ماجدة موريس تكتب :ما وراء الطبيعة

656

هل نكره، أو نحب، الجديد، لمجرد أنه جديد؟، أم لأنه مختلف عما تعودناه؟ سألت نفسي هذا السؤال بعد مشاهدتي لمسلسل «ما وراء الطبيعة » المأخوذ عن روايات د.أحمد خالد توفيق، الذي رحل عن عالمنا في أبريل 2018 وكشف لنا رحيله وقتها عن جماهيرية عريضة تمتع بها من أجيال من القراء الجدد، اي الشباب الذي تلي زمن قراء نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومعاصريهم وربما كان اتجاه هذا الروائي الشهير للكتابة في أدب التشويق والخيال والرعب والفانتازيا سببا رئيسيا من أسباب شغف الشباب بكتاباته، خاصة مع انفتاح الدنيا علي بعضها البعض من خلال ثورة الانترنت، ووصول كل المنتجات المرئية والمكتوبة إلي كل مكان، ومنها بالطبع أفلام الرعب والخيال العلمي، إضافة لقدرة كاتبنا علي إدراك الحدود بين الواقع وما ورائه، وهو الطبيب وأستاذ طب المناطق الحارة أكاديميا، ومن هنا استطاع أن يزرع وبقوة هذا النوع من الادب في عالم القراءة بمصر والعالم العربي، مع غزارة إنتاج وجاذبية عرض فائقة، من هنا جاء الرهان عليه في اول مشروع درامي مصري علي المنصة الالكترونية الاكبر للعروض الجديدة «نتفليكس» وهي منصة أمريكية تسعي لمضاعفة مشتركيها في كل العالم بإضافة انتاجات بلادهم مع ما تقدمه من بلاد العالم، و«ما وراء الطبيعة» هي اول عمل مصري مأخوذ من السلسلة الروائية الاولي للكاتب والتي أخذ المسلسل أحداثه منها بشكل عام، وبدون تحديد، أما صناع العمل فهما المنتج والسيناريست محمد حفظي، والمخرج والسيناريست ايضا عمرو سلامة، والذي أخرج الحلقتين الاولي والأخيرة من المسلسل، بجانب إدارته لما سمي «الإشراف الابداعي» علي عناصر العمل، بداية من الكتابة التي قام بها عدد من الصاعدين الجدد من خلال ورشة، أما التصوير والإضاءة والمونتاچ والصوت والموسيقي، وتدريب الممثلين- وبينهم عدد ملحوظ من الجدد- وايضا تصميم المعارك، فقد قام بها محترفون من خلال تلك القدرة علي صنع أجواء شديدة التنوع، والتفاعل الخلاق بين الأضواء والظلال في كل الاماكن، وهنا فإن المكان هو أحد ابطال العمل المهمين، وله دلالات واقعية ورمزية في مسلسل يدور حول ذاكرة رجل هو بطله الطبيب المتقاعد رفعت اسماعيل «بأداء احمد أمين الذي لم تنسينا جديته تاريخه الكوميدي» وثلاثة ممثلات مبشرات رزان يوسف «ماجي»، وآية رفعت «هويدا» و«اسماء ابراهيم «رئيفة » وفريق كبير في بقية الادوار، وبالطبع فقد كان التوفيق في اختيار البطل مهم للغاية وفِي تحديد ملامح شخصية تتوالي عليها مصائب الظواهر الاستثنائية في الحياة، والتي لم يتعود الانسان العادي علي تحليلها ومحاولة فك رموزها، إلا في إطار التراث الشعبي والاساطير والشائعات، لكن الامر مختلف معه ولأنه درس وتعلم ان العقل هو السيد في حسم هذه القضايا، فإنه، حين لا يسعفه العقل، يبتكر لنفسه مقولات تريحه مثل «لو عقلك لاعبك..خذه علي قد عقله».

