مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر العام السابع لحزب التجمع «2»

41

تحالف « العسكري» والإخوان في مواجهة الثورة.. سلم البلاد لجماعة الإخوانسيناء تحولت إلي وكر للإرهابيين ضمن مخطط يهدد الأمن القومي

واستخدم التحالف الجديد (بإيد واحدة) خط اللجوء للاستفتاءات والانتخابات البرلمانية والرئاسية لصرف الموجة الثورية عن الميادين ، وإنتاج شرعية جديدة هي في جوهرها غير شرعية ، هي ما تم تسميته كذباً بشرعية البرلمان ثم شرعية الرئيس المنتخب (بلا دستور مكتوب وبلا صلاحيات محددة تؤدي في النهاية إلي صلاحيات مطلقة) ، واستخدم تيار الإسلام السياسي (متحالفاً أحياناً ومنفرداً في كثير من الأحيان) خط تأجيج مظاهر الطائفية والعنف الطائفي .

فعادت الطائفية تطل برأسها في صورة حوادث حرق كنائس وخطف وصراعات طائفية راح ضحيتها العشرات ، وفي صورة خطابات وأحاديث طائفية امتلأ بها الفضاء السياسي والإعلامي ، ولم تكن هذه الروح الطائفية بعيدة – عن البعض – في التحضير وأثناء إجراء استفتاء 19 مارس 2011 علي عدد من التعديلات الدستورية من دستور 1971 الذي تم إيقافه ثم إلغاؤه بعد ذلك ، فقد تحول التصويت بنعم عند البعض في دعايته إلي فريضة شرعية ، وتحول دعاة التصويت «بلا» عند البعض من دعاة المؤيدين لنعم إلي نصاري وعلمانيين وملاحدة وأعداء للإسلام يرغبون في إلغاء المادة الثانية من الدستور غير المطروحة أصلاً في التعديلات.

ونجح الاستفتاء في إظهار حقيقة توجهات القوي التي كانت تقف معاً في الميدان وحقيقة انقساماتها وصراعاتها، وأخرج التأسلم من باطنه قيم التشدد والكراهية والطائفية ، تلك التي ظهرت في أحاديث السلفيين وبياناتهم وبعض الاتجاهات السياسية الإسلامية حول رفض ولاية القبطي ، ورفض ولاية المرأة ، ووصلت هذه الأحاديث القديمة إلي ذروتها في دعاوي عدم مشاركة الأقباط في أعيادهم ، أو تناول طعامهم ، وظهرت فتاوي تحريم تناول البصل أو الفسيخ في شم النسيم ، بل تحريم الاحتفال بهذا العيد المصري القديم أصلاً ، وتحريم الخروج للتنزه في الحدائق أو في الرحلات النيلية في هذا اليوم المكروه أو المحرم سلفياً ، باعتبار أن أعياد النصاري وأعياد المصريين القدماء عندهم أعياد شركية ، والاحتفال بها مشاركة لأهل الشرك في أعيادهم .

وذهبت هذه الروح السلفية إلي حد الصدام مع الطرق الصوفية ، باعتبارهم يحتفلون بالموالد ويتقربون من آل البيت ويصلون في المساجد التي تحتوي علي مقابر وأضرحة ، وظهرت دعاوي هدم الأضرحة ، ودبجت المقالات والبيانات في الصحف السلفية الصادرة عن الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية ، ضد أعياد النصاري وضد احتفالات الطرق الصوفية ومع ضرورة هدم الأضرحة .

وسار في نفس هذا السياق خط المليونيات المتأسلمة وعلي رأسها مليونيات تطبيق الشريعة والدولة الإسلامية ، التي ارتفعت فيها رايات القاعدة وصور بن لادن ورددت فيها شعارات معادية للأقباط بما أكسبها بحق اسم مليونيات قندهار ، في مواجهة مليونيات الدستور أولاً والثورة أولاً والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية ، وساد هذا المنطق في الدعاية الانتخابية لجولات الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية بعد ذلك.

