بيلاروسيا فشل ثورة ملونة.. وهجوم مضاد للرئيس لوكاشينكو

152

تعتمد بيلاروسيا فى 70% من اقتصادها على مصانع القطاع العام، قطاع الدولة، ولا يتفوق عليها فى تلك النسبة سوى تركمنستان بوسط آسيا، والتى يعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى على الغاز والقطن، من هنا وبسبب عدم تنوع الاقتصاد الوطنى، بدأ الرئيس البيلاروسى يحصد ما زرع بنفسه، فهو المتحكم فى كل شيء، وهدد العمال فى المصانع بأنه إذا قاموا بإضراب فسيقوم بإغلاق المصنع المضرب، وبحسب قوله “نتفاهم بعدين”.

وقام الرئيس البيلاروسى بزيارات للوحدات العسكرية ويحاول بقدر الإمكان لقاء التجمعات العمالية فى المصانع لإقناعهم بعدم الإضراب، وفى الوقت نفسه تخويفهم من القادم المجهول فى حال انتصار المعارضة، عندما قال للعمال “أنا لا أخاف على نفسى ولست مولعاً بالسلطة، لكن أنتم ماذا سيكون مصيركم عندما يفتتون المصانع ويبيعونها وتظلون بدون عمل، من أين ستطعمون أولادكم فكروا “على أى حال هناك من اقتنع بوجهة نظر الرئيس وهناك من يصر على رحيل الرئيس.

ولما كانت لا روسيا ولا الاتحاد الأوروبى ولا حتى الولايات المتحدة لديهم الرغبة فى فتح بؤرة صراع جديد، فقد فضل الأوروبيون رفض نتائج الانتخابات وأوعزوا للمعارضة بتشكيل ما يعرف بالمجلس الاستشاري للمعارضة الذى يضم تيخانوفسكايا المرشحة الرئاسية وقادة حملتها، وهم فيرونيكا تسيباكلو وماريا كوليسنيكوفا وكوفلكوفا السكرتيرة الصحفية للمرشحة الرئاسية، وعدد من قادة إضرابات المصانع ووزير الثقافة السابق وغيرهم، والأهم أن المجلس الاستشارى للمعارضة يضم سفيتلانا الكسييفيتش الحاصلة على جائزة نوبل فى الآداب وهى تعيش خارج البلاد.

وكما يقول أعضاء المجلس التنسيقى للمعارضة أنهم يحاولون الحصول على السلطة عن طريق الحوار والتفاوض، بينما الرئيس البيلاروسى يرفض التفاوض رفضاً قاطعاً، بل قام بخطوة استباقية واتهم المجلس التنسيقى للمعارضة بأنه يحاول الاستيلاء على السلطة وبدأت النيابة العامة بالتحقيق مع بعض أعضاء المجلس، حتى الآن أطلقت النيابة سراحهم لكن اتهامهم والتحقيق معهم يفقدهم أى نوع من الشرعية.

جاء هذا فى الوقت الذى عقدت فيه سفيتلانا تيخانوفسكايا المرشحة الرئاسية أول مؤتمر صحفى لها أمام صحفيين أجانب طالبت فيه الرئيس لوكاشينكو بتسليم السلطة وعدم تعريض البلاد للعنف، وطالبت الشعب والمعارضة بعدم استخدام العنف أثناء الفعاليات المعارضة، مؤكدة على أنها سوف تعود للبلاد عندما تشعر بأنها فى أمان.

على صعيد أخر وفى إطار الهجوم المضاد الذى يشنه الرئيس لوكاشينكو على المعارضة، يقوم أولا بشحذ همة روسيا باعتبار أن ما يحدث فى بيلاروسيا المقصود به روسيا، فأعلن أنه وضع القوات المسلحة البيلاروسية فى أعلى درجات الاستعداد، وقال أثناء زيارة له لمدينة جرودنو فى غرب البلاد، أن هناك تجمعًا لقوات حلف الناتون وأن الحلف يريد اكتساح بيلاروسيا، والهدف النهائى هو روسيا، واعتبر الرئيس لوكاشينكو حالة التعبئة التى قام بها للقوات المسلحة أهم قرار فى حياته، واتهم أجانب بأنهم كانوا وراء الأحداث الأخيرة فى البلاد. فى نفس الوقت قامت السلطات المحلية بحجب أكثر من 70 موقعًا اليكترونيا اعتبرتهم وراء الأحداث الأخيرة.

