عودة النائب العام عن الاستقالة ..يوم أسود في تاريخ القضاء المصري

101

تحقيق: أمل خليفة

تصريحات النائب العام طلعت إبراهيم عبد الله التي قال فيها إن السبب الرئيسي للتراجع عن الاستقالة يتمثل في إنه تقدم بها ” تحت ضغوط وفي ظروف غير عادية ” مشيرا إلي أنه لا يقبل أن يكتب في تاريخ مصر إن مجموعة من اعضاء النيابة العامة نجحت في ابعاد النائب العام عن منصبه بالأسلوب الذي حدث معه في دار القضاء العالي ” هذا التصريح يتعارض تماما مع التصريحات التي أدلي بها النائب العام عقب الاستقالة بإنها طواعية . كما تناسي ان عدوله عن الاستقالة سيجدد المعارك مع القضاة واستمرار الازمة مع وكلاء النيابة!

دكتورة هويدا عدلي استاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة تؤكد إن رجوع النائب العام في استقالته كانت متوقعة حيث إنه ارتضي تعيينه بشكل غير قانوني لا يحترم استقلال القضاء.فهذه الاستقالة قد تكون نتيجة وقوعه تحت ضغوط أو بدافع الخوف لا أكثر ولا أقل وربما يكون قد تلقي تعليمات بذلك فعندما تعصف الرئاسة بالقضاء والقانون فلا نتصور ان يوجد احترام لأي مؤسسة.

ضغوط وإكراه

وتفند د. هويدا ادعاء النائب العام ان استقالته قد حدثت اشفاقا منه علي المنصب من المهاترات فتقول المنصب غير مرتبط بشخصه فهو ليس آخر قاضي في الدنيا . وهذا سلوك لا يليق بمصر ولا برئيس الجمهورية ولا بالنائب العام فمصر لديها تاريخ وتراث في الادارة حتي وان كنا نشكو من وجود البيروقراطية في النظام السابق فهل هذا سلوك يليق بدولة حديثة .كما ان هذا التصرف سيصل بالأزمة الي ذروتها في الفترة المقبلة.

أما دكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة فيقول ” ما بني علي باطل فهو باطل ” فقرار اقالة النائب العام ” عبد المجيد محمود ” كان قرارا باطلا لأن الاعلان المسمي بالدستوري الذي اقيل بناء عليه هو والعدم سواء وبالتالي تعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما وكونه استشعر هذا وصرح بأنه كان ينوي الاستقالة والتي هي في واقع الامر ليست سوي رفض التعيين الباطل واستقال بالفعل وصرح امام الجميع بأن قراره لا رجعة فيه وانه لن يعود فيه مرة أخري وانه لم يقع تحت أي ضغوط او اكراه . ثم يعود في استقالته بدعوي وقوع اكراه عليه . وكيف سيعمل سيادة المستشار طلعت عبد الله مع وكلائه ” وكلاء النائب العام ” وهم لا يرغبون في العمل معه ليس لشخصه وانما لان طريقة تعيينه فيها امتهان للقضاء والمشروعية وكيف سيسير العمل من الناحية الفعلية ؟

وعن ترديد المستشار طلعت عبد الله ضرورة الرجوع لرئيس الجمهورية يؤكد كبيش إن قرار رئيس الجمهورية فيه اعتداء واضح علي السلطة القضائية ثم ما الغرض من تعيين مستشار موحد يختاره الرئيس لهذا المنصب ويصر عليه ويصمم عليه الاخوان المسلمين رغم ان هذا شان قضائي ولا يصح التدخل فيه وهذه الازمة لن تنتهي إلا باحترام القضاء و الشرعية.