وأكدت الأوضاع الجديدة أن خط التحالف بين المجلس العسكري والإخوان في مواجهة قوي الثورة قد نجح في قطف ثمار الغضب الشعبي الذي خرج إلي الميادين منذ 25 يناير 2011 ، وسلم هذه الثمار لسلطة جديدة تنتمي لفصيل جماعة الإخوان المسلمين ، حيث يجلس علي قمة هذه السلطة رئيس يسيطر علي السلطة التنفيذية ويستخدمها في إعادة إنتاج النظام القديم عبر القضاء علي الموجة الثورية الأولي وإعادة إنتاج الحكم الفردي الاستبدادي في صورة أخونة الدولة والسيطرة علي مؤسساتها وتغيير هويتها وتصفية الثورة .الثورة المضادة :

وقد اتخذت قوي الثورة المضادة مجموعة من الأساليب لتصفية الثورة تمثلت فيما يلي :

1- الإسراع بالاستفتاء علي التعديلات الدستورية الصادرة عن اللجنة الإخوانية(19 مارس) ثم إصدار إعلان دستوري سريع(30مارس) يمكن المجلس العسكري من صلاحيات السلطة التأسيسية والتنفيذية والتشريعية .

2- الإسراع في إصدار سلسلة من القرارات بقوانين تجرم الإضرابات والاعتصامات مع إنهاء حالة الطوارئ واستثناء البلطجة من حالة الطوارئ وهو ما حوكم به العديد من الثوار .

3- ارتكاب مذابح للثوار في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومذبحة استاد بورسعيد مع تشويه الثوار ووصفهم بالبلطجية ، وإدانة مليونيات التحرير ، حتي أن قيادات الإخوان – بعد أن جلسوا علي مقاعد البرلمان – أعلنوا أن الشرعية قد أصبحت للبرلمان ولا شرعية للميدان .

4- ترك معظم رموز السلطة وفي مقدمتهم مبارك أحراراً يهربون الأموال المنهوبة ويحرقون مستندات إدانتهم حتي اندلاع موجة ثورية في 8 يوليو 2011 أجبرت تحالف الثورة المضادة علي إلقاء القبض علي مبارك وباقي رجال سلطته وتقديمهم للمحاكمة .

5- رفض حلف المجلس العسكري والإخوان شعار وضع دستور للبلاد أولاً ، حتي يتيح لجماعة الإخوان التحكم في وضع وصياغة هذا الدستور، وإصدار قانون للأحزاب يتيح تشكيل أحزاب دينية متطرفة تمزق النسيج الوطني الواحد وتسعي لإعادة البلاد إلي مجتمع البداوة .

6- الإسراع بإعادة بناء المؤسسات علي أساس إخواني بإجراء انتخابات الشعب والشوري قبل كتابة الدستور ، وترتيب انتخابات سريعة لرئاسة الجمهورية، ثم الانتقال لانتخاب رئيس للجمهورية بهدف تأكيد شرعية الثورة المضادة في مواجهة شرعية ثورية لم يخل أصحابها ميادين مصر ولم يتخلوا عن أهدافهم في إسقاط النظام.

وتمخضت هذه المرحلة من الصراع عن تمكين قوي الثورة المضادة من إعادة بناء مؤسساتها والسعي لإرهاب المؤسسات والسلطات غير القابلة للتدجين والأخونة كالقضاء والصحافة والإعلام ، وقدمت قوي الثورة المضادة – التي يمثلها رئيس الجمهورية الذي ينتمي لجماعة الإخوان – نفسها كممثل للرأسمالية التجارية والمالية التابعة ، وتبين أن جماعة الإخوان متحصنة بصداقتها مع الأمريكان بعد أن قامت بطمأنتها للعدو الصهيوني وباحترامها الدقيق للمعاهدة المصرية الإسرائيلية ، مع استمرار كل أشكال التطبيع كما كانت في عهد مبارك سواء كان سياسياُ أو اقتصادياً .

