هل ينجح ماكرون في مشروعه لمواجهة “الانفصالية الإسلامية”؟

421

كتب مارك مجدي:

شهد المجتمع الفرنسي في الآونة الأخيرة بعض الأحداث التي تنظر بتغير غير مسبوق في الممارسات الاجتماعية والثقافية فى فرنسا, فلأول مرة في فرنسا تُمنع سيدة من دخول متحف أورساي الشهير بسبب ما أعتبره أحد عمال الأمن في المتحف رداءً فاضحاً في سبتمبر الماضي, بالإضافة لارتفاع ملحوظ في الأحداث الارهابية التي يقوم بها مواطنون فرنسيون من أصول عربية و إسلامية..

كما ظهرت تقديرات لخبراء تُعنى الدولة الفرنسية بأرائهم تقول إن” هناك مناطق مفقودة في الجمهورية” حيث توجد مناطق لا تخضع لنطاق الحكومة و تنتشر فيها الجرائم و التطرف الإسلامي بشكل ملحوظ , وهي المناطق التي تعتبر بمثابة محيط مثالي لنمو الأفكار المتطرفة”. ونشر كتابين لاقوا تغطية إعلامية كبيرة من قبل الإعلام الفرنسي للكاتبين هوجو ميشيرون وبرنارد روجييه, وهما يتفقان علي أن التهميش , والجريمة و البطالة هي العوامل الرئيسية التي تسببت في الموجة الدينية المتطرفة التي تسود الأوساط الإسلامية في فرنسا.

وهو ما دفع ماكرون للحديث عن خطة للتخلص من “المجتمع الموازي” الذي ينمو و يتطور خارج قيم الأمة الفرنسية, و هو يتحدث هنا عن النشاط المستمر للجماعات الدينية المتطرفة الفاعلة وسط تجمعات المهاجرين و التي تعادي قيم العلمانية و المواطنة و حرية الاعتقاد .

في خطابه الجمعة الماضية بمدينة لي مورو أثناء لقائه مع عمدة المدينة فرانسوا جاراي – و الذي عرف عنه دعمه للمجتمعات المسلمة في فرنسا- أكد ماكرون أن المنطقة التي تقع فيها هذه المدينة قد شهدت تنقلات من مواطنين فرنسيين إلى ليبيا و سوريا للمشاركة في الحرب الدائرة هناك, و هو ما يعتبر مؤشراً خطيراً علي وجود مواطنين داخل فرنسا يحملون أفكاراً متطرفة تؤدي لحمل السلاح.

ويأتي خطاب الجمعة الذي أعلن فيه ماكرون عن مشروع قانون مكافحة الانفصالية و النزعات الاسلامية المتطرفة بينما تجري اجراءات المحاكمة في باريس بصدد حادثة جريدة شارلي إيبدو في 2015, و في نفس السياق وقعت حادثة أخري الاسبوع الماضي حيث  قام باكستاني حامل للجنسية الفرنسية بطعن شخصين أمام نفس الجريدة لانتقادتها للإسلام. ذكر ماكرون الوقعتين و أشار أنه منذ حادثة 2015 لم يتغير الوضع بل ازداد نفوذ الجماعات المتطرفة بين المسلمين الفرنسيين وهو ما يمثل خطرا داهما علي قيم المجتمع الفرنسي.

وضع ماكرون خطة تهدف إلى تغيير الظروف التي تسمح لأولئك الذين يروجون للنسخة الإسلامية المتطرفة باالهيمنة، لا سيما من خلال الجمعيات أو المدارس القرآنية التي تعتبر أدوات لتجنيد أعضائها و المرتادين عليها نحو التطرف.

ينص مقترح القانون الذي سيطرح علي التصويت في البرلمان أول العام القادم إلى إلزام جميع الأطفال من السن الثالثة للتعلم في المدارس الحكومية الفرنسية. كما سيفرض القانون الرقابة علي الجمعيات من حيث تمويلها و أوجه إنفاقها لهذا التمويل, حيث يؤكد ماكرون أن هناك جمعيات تتلقي تمويلا من الدولة وتقوم بتوجيهه نحو نشر الفكر المتطرف و كراهية القيم المؤسسة للدولة الفرنسية.

قال ماكرون:” المدارس الفرنسية هي “قلب” العلمانية الفرنسية و هي المؤسسة التي يصبح فيها الفرد مواطناً… علي المدارس أن تعلم مواطنين و ليس أن تنتج مؤمنين”.

كما تضمنت الإجراءات المقترحة في القانون وضع حد لـ”استيراد الأئمة” من دول أخري ينتشر فيها الفكر المتطرف ومن بين هذه الدول تركيا, الجزائر و المغرب, و بذلك يتقدم مقترح القانون بالغاء الاتفاقيات مع الدول المذكورة لاستيراد الأئمة وبانشاء و تدعيم مؤسسة وطنية فرنسية مسلمة لتقوم بمهمة تدريب و تعليم أئمة فرنسيين.

ستكون مهمة “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” هو أن يعمل علي  خلق “إسلام تنويري متفتح” حسب تعبير ماكرون.”تحتاج فرنسا إلي جيل جديد من الأئمة و المثقفين الذين يضعون الأسس لإسلام غير متطرف و متوافق مع القيم الفرنسية.

