هل اقترب الأدباء من التعبير عن الحدث؟..تعرف على صورة حرب أكتوبر في الأدب المصري

علي حليمة: أطلقت أسماء زملائي في الحرب علي أبطال أعمالي الأدبية تخليدا لذكراهم

1٬408

بعد مرور 47 عاماً علي انتصارنا في حرب أكتوبر المجيدة، لم تبرز بعد علاقة التأثير التفاعلية من حيث الدور الذي لعبه الأدب في التمهيد لإحراز هذا النصر العظيم، وكيف تأثرت الساحة الثقافية والأدبية بهذا الانتصار وتجسيد هذا عبر الإنتاج الأدبي قبل وبعد النصر، وهل استطاع الأدب أن يؤرخ و يعبر عن هذه الحرب ومنجزاتها بصورة متكاملة وشاملة أم نحتاج إلي مزيد من الأعمال الأدبية والفنية؟
قال الأديب حسن الجوخ لا تزال هذه الحرب المجيدة لم تأخذ الصورة الواجبة في مرآة الأدب المصري المعاصر، لأن هذه التجارب الكبري في تاريخ الامم تحتاج إلي مدة زمنية طويلة للاستيعاب والتدبر في مقارنة الأمر بدول وأحداث أخري، وفي نفس الوقت تحتاج إلي نوع من الانفعال الصادق الذي يبرز هذه الأحداث بصدق ونزاهة للقارئ العادي.
وأضاف الجوخ قائلاً: بالنسبة لعلاقة التأثير المتبادلة فدائما الحدث الأكبر الذي يتعلق بمصير أمة. ينهض له أدباء وطنيون فاهمون لطبيعة الأمور ولروح الأمة، وفاهمون لجوانب الإنسان المصري في موقعه الجغرافي وعلي خريطته.
ومن هنا نجد كثيرا من التمهيدات التي حدثت لهذه الحرب، فمثلاً حرب الاستنزاف سنجد قصصا كثيرة جدا تسجل هذه الشجاعة، وهذا البعد الذي ننشده مثل قصص صالح مرسي ومثل “الرفاعي” لجمال الغيطاني، والعديد من القصص القصيرة التي أشارت وتنبأت بهذا الحدث، وأيضاً لشخصي المتواضع قصة بعنوان “حدث في حارة البطل” تنبأت بالضبط بما حدث في حرب أكتوبر، وهي موجودة ضمن مجموعة قصص “الجدة حميدة” ونجد أيضاً قصص محمد المنسي قنديل وكذلك نجد لإبراهيم عبد المجيد “قناديل البحر” وهناك أعمال كثيرة جدا في القصة القصيرة أو في الرواية القصيرة مهدت لهذه الحرب بشكل جيد جداً، جعلت المقاتل المصري يدخل عليها بقلب جسور، وقلب واعي ولا ننسي مساهمة الأدباء المصريين علي خط القناة عندما كانوا يذهبون بكتبهم وبروايتهم ويجلسون مع المقاتلين ويتحدثون معهم ويبحثون معهم المزاغل والخطوط والتمويهات.
كل هذا طبعاً كان نوعاً من التمهيد، كما يوجد أيضاً رواية “الممر” لأحمد ماضي وهي رواية خطيرة جدا تمهد لهذا الحدث.
واستطرد الجوخ قائلاً: بلاشك كان هناك تمهيد وهناك نوع من الفدائية الأدبية إذا جاز لي التعبير لهذا الحدث. علي جانب آخر أحرز انتصار أكتوبر أثرا علي الأدب، ولكن لم تظهر نتائجه بعد لانه سيحتاج إلي وقت طويل لأن حرب أكتوبر ليست حربا سهلة بل هي معجزة فكيف سيتم الكلام عنها هل سنتحدث عن شكلها الاعجازي ام عن الاستعدادات أم التمويل والقيادة أم عن فن التمويه وربط الحاضر بالماضي أم عن الحبال التي اقتحمنا بها خط بارليف وهذا لم يحدث في تاريخ الحروب ومسألة المد والجزر في القناة قبل الحرب بيوم فهي حرب تاريخية تدرس حتي الان في أعظم الجامعات في العالم فهذه الحرب ليست حربا سهلة أبداً.
وحول تأثر الأدب في بعض الدول العربية بسبب القرب الجغرافي قال الجوخ: لا نستطيع أن ننسي “رجال في الشمس” لغسان كنفاني كما أن هناك أعمالاً عربية مهدت لهذا الحدث وهناك أيضاً قصص قصيرة مثل القصص التي كتبها الأردني ألياس فركوح، وهناك أعمال أدبية لكُتاب سوريين وعراقيين؛ فمسألة التأثير والتأثر تختلف علي حسب موقع الدولة فمثلاً إذا تأملنا أدب المغرب سنجد إنه لم يتأثر كثيراً والعكس في الأدب السوري أو الأدب الأردني لأنه ملاصق للحدث أو ملاصق للعدو الصهيوني فالمعيار هنا البعد المكاني ودرجة الخطورة .
الشهادة الشعرية
وفي سياق متصل عبر الروائي دكتور السيد نجم، عن اعتقاده ورؤيته التي ترتكز علي أن ابداع حرب اكتوبر 73 يبدأ بعد معارك 67، وكل ما كتب بعد 67 حتي أكتوبر وما بعده يعتبر من أدب أكتوبر ومن تأثير تجربة أكتوبر أو تأثير التجربة الحربية في تلك الفترة.