إن قوي الثورة المضادة والمعبرة عن النظام الذي ثار الشعب في مواجهته في صورتها الجديدة قد أحرزت نجاحاً ملموساً في مخططها، إلا أنه انتصار مؤقت .

حيث إن الانتصارات التي تحرزها قوي الثورة علي الأرض خلال عامين من الثورة تمثلت في تبلور وعي شعبي متصاعد بأهمية استمرار الموجات الثورية الواحدة تلو الأخري دفاعاً عن الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ، وقد أدت هذه الموجات الثورية إلي تزايد الوعي لدي الجماهير وقادة الثورة بالخطر الذي يمثله الإخوان وحلفاؤهم علي مطالب الحريات والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني ، وقد حافظت الجماهير علي الطابع المميز لثورتها ، وهو سلميتها في مواجهة محاولات جرها إلي العنف رغم كل الاستفزاز والعنف الذي مارسته جماعة الإخوان وحلفاؤها .

وأصبح الرفض الشعبي متسعاً ومتبلوراً في مؤسسات عديدة نجح الإخوان في كسب عدائها ، وفي إيقاظ وعيها بالخطر ، مثل القضاء بمستوياته المختلفة والصحافة والإعلام ، وكذلك العمال والموظفين بالحكومة والمهنيين وأبناء الأحياء الشعبية في المدن وقطاعات واسعة من سكان الريف المصري ، وكلها مؤشرات تؤكد أن الثورة لم تهزم ، وأن اليمين المتطرف لم يحقق انتصاراً نهائياً ، بل إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والضغوط المتزايدة علي الطبقات الشعبية تشير إلي إمكانية تصاعد موجات ثورية جديدة متعاقبة ضد سلطة الرأسمالية الإخوانية التابعة .

وتبقي هنا نقطة مهمة في مسار عامين من ثورة 25 يناير ، حول دور المجلس العسكري وعلاقته بالإخوان وما أسفرت عنه نتائج هذه العلاقة ، فقد أثبتت الوقائع أن هذا المجلس الذي تولي السلطة عقب الثورة ليدير المرحلة الانتقالية قام بتسليم هذه السلطة – خطوة خطوة – لجماعة الإخوان المسلمين ، لكنه لم يقم بهذا التسليم منفرداً بل عبر تشاورات ومباركات أمريكية ، اتخذت مع المجلس العسكري أشكالاً مختلفة من النصح والتوجيه والضغوط والأوامر واجبة التنفيذ ، واتخذت مع الإخوان أشكالاً مختلفة من الاتصالات والاتفاقات والتفاهمات وأشكالاً صريحة من الدعم والتأييد والتمويل ، الأمر الذي يضعنا أمام حقيقة وجود تحالف ثلاثي (عسكري إخواني أمريكي) مترابط المصالح أخذ ثورة 25 يناير ليسلمها بوعي لسلطة الثورة المضادة .

وتثير هذه النقطة قضية مهمة حول الدور الأمريكي في تحويل مسار ثورات الربيع العربي كلها ، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ، وخاصة سوريا ، وقبل ذلك وبعده في العراق والسودان ، وتفصح هذه القضية عن الدور الأمريكي البارز الذي استهدف حبس كل هذه الثورات في سجن التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية للرأسمالية العالمية وأمريكا بصفة خاصة ، ويرتبط بهذا الهدف العام عدة أهداف نوعية يأتي علي رأسها هدف إضعاف الجيوش العربية – بل تدميرها جيشاً بعد جيش وبأساليب متنوعة – لصالح العدو الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية ، ولعل المفارقة هنا هي أن هذه الأهداف الصهيونية الأمريكية لإعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط وتدمير القوة العربية وتصفية القضية الفلسطينية يأتي عن طريق بناء التحالف الثلاثي ووصول جماعة الإخوان إلي قمة السلطة في مصر واستثمار علاقتها بحماس ، وتهيئة الأوضاع لتيارات التأسلم لقطف ثمار ثورات الربيع العربي برعاية أمريكية . ولعل ما يجري في سيناء من رعاية لجماعات السلفية الجهادية المسلحة ، وتحويلها إلي مخزن لجماعات الإرهاب الدولي وتجارة وتهريب السلاح وتعريض الأمن القومي المصري والعربي للخطر له علاقة واضحة بهذا المخطط .