ولا ينص القانون المقترح علي شكل واحد من أشكال الانفصالية, فالقانون يجرم و يكافح أي شكل من أشكال الانفصالية سواء المبنية علي التفوق العرقي الأبيض أو الفكر اليميني المتطرف, لكن يقول ماركون” هناك أنواع مختلفة من الانفصالية, لكن مقارنة بالانفصالية الإسلامية الراديكالية تعتبر بقية الأنواع هامشية, فالإسلام المتطرف يسعي لبناء مجتمع داخل المجتمع و تغييره من الداخل.

و في خطابه أشار ماكرون أن المستهدف من هذا القانون ليس تقويض الديانة الإسلامية أو حظرها, لكنه أكد أن هناك نسخة ضارة من الإسلام اخترقت المجتمع الفرنسي, عبر مؤسسات واضحة مثل الخدمات العامة, و في قلب العاصمة”من مطار شارل ديجول إلي المواصلات العامة, بعض سائقي الأتوبيسات العامة رفضوا اصطحاب بعض السيدات لاعتراضهم علي ملابسهن القصيرة”.

في نهاية خطابه قال ” ما تطلب أعواما لبنائه لن يتم القضاء عليه في يوم واحد” متحدثاً عن أن المعركة التي يقترحها لن تكون قصيرة.

وعلق فلوينزو فيدينو الصحفي و المحلل السياسي بأن هذه الخطة قد تحقق نجاحاً سطحياً فقط إذا لم ترتكز علي تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الذي يعيش فيه المهاجرون في فرنسا”المسألة لا تكمن في منع المتطرفين من نشر أفكارهم  فقط, بل يجب أن نفهم أن البطالة والتهميش هما السببين الرئيسيين الذين يجعلان المواطن الفرنسي المسلم قابلاً للتحول إلي متطرف, يجب أن يشعر المواطن المسلم أن نظام الدولة قدم له المعيشة الجيدة و الحقوق و المساواة الكاملة التي يتمتع بها الأخرون لكي يعتنق أفكاره و قيمه”.

وقال جورج بييه الباحث في الأديان الشرقية إن الإصلاح الديني لا يحدث بخطة معدة مسبقاً, معلقاً علي دعوة ماكرون لتشكيل إسلام جمهوري يتوافق مع قيم الجمهورية الفرنسية ” لم تتشكل حركة التنوير الأوروبي بسبب الإرادة, بل كانت نتيجة لتغير في الظروف التاريخية التي أدت لسيطرة الدين متمثلاً في الكنيسة علي المجتمع”, مضيفاً أن هذه الخطة عليها أن تتضمن مشروعاً عالمياً و ليس نسخة  فرنسية من الإسلام ” كان الاصلاح الديني في أوروبا مشروعاً  أوروبيا بالكامل, و عندما تحقق في دول و لم يتحقق في دول أخري اندلعت الحرب… لا يمكن أن نتحدث عن إسلام فرنسي منعزل عن الاسلام في البلاد الإسلامية و مختلف عنه, فعلي الاصلاح الديني أن يبدأ في الدول الإسلامية أولاً ثم يؤثر علي المهاجرين من هذه الدول إلي فرنسا, هل سنوقف الهجرات مطلقاً و نكتفي بمن دخلوا إلي فرنسا و نعمل عليهم؟”و أضاف أن الخطة ستنجح علي المدي البعيد و لكن إذا تحققت في الدول الإسلامية أولاً, و لذلك علي فرنسا أن تدعم قيم التنوير والحرية والحداثة في العالم أجمع و أن تفكر في الموضوع بصفته مسألة كونية.

أما عن ردود الأفعال في المشهد السياسي, علق ستيفات كوانتان الناشط السياسي و الكاتب الصحفي قائلاً “سيقف التيار الغالب في اليسار الفرنسي, عن عدم فهم بالتأكيد, ضد هذه الخطة باستماتة, علي اعتبار أنها توجه يميني مرتكز علي الذات ولا يستوعب الآخر”. وأضاف أن اليسار الفرنسي ينظر نظرة سطحية ومؤدلجة للتطرف الإسلامي باعتباره النسخة الوحيدة من الإسلام و أنها تعبر وحدها عن الثقافة الشرقية, و لذلك سيعتبر هذا المشروع مشروعاً معاديا للتعددية الثقافية و هو ليس كذلك, فالنسخة الإسلامية التي تنتشر بين مهاجري فرنسا الآن لا تعبر إلا عن شكل من أشكال تطرف يماثل تطرف الحركات اليمينية الراديكالية, فحركات “الأخوية السلفية” والإخوان المسلمون” هي التي تقود المجتمع المسلم في فرنسا”.

قال كوانتان ” علي اليسار الفرنسي أن يتبني هذا المشروع رغم الخلافات الواقعة بينه و بين الرئيس الفرنسي, فخطر الإسلام الإنعزالي المتطرف لا يختلف عن الخطر الفاشستي الصاعد في أوروبا. فوجود هؤلاء المتطرفون الإسلاميون في فرنسا لن يفعل شيئاً سوي أن يواجه بتطرف مسيحي أو عنصري مقابل, وسيكون أقوي و أشرس بدافع الطبيعة الديموغرافية في فرنسا”.

ستكون الفترة السابقة علي طرح المشروع علي البرلمان الفرنسي أول العام القادم هي فترة ساخنة في فرنسا حيث ستحدد المواقف و تباينتها رأي البرلمان ما إذا كان سيوافق علي هذا المشروع أم لا.

التعليقات متوقفه