المنصب الرفيع

ورأي دكتور أحمد البرعي القيادي بجبهة الانقاذ الوطني وحزب الدستور ان اي شخص يستطيع ان يقدم استقالته ويتراجع عنها إذا لم يتخذ قرارا حيالها . لكن في الواقع ان منصب النائب العام منصب رفيع لدرجة ان صاحبه لابد ان يكون له كلمة واحدة وتصريحات طلعت عبد الله بعد تقديم الاستقالة تنم عن انها جاءت حرصا علي الا يحدث للمنصب مشاكل وقال انه سيعود للقضاء وفي الواقع لا يوجد ما يسمي بالإستقالة ولكنه طلب العودة إلي المنصب وبالتالي كان يجب ان يحترم الكلمة التي قالها باعتباره النائب العام . و المشكلة الاساسية إنه تم تعيينه بطريقة غير قانونية فالتعيين من اختصاص المجلس الأعلي للقضاء ورئيس الدولة يصدق علي اختيار المجلس الاعلي للقضاء وهذا لا يمكن حدوثه طوال ما النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود لم يطلب عودته للقضاء فلا يجوز للمجلس ان يرشح ولا لرئيس الجمهورية إن يصدر قرار بتعيين فعبد المجيد محمود طلب عودته للقضاء بعد صدور الاعلان الدستوري وادرك انه سيعين شخصا آخر . ولكن مع ذلك هذا التصرف لا يليق بالنائب العام وبالتأكيد هناك ترابط بين طريقة تعيينه والرجوع في الاستقالة.

أين الاعتداد بالنفس

ويؤكد المحامي عصام الاسلامبولي ان الاستقالة من البداية كانت لعبة ونوع من التحايل وطبيعي ان يقول انه تعرض لضغط واكراه وكنا نتوقع ان يقول أن رئيس الجمهورية رفض قبول استقالتي ولكن هذا تصرف لا يليق برجل عادي لديه اي مقومات الاعتداد بالنفس وليس “نائب عام” حيث إنه صرح بإنه استقال بناء علي رغبته ومن منطلق احترامه لذاته وبكامل ارادته وكيف يكون هذا تصرف لرجل مسئول عن الدعوة العمومية ومحامي الشعب والامين علي القانون كما ان هذا التصرف يفضح المعايير التي يختارون بها المسئولين . كما انه تحايل علي القانون بتقديم الاستقالة للمجلس الاعلي للقضاء وليس لرئيس الجمهورية الذي عينه بموجب قرار باطل بطلانا مطلقا لانه خارج عن اختصاصاته الواردة في الاعلان الدستوري الصادر في 30 مارس وايضا بالمخالفة لقانون السلطة القضائية فتعيينه كان باطلا وهو ارتضي علي نفسه ان يقبل هذا . ولقد قرر رجال النيابة العامة الشرفاء بعد اجتماعهم عدم التعامل معه باعتباره غير موجود .كما إن الحكم القضائي الصادر بعدم قبول الدعوة المرفوعة من النيابة هو حكم صحيح لانه صادر من النائب العام الذي ليس له وجود قانوني وفق احكام القانون والدستور.

ولقد رد وزير العدل طلب الاستقالة الي المجلس الاعلي للقضاء فعلي المجلس الاعلي للقضاء ان يكون علي مستوي ابنائه من رجال النيابة العامة وان يتخذ الموقف الواجب اتخاذه وتلك المسألة مرتبطة بمواءمات واعتبارات شخصية وعلي مجلس القضاء الاعلي ان يكون علي ذات المستوي الذي عليه رجال القضاء ورجال النيابة العامة وان يأخذ موقفا رادعا في هذا الامر.

والطريقة الصحيحة لتعيين النائب العام وفق قانون السلطة القضائية القائم حاليا ان رئيس الجمهورية يعين النائب العام .وانما وفق احكام الدستور الذي تم عليه الاستفتاء في نص المادة 173 من الدستور ان رئيس الجمهورية يعين النائب العام بناء علي اختيار مجلس القضاء من بين نواب رؤساء محكمة النقض ورؤساء الاستئناف والنواب العامين والمساعدين وبالتالي إذا كانوا سيعتبرون هذا النص الدستوري قائما فمجلس القضاء يختار لرئيس الجمهورية نواب وهو يختار منهم . ومن حق مجلس القضاء ان يختار واحدا فقط ويرشحه للتعيين.

التعليقات متوقفه