لقد رفض المجلس العسكري أن يوضع دستور للبلاد أولاً حتي يتيح لجماعة الإخوان التحكم في وضع وصياغة هذا الدستور منفردة بعد ذلك ، وهو ما حدث في تشكيل الجمعية التأسيسية الباطلة وسلق الدستور الذي قسم مصر وأسال دماء شبابها بأيدي أنصار الرئيس الإخواني أمام قصر الاتحادية ، وتولي المجلس إصدار قانون للأحزاب يتيح تشكيل أحزاب دينية متطرفة تمزق النسيج الوطني الواحد وتسعي لإعادة البلاد إلي مجتمع الصحراء والبداوة ، وقام بترتيب انتخابات لرئاسة الجمهورية تشير وقائعها وخطواتها إلي وجود مخطط مقصود لتسليم الرئاسة لمرشح جماعة الإخوان .

وكان الإنجاز الوحيد الذي حققه المجلس العسكري هو تسليم البلاد إلي جماعة الإخوان والتيار السلفي المتطرف . وتم ذلك عبر خطوات متدرجة بدأت بتشكيل لجنة إخوانية التوجه للتعديلات الدستورية بقيادة مفكر له توجه إخواني ، وإجراء انتخابات برلمانية في ظل سيطرة الشعارات الدينية وفي ظل سيطرة الجماعات والأحزاب الدينية المتطرفة علي المساجد وفي ظل تجاهل للتدفقات المالية التي تمثلت في ضخ ملايين الدولارات إلي الجماعات الدينية لتمويل حملاتها الانتخابية .

وخلال الشهور الماضية التي سيطرت فيها جماعة الإخوان علي مقاليد السلطة ساد مناخ التعصب الفكري والسياسي والديني ، وساد منطق التعالي علي أصحاب الرأي المخالف والتشهير بهم ، كما ساد أسلوب تكفير المعارضين للتحالف الاخواني – السلفي والترويج لمشاعر الكراهية والازدراء للرأي الآخر .

وقد انكشفت خديعة برنامج المائة يوم ، ثم المائتي يوم ، حيث لم يتحقق أي وعد من الوعود التي تتعلق بالخبز والأمن والوقود والمرور والقمامة وغيرها .

وشهدنا محاولات التراجع إلي أحداث في العصر الإسلامي الأول رغم الفارق الهائل في كل شيء (الشكل السياسي وما جري من تقدم في كل المجالات الفكرية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية وطبيعة مكونات المجتمع) حتي وجدنا من يستخدم تشبيه ما حصل للخليفة عثمان بن عفان وحصاره .. بحصار قصر الاتحادية .

وفي نفس الوقت حرصت جماعة الإخوان علي إعادة انتاج النظام القديم : رأسمالية الوكلاء التجاريين – مملكة خيرت الشاطر وحسن مالك التجارية – إطلاق وحوش السوق …..إلخ .

سلطة رجال أعمال الإخوان :

والمعروف أن العقدين الأخيرين شهدا تكون طبقة من رجال المال والأعمال من الإخوان بدأت بشركات توظيف الأموال ثم اتسعت بعد ذلك ، ومنذ تولت جماعة الإخوان الحكم في مصر .. وهي تسعي بكل الوسائل إلي إحلال مجموعة رجال الأعمال الإخوان محل رجال الأعمال الذين كانوا يرتبطون بالنظام السابق لكي يشكلوا قاعدة اقتصادية للنظام الاخواني ، وقد يحدث في بعض الأحيان ، نوع من التضييق علي رجال أعمال العهد السابق لكي تلحق بهم الخسائر .. وعندها يتقدم رجال الأعمال من الإخوان بعروض لشراء مشروعاتهم .