السلطات البيلاروسية تحاول لعق جراح يومى ما بعد الانتخابات، وتحاول إعادة الحياة إلى طبيعتها رغم السلاسل البشرية من المعارضة وبعض المتظاهرين المؤيدين للرئيس الذين بدأوا فى الظهور فى الشوارع دون صدام مع المعارضة.

وفى إطار حالة الاستقطاب التى يحذر منها المراقبون، ذكرت أنباء أن رئيس اتحاد العاب القوى البيلاروسى قد أبدى اعتراضه على نتائج انتخابات الرئاسة فى بيلاروسيا ونجاح الرئيس الحالى.

موقع بلومبيرج أشار إلى أن من مصلحة روسيا هى التوصل إلى حل مع المعارضة البيلاروسية، حيث تريد روسيا أن يظل الرئيس لوكاشينكو معلقاً لديها وهى التى تحميه، بعد أن تمرد فى نصف العام الأخير واستورد نفطا من أذربيجان والولايات المتحدة، وبدأ ينظر إلى الغرب، والهدف أن يدرك الرئيس البيلاروسى من يحميه فى نهاية الأمر، هى روسيا وأن الغرب سيتخلى عنه فى أى لحظة.

فى كل الأحوال لا تستطيع بيلاروسيا الابتعاد كثيراً عن روسيا فهى تستورد تقريباً من الأخيرة كل الخامات اللازمة لتشغيل مصانعها، بالإضافة إلى أن أكثر من 50% من تجارة بيلاروسيا الخارجية هى مع روسيا، كما ان هذه الأخير تعتبر جسرا لبيلاروسيا لتصريف بضائعها للخارج. نعم حافظت بيلاروسيا على المنظومة السوفيتية فى إدارة مصانعها التى مازالت فى قبضة الحكومة المركزية، غير أن الفساد جعل العائد على العاملين وعلى مستوى معيشة المواطن ضئيلا وبالكاد يسد الرمق، هذا فى الوقت الذى يشاهد فيه المواطن كيف يعيش أقرانه فى الدول الأخرى سواء الأوروبية التى تقع بيلاروسيا فى قلبها، أو حتى فى الاتحاد السوفيتى السابق ويقارن نفسه بأوضاعهم.

هذه ليست المرة الأولى التى تحدث فيها خلافات فى الانتخابات البيلاروسية، فقد حدثت عام 1994، أول نتخابات فاز بها لوكاشينكو، وكان الخلاف مع كيبيتش رئيس الوزراء وفاز الرئيس الحالى وحدث نفس الشيء عام 2010.

وشعب بيلاروسيا هادئ ولا أتصور أن له مطالب أكثر من التى أعلنها، ومن الواضح أنه بدأ يسلم بالأمر الواقع، وتسود حالة من الهدوء شوارع البلاد، وخفت حدة الاحتجاجات، وأتصور أن الشعب ترك الأمور للمجلس الاستشارى ولجان الإضراب فى المصانع، وروسيا التى تتفاوض باسم الرئيس لوكاشينكو، الذى قال بنفسه لماذا يريدون الحديث معى القادة الأوروبيين فهم يستطيعون الحديث مع روسيا، وهذه إشارة إلى أن لوكاشينكو قد وافق على الوحدة مع روسيا، لكن الحكم النهائى سيكون بعد انتهاء الأزمة الحالية التى تعيشها بيلاروسيا.

على الأرجح أن الوحدة الروسية ـ البيلاروسية سوف تتحقق بعد هذه الأزمة، والأمر كله يعتمد على مدى تعامل دول الاتحاد الأوروبى مع الرئيس لوكاشينكو، هذا من ناحية، كما أن الرئيس البيلاروسى ليس لديه ما يخسره، ولا أعتقد بعد الأحداث الأخيرة أنه يرغب فى الترشح مرة أخرى، فإن تشدد الأوروبيون معه فهو بلا شك ذاهب للوحدة مع روسيا وهى ما لا يريد الأوروبيون، ويحذر الكثير من خبراء السياسة الروس والمختصون بشئون الاتحاد السوفيتى السابق من أن انفراط عقد التحالف الروسى مع لوكاشينكو أو من يأتى بعده، سيجعل روسيا نفسها وقد كشفت مساحة هامة وجبهة واسعة لها مع حلف الناتو الذى بدأ يكثف من تواجده فى بولندا.

 

التعليقات متوقفه