وبالتأكيد كانت للتجربة الحربية تأثير كبير علي المبدع وأنها أفرزت الجديد حتي في شكل التناول بمعني إذا أخذنا الشعر علي سبيل المثال أحمد الحوتي ومحمود عبد الحافظ، والاثنان ليس بينهما معرفة كتبا ما يسمي “بالشهادة الشعرية” التي تتكون من قصائد شعرية وأجزاء نثرية أو سردية فمثلاً أحمد الحوتي كتب “نقوش علي بردية العبور” تتكون من خمس قصائد ترصد التجربة الحربية كلها وما بين كل قصيدة وأخري جزء سردي يضيف أو يبرر أو يشرح ما قيل شعراً.
ولاد الأرض
وأضاف نجم قائلاً: لقد تأثر الشاعر الفلسطيني أحمد يعقوب بهذا الشكل وكتب مثله أثناء انتفاضة 87، فالتجربة الحربية أفرزت هذا الشكل الذي لم يكن موجوداً من قبل. هناك جانب آخر يجب أن أطرحه وهو تجربة فرقة “ولاد الأرض” أو فرقة “البطانية” كما كان يطلق عليها في البداية وهي عبارة عن العمال البسطاء المقيمين في مدينة السويس، الذين يسهرون ليلاً حول “كوب الشاي” يغنون ويرددون أي أغان وطنية إلي أن بدأ الكابتن غزالي يوجههم إلي الكتابة والتلحين، وبدأوا يألفوا ويغنوا علي أنغام السمسمية والذي يتابع أغاني ولاد الأرض؛ يجد أننا قصرنا في حقهم حيث إنهم أضافوا للكلمة وللحن وللحالة الوطنية في مصر. وأكدوا أن مصر لا يملكها إلا أهلها والمحبين لها.
الملحمة الشعرية
وأكد القاص فرج مجاهد، أن هناك بعض الأعمال التي كٌتبت سواء في القصة أو الرواية، لكنني أعتقد أنها ليست بالقدر الكافي، وليست علي مستوي الحدث، ومع ذلك هناك أعمال مهمة كُتبت مثل “الرقص علي طبول مصرية” للأستاذ فؤاد حجازي مكتوبة بأسلوب جميل غير مباشر وسجلت لانعكاسات الحرب علي المجتمع والأفراد والبيئة المحيطة، وهناك أيضاً رواية بعنوان “سرابيوم” للأديب محمود عرفات نشرت في سلسلة روايات الهلال، وهناك رواية الأديب علي حليمة الذي كان ضابطاً في حرب أكتوبر بعنوان “مكان تحت الشمس” ورغم وجود كثير من الأعمال لكن الحدث يحتاج إلي مزيد من الأعمال الإبداعية سواء في القصة أو الشعر أو الملاحم الشعرية أو المسرح الشعري الذي يعد قليلا جدا علي مستوي مصر والعالم العربي وبالتالي لم يتناول حرب أكتوبر باستثناء ملحمة صغيرة كتبها الشاعر حزين عمر بعنوان “اليوم العاشر” ويعني العاشر من رمضان.
وأكد مجاهد، أن حرب أكتوبر حدث كبير وقوي هز المنطقة العربية كلها؛ وبالنظر إلي الاقتصاد العربي بعد 73 سنجد تغييرا جذريا والدول العربية وخاصة في دول البترول التي شهدت نهضة كبيرة جدا علي أساس ان البترول كان سلاحا قويا في حرب أكتوبر ورفع المستوي الاقتصادي فيما بعد 73 في دول الخليج.
علي الجبهة
أكد الأديب علي حليمة، الذي كان ضابطاً وقت حرب أكتوبر أن الأدب لم يرض طموحاته فيما يتعلق بالكتابة عن حرب أكتوبر رغم صدور رواية له بعنوان “مكان تحت الشمس” عن حرب أكتوبر كما سبق وذكر الاديب فرج مجاهد، بالإضافة إلي مجموعة قصصية صادرة عن الهيئة العامة للكتاب قائلاً: المقاتلون أغلبهم من كان منهم قارئ فليس بمبدع ومن عاش التجربة هو أفضل من يعبر عنها ومن حالفه الحظ وعاش التجربة ويستطيع التعبير عنها بالكتابة قليل جدا.
لقد كنت قائدا لفصيلة كل أعضائها من المبدعين وحملة المؤهلات العليا فيما بعد قمت باختيار بعضهم لتخلد أسمائهم من خلال أطلاق أسمائهم علي أبطال أعمالي الأدبية منهم الشاعر أحمد الحوتي رحمة الله عليه الذي ترك أعمالا شعرية؛ ولقد أصدرت له الهيئة المصرية العامة للكتاب المجموعة الكاملة، أيام حرب الاستنزاف التي تعد مقدمة لحرب أكتوبر جاء الحوتي من المحلة الكبري إلي السويس وسعي للتقرب مني وكان يتميز بالذكاء الحاد وقمت بضمه إلي مجموعتي هو وشاعر العامية السكندري محمد أبو سلامة وهذا الأخير بيني وبينه قصة قمت بنشرها ضمن مجموعة “قنطرة حمامة” ولقد كان محمد علي تواصل دائم معي قبل وفاته.
واستطرد حليمة قائلاً: لقد كنت وقتها ضابطاً احتياطياً وخرجت بعد تأدية الخدمة. وكنت أسجل يوميات الحرب وأدونها في اجندات الهدايا وأسترجع ما فيها عند ممارسة الكتابة الإبداعية.
وعندما كنت أتناول وقائع معينة لم أضف أي شيء من الخيال بل كنت استعين بما قمت بتدوينه بنفسي. فما حدث في الواقع كان أعلي من الخيال بمراحل ولا يمكن تصديقه بسهولة.

 

التعليقات متوقفه