وفي المقابل يرتفع معدل الفقر بصورة مخيفة حتي أصبح أكثر من خمسين في المائة من المصريين تحت خط الفقر – وهذه النسبة تتزايد شهراً بعد شهر – كما أن نسبة الفقر في بعض مناطق الصعيد بلغت الثمانين في المائة .

وتقدر الجهات الحكومية أن نسبة البطالة تقترب من13% ، وتقدرها بعض مراكز البحوث والدراسات الاقتصادية بـ 17% ، وفي الحقيقة أنها أكثر من ذلك بكثير . ويزداد الأمر خطورة إذا علمنا أن النسبة الأكبر من العاطلين هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة ، وان الغالبية العظمي من العاطلين من خريجي الشهادات المتوسطة والعليا وبينهم أعداد معتبرة من حملة الماجستير والدكتوراة .

كذلك وجدنا أن المؤسسة المالية الدولية “ستا ندار أند بورز” – التي تصنّف دول العالم حسب مدي قوة اقتصاد كل دولة علي حدة – تقرر تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من (B) إلي (B سالب) .

ومعني هذا التصنيف أن مخاطر الاستثمار في مصر أصبحت كبيرة ، وأن المستثمرين سوف يتجنبون المجيء إليها .

وثمة توقعات بانخفاض معدل النمو الاقتصادي في مصر ليصبح بالسالب مع استمرار النهج الاقتصادي الاجتماعي الحالي الذي لا يختلف عن النهج في العهود السابقة مع تغيير اللافتة المرفوعة من “الليبرالية الجديدة” (النيوليبرالية) إلي الاقتصاد الاسلامي ، ومع وجود أصحاب الإمبراطوريات المالية والتجارية من رجال الأعمال الإخوان في البحث عن الارباح عن طريق التجارة ، حيث إن التوجهات الرأسمالية الاخوانية غير تنموية.

وللاقتراض شروط اقتصادية ومالية وسياسية . وهذه الشروط تتعارض مع حاجات مصر الملحة ، سواء الاقتصادية أو المالية أو الاجتماعية ، كما أنها تتناقض مع توجهات الجماهير الأساسية ومصالحها الحيوية .

والمعروف أن صندوق النقد الدولي يعتبر أن الدعم إهدار للمال العام ، ويطالب برفع أسعار الطاقة وزيادة رسوم الخدمات العامة وأسعار منتجات القطاع العام وخفض الإنفاق الحكومي وتقليص الإنفاق العام الاستثماري.. إلي جانب تعويم الجنية بما يؤدي لخفض قيمته .

وبينما تمتلئ تقارير الصحف الأمريكية والبريطانية بتفاصيل مخيفة حول قرص الصندوق وشروطه فإن الحكم الإخواني يمارس هوايته في الكذب وفي الخداع وإخفاء الحقائق عن الجماهير ، ووصل الكذب حد ادعاء أن القرض بلا شروط في الوقت الذي يشيرون فيه إلي ما يسمي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يناقشونه مع بعثة صندوق النقد والذي يدور حول إلغاء الدعم ، وقد ظهر ذلك التوجه في قضية القمح تحديداً وتم الإعلان بلا خجل عن تحرير أسعاره وعن خطة توزيع 3 أرغفة فقط كحصة لطعام المواطن يومياً ، وهي خطوة لم يجرؤ علي اتخاذها نظام مبارك وحكومات رجال أعماله قبل الثورة .

