي توارثوها جيلا بعد جيل.. فلا أمل.

> ويسأل سائل: فماذا نفعل؟ وأجيب نحمي وحدتنا في جبهة الإنقاذ ونصمم علي رفضنا، ومهما فعلوا وحكموا وتحكموا وكذبوا وتشيطنوا نواصل رفضنا، ومهما أعلنوا من نتائج زائفة نواصل رفضنا.. ولا نتعجل ولا نتردد فقط نواصل ونواصل المعارضة ونعرف أننا سننتصر وأن أرسطو قال «مهما كان نمو النبات فإن الثمار لا تأتي إلا في أوانها».. وأوانها آت، آت قريبا جدا.

التعليقات متوقفه