أشرف بيدس:شويكار “صدفة” باشا

326

*أشرف بيدس:

باختصار؛ شويكار المادة الخام للتلقائية الطبيعية التي لا تخضع للنص ومتطلباته, فهي فطرية لا تستطيع جمحها أو التقليل من جرعاتها, رغم الدويتوهات الفنية العظيمة, ظلت صاحبة الرقم الصعب الذي لم يتجاوزه أحد, سواء في السينما أو التليفزيون أو الإذاعة, وفي المسرح أغلب الظن أنها استثنائية لم يقترب أحد منها؛ طلتها ورونقها ورشاقتها, ورغم مرور الزمن وظهور العديدات تتذكرها الذاكرة الخصبة والمتكاسلة بكل تقدير وامتنان, ويشار إلي اسمها كونها رائدة في المسرح الكوميدي دون منازع, وتحتل رغما عن السنين المرتبة الأولي, وعندما يؤرخ لمسرح الستينيات تطل صورتها لتحتل المشهد برمته..  إنها شويكار إبراهيم طوب صقال، من مواليد الإسكندرية ( 24 نوفمبر1932 – 14 أغسطس 2020).

ابتكرت شويكار طريقة جديدة في نطق الجمل الحوارية, واكسبتها الدلع والأنوثة,  حذفت حروف من الكلمات, وأضافت حروفا أخري, وجاء الأداء بطعم الشهد المكرر, لم تستسلم للنمطية, وأزاحت عن كاهلها آفة التكرار, فراحت تبدع وتضيف وتلون الكلمات والأداء بمكسبات رشيقة تناسبها, تنقلها من حالة تمثيلية لأخري دون أن تفقد رونقها وسحرها اللذين حفرا اسمها علي جدارية الفن,  في الإذاعة يأتي صوت  شويكار المعبر ليضيف علي الخيال أبعادا أخري من التألق,  وكأنها تري مستمعيها في حفلة عامة يصولون ويجولون ويمدونها بالطاقة الايجابية التي تجعلها تواصل وتغدق عليهم بالمتعة.

اسمها معناه بالتركي “شق القمر المسكر”, وللاسم نصيب كبير من الجوهر, فهي قطعة السكر التي أذيبت حلاوتها في الفن, الأب من أصول تركية (اسطنبول) استوطنت العائلة في (أبو الأخضر) محافظة الشرقية, والأم من أصول شركسية, والطباع مصرية شعبية مائة في المائة, اختيرت ملكة جمال مصر الجديدة, تزوجت في سن مبكرة (16 عاما) انجبت (منة) وتوفي زوجها بعد عامين من الزواج, حصلت علي الثانوية العامة أثناء مرض زوجها, لتجد نفسها أرملة وهي لم تبلغ الثامنة عشرة وأما لطفلة رضيعة, فكان قرار العمل حتميا لمجابهة الحياة,  رشحها كل من الممثل محمود السباع والمخرج حسن رضا للعمل في التمثيل, فأسند لها الثاني دورا في فيلم “من غير أمل”,  وقدمها جمال الليثي في فيلم “حبي الوحيد”,  ومع أول طلة سينمائية استطاعت أن تثبت أقدامها لتتوالي الأفلام وتبلغ في العام التالي 6 أفلام, شهدت بداياتها انطلاقة سريعة كونها احتفظت بسمات خاصة لم تكن متوافرة في ذلك الوقت, بما ملكته من أدوات وسمات لها مذاق خاص ووجد المخرجين ضالتهم, ثم التقطها سيد بدير لتعمل في المسرح “السكرتير الفني”, وكان دورا يحتاج لقدرات  تمثيلية وخبرة لمجابهة الجمهور, لكنها نجحت في الامتحان, وطافت بالعمل محافظات مصر, تلقت الدروس الأولي من فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي, ثم توالت الأعمال “أنا وهي وهو” مع سمير خفاجة, وفي هذه المسرحية طلب منها فؤاد المهندس الزواج علي خشبة المسرح, بعد أن راحت عاطفة الحب تسري في قلبيهما, تصادف في هذه الفترة اشتراكها في فيلم “هارب من الزواج”,  حيث كانت ترتدي في أحداثه ثوب الزفاف, وانتهزا الفرصة ليعقدا قرانهما في 28 نوفمبر 1963.

في المسرح تكونت شخصيتها الفنية واصقلت موهبتها وقدراتها, وهو من قام بتربيتها فنيا, وعرفت معني الالتزام والاحترام,  وفي السينما كانت تعي جيدا اختلافها واستطاعت أن تقولب نفسها سينمائيا وتتبوأ مكانتها في أعمال مميزة.

خلال رحلة نصف قرن تضمنت قائمة أعمالها السينمائية أكثر من 180 عملا فنيا, لم تسمع الأجيال الجديدة عن أعمالها في الإذاعة والتي ظلت تقدمها لمدة 14 عاما متواصلة (شنبو في المصيدة, أنت اللي قتلت بابايا, العتبة جزاز, دنيا بنت دنيا,  أنا وأبويا علي نص أخويا, سهي هانم) معظمها تحول إلي اعمال سينمائية, وفي المسرح (أنا وهي وسموه, السكرتير الفني, سيدتي الجميلة, هالو دولي, أنا وهو وهي, حواء الساعة 12, إنها حقا عائلة محترمة, روحية إتخطفت), وفي الدراما التليفزيونية (ترويض الشرسة, هوانم جاردن سيتي, سر علني, امرأة من زمن الحب, الدنيا لما تلف, عيال الجامعة, بين القصرين, يوم عسل يوم بصل, رياح الخوف).

شجعها سيد مكاوي علي الغناء, وقدم لها ألحانا في تترات المسلسلات, وكانت لها شخصية مؤثرة وتحمل سمات خاصة متفردة ومتميزة  من خلال صوت رنان متناغم متسق مع نفسه تفوح منه رائحةالشقاوة وخفة الظل وقوة الشخصية, والانسيابية في نطق الكلمات بدلع طبيعي, حاولت الكثيرات تقليدها, لكن الأصل كان غالبا وقاهرا لأي محاولة استنساخ.

شويكار هي أول فنانة مسرحية تسند لها بطولة مسرحية كوميدية, وبعدها  ظهرت العديد من النجمات اللائي احتلن المشهد الكوميدي, وكانت لشويكار السبق الأول عندما كتب لها سمير خفاجة مسرحية “سيدتي الجميلة” والتي غيرت كثيرا من مفاهيم البطولة النسائية في المسرح, وهي مأخوذة، عن قصة بجماليون للكاتب جورج برنارد شو.

لم تستفد السينما من قدراتها التمثيلية رغم اجادتها في دور “عزيزة نوفل” في (السقا مات), و”فلة” في (الكرنك), “حسنية” في (درب الهوي), “فايزة” في (دائرة الانتقام), “نجوي” في (كشف المستور), “دوسة” في (أمريكا شيكا بيكا).

شويكار حالة تمثيلية متفردة بما قدمته من أعمال ستظل محفورة في أذهان جماهيرها التي أحبتها وعشقتها بطلتها الجميلة وجرأتها الوديعة التي فرضت سطوتها علي الحضور  وابتلعت برقتها كل من وقف أمامها, ستظل طريقة ادائها متفردة ومتميزة, وسيظل صوتها المنغم الملئ بالأنوثة والدلع لا يبرح اذان محبيها.

التعليقات متوقفه