وإذا تم الاتفاق بين حكومة الإخوان وصندوق النقد الدولي الذي كان وراء العديد من الانفجارات الشعبية في دول نصف الكرة الجنوبي طوال السنوات الماضية نتيجة لشروطه التعسفية لمنح القروض .. فإننا نستطيع أن نتوقع مزيداً من الإفقار للطبقات الشعبية ، وان نتوقع مزيداً من ردود الفعل المنتفضة لرفض هذه السياسات والتوجهات علي المستوي الشعبي ، وإذا كانت فوائد الديون تمثل – قبل هذا القرض 22% من الميزانية دون النظر إلي أقساط الديون المستحقة بينما الأجور والمرتبات 26% (تشهد في توزيعها خللاً فاضحاً وفي بنيتها فساداً مالياً وإدارياً حيث نجد من يتقاضون مئات آلاف من الجنيهات شهرياً مقابل أغلبية ممن يتقاضون عدة عشرات من الجنيهات مرتبات شهرية لا تثمن ولا تغني من جوع ) والدعم 33% (تذهب النسبة الغالبة منه للأثرياء وأصحاب المصانع الكبري في صورة دعم الطاقة بينما يذهب الفتات منه للفقراء في صورة دعم رغيف الخبز)، والباقي يصبح أقل من 20% موزع علي كل الخدمات بما فيها البنية الأساسية والتعليم والصحة والتنمية البشرية بوجه عام .

وترصد التقارير الجماهيرية ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية خلال الشهور الماضية ، ففي نصف شهر فقط (شهر نوفمبر 2012) بلغت حالات الاحتجاج المطلبية 303 حالات تطالب بتحسين ظروف المعيشة ورفع الأجور وصرف الحوافز والبدلات والمنح والعلاوات ورفع مستوي المعاشات .

وسلسلة الإضرابات والاعتصامات ومظاهرات الاحتجاج بسبب الأحوال المعيشية تزايدت بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث من حيث عدد وحجم المشاركين فيها من جميع شرائح المجتمع المصري ، مما يكشف مدي تفاقم واحتدام الصراع الطبقي في البلاد بين العمال والفلاحين والطبقة الوسطي وفئاتها المختلفة والمثقفين والمهنيين والأدباء والفنانين من ناحية وبين حفنة من وكلاء الشركات الأجنبية والتجار والطفيليين من ناحية أخري.

وفي ظل هذه الأوضاع ، فإن كل ما يهم التحالف الاخواني – السلفي الحاكم هو افتعال موضوعات وقضايا تستهدف إبعاد الأنظار عن المشكلات الحيوية والملحة لجماهير الشعب

فهذا التحالف لا تشغله قضايا ، مثل تحسين ظروف الحياة لملايين المصريين ، ولا قضية النهوض بالتعليم وتطوير البحث العلمي ، ولا قضية الرعاية الصحية والاجتماعية والسكن ولا مستوي الخدمات ولا قضايا أمن المواطنين والأنفاق وتمترس الإرهاب في سيناء ، ولا يشغلهم الاهتمام بعمليات تطوير وسائل النقل والمواصلات وتطوير الطرق بين المحافظات وتطوير هيئة السكك الحديدية قبل أو بعد تزايد الحوادث المأساوية للقطارات في أسيوط والبدرشين وغيرها التي راح ضحيتها عشرات الأرواح ، إنهم مشغولون بعشيرتهم وسلطتهم ومخططهم في أخونة الدولة ، ومشغولون بقضايا الاختلاط في المدارس وختان البنات . ومشغولون بالتدخل في حياة الأسر والأفراد بما يهدد الحريات العامة والخاصة ، ويهدد حرية الفكر والإبداع الأدبي والفني تحت ستار حماية الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحتي هذه القضايا التي يثيرها أفراد الجماعة ليلاً ونهاراً ليست سوي غطاء وقنابل دخان لتحقيق أهدافهم السياسية الحقيقية ، فقد تأكد بالدليل القاطع أن القضية التي تسبق كل القضايا من وجهة نظر الحكم الحالي هي التمكن السريع من إنجاز عملية أخونة كل أجهزة الدولة .

وقد تم ضرب استقلال السلطة القضائية ، عن طريق منح رئيس الجمهورية سلطة التدخل بالتعيين أو العزل مثلما حدث مع عملية عزل وتعيين الرئيس للنائب العام ليصبح موظفاً في رئاسة الجمهورية .

وسقط القناع عن الوجه الحقيقي للرئيس الاخواني عندما أصدر الإعلان الدستوري الباطل – بعد انتزاع الرئيس لنفسه السلطة التأسيسية – وتعيين نفسه حاكماً بأمر الله وصاحب السلطة المطلقة ليملك في يده كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، حيث لا وجود لأي سلطة أو جهة في الدولة تملك حق الاعتراض علي قراراته السابقة واللاحقة .

واكتملت خيوط المؤامرة علي الشعب والديمقراطية بقيام د. مرسي بحنث كل وعوده التي قطعها علي نفسه بعدم طرح مشروع الدستور للاستفتاء إلا بناء علي توافق وطني عام ، واجري ما سمي بالحوار الوطني مع إخوانه وأعوانه ، ومع ذلك لم يلتزم بما اتفق عليه في الحوار وقام بفرض دستوره المسلوق بالإكراه ، وطرحه للاستفتاء دون توافق ودون إشراف قضائي كامل ، وتم تمريره بنسبة 20% من الناخبين ، بعد أن جرت عملية صياغته علي يد جمعية تأسيسية حرص التحالف الاخواني – السلفي علي أن تكون له الأغلبية العددية فيها كما احتاط هذا التحالف لكل احتمال .. فأرسل أتباعه لمحاصرة المحكمة الدستورية العليا لمنع صدور حكمها بحل هذه الجمعية التأسيسية التي تشكلت علي نفس الأسس التي أدت إلي حل الجمعية التأسيسية السابقة عليها .

وصدر هذا “الدستور” رغم انسحاب الكنيسة والقوي المناصرة للدولة المدنية والصحفيين وممثلي العمال والفلاحين والنساء والعدد الأكبر من المستشارين وأساتذة القانون الدستوري والخبراء مما يسمي بالجمعية التأسيسية .

وهذه الوثيقة التي أطلق عليها أسم “الدستور” إنما تكرس لحكم الفرد المطلق ، وتمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة ، وتهدد استقلال القضاء ، وتهدر حقوق المرأة والمسيحيين ، وتتجاهل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ، وتؤسس لدولة إخوانية استبدادية ، وتصفي تماماً كل شعارات ومبادئ وأهداف ثورة 25 يناير .

وقام رئيس الجمهورية بعملية أخونة جهاز الإدارة المحلية بادئاً بتعيين عدد من المحافظين الذين ينتمون إلي جماعة الإخوان ، وعدد كبير من رؤساء المدن ومساعدي المحافظين ، وأخونة الحكومة التي يقف الرئيس الإخواني علي رأسها كرئيس للسلطة التنفيذية بتعيين وزراء الخدمات الأساسية والتوجيه والتأثير في الرأي العام كالتموين والتنمية المحلية والتعليم والشباب والرياضة والعمال وغيرها من الوزارات ينتمون إلي جماعة الإخوان أو من يؤيدونها أو يسيرون في فلكها علي الأقل . كما تم تعيين وزير إخواني في منصب وزير الإعلام لاحتكار السيطرة علي الإذاعة والتليفزيون ومنع أية أفكار أو توجهات معارضة لجماعة الإخوان .

وقام مجلس الشوري بأغلبيته الإخوانية بتغيير جميع رؤساء تحرير الصحف والعديد من رؤساء مجالس الإدارات واختيار المعينين الجدد من الإخوان والموالين لهم ، ومن المفارقات أن سلطة الإخوان ممثلة في مجلس الشوري ترفض تنفيذ حكم قضائي نهائي بإعادة أحد رؤساء التحرير لموقعه بعد أن تم استبعاده رغم انه من الدفعة التي عينها مجلس شوري الإخوان.

التعليقات متوقفه