قوانين رفعت

تبدأ احداث المسلسل بتقديم بطله، كطفل يلعب مع أقرانه قبل ان يزعجه الظلام الفجائي فينادي أمه ولتنتقل بِنَا الصورة الي عام 1969 والرئيس عبد الناصر يشهد مناورة مهمة في إحدى المناطق العسكرية ومانشيت جريدة يعلن عن «اكتشاف مقبرة فرعونية مهمة» قبل ان يظهر البطل كمدرس يلقي، درسه،ويحادث نفسه حول الشفقة، ومن يستحقها؟ ناعيا نفسه «دكتور محترم مش عارف يطلع م المتاهة» وهكذا تدورء احداث الحلقة الاولي «أسطورة البيت» بين الماضي والحاضر في اطار بحث البطل عن ذاته وعن أزمته التي سوف تتوالي ملامحها علينا في الحلقات الستة، والتي يواجهها من خلال الاستعانة بما أدركه من علم، ومن نظريات لعلماء آمن بها، وحفظها، مثل العالم« ميرڤي » والتي يواجه بها أي قول هرائي او غير منطقي مثل ان يقع فنجان قهوته بسبب حماقة الساعي الذي يهتف«دلق القهوة خير» لكنه يري انها- القهوة- لن تندلق وحدها، لا للخير، او النحس متذكرا قانون ميرڤي رقم ١ وملخصه «توقع الاسوأ»، وقوانين اخري وضعها لنفسه واسماها«قوانين رفعت» مؤكدا لنفسه ان اي شئ خارج هذا الإطار يصبح من وراء الطبيعة، ويكتشف د رفعت عودة «ماجي» صديقته وزميلته الإيرلندية في بعثته الدراسية، والتي حضرت وزوجها وعملا في مصر، ثم سافرت بعد موت الزوج وهاهي تعود، ويدعوها للذهاب معه الي بيت شقيقته «رئيفة» التي قررت الاحتفال بعيد ميلاده وجهزت له عروس ليتزوجها بعد ان اكمل الأربعين، وتوافق ماجي، بينما يكتئب أشقاؤه، وبينهم رضا الكبير، المزارع القادم من القرية «رشدي الشامي» لوجود ماجي التي تدرك ان الأخت كانت تريد رفعت لأمر خاص وفجأة تنطلق صفارات الإنذار، وتقوم غارة وأصوات طائرات ويكتب علي الشاشة زمن محدد؛ «1940» ويهرع الجميع الي المخابئ ويعيدنا المسلسل الي البداية، وطفولة رفعت ولعبه مع أطفال القرية في القصر الوحيد الكبير فيها وبدعوة من «شيراز» الطفلة الجميلة، ذات الرداء الابيض الذي يضفي عليها لمحة أسطورية، وحين يراهم والد إحداهم يأمرهم بعدم دخول قصر «الخضراوي بيه» واللعب فيه مجددا، ويطيعون، عدا رفعت الصغير الذي يستمر في الذهاب للعب مع شيراز، والذي اعترف لها بحبه ففضحته أمامهم، وبسرعة ينتقل العمل زمنيا الي نفس القصر لنراه وقد اصبح باليا من الداخل، بعد ان هجره أصحابه، واصبحت شيراز الجميلة ذكري بل نداهة تظهر لكل طفل لكي تدعوه إلي هلاكه بابتسامتها الملائكية في الحلقات التالية «أسطورة لعنة الفراعنة»، و«أسطورة حارس الكنز» التي تدور أحداثها في الصحراء الليبية، والحلقة الرابعة هي«النداهة » التي تقترب اكثر من واقع المجتمع المصري في اماكن كثيرة مازالت للأساطير والخرافات مكانة فيها، وايضا للحلول من خلال ادعاء السحر والشعوذة والحلقة الخامسة «أسطورة الجاثوم» وحيث يزداد ثقل مستودع احلامه التي تحرمه من النوم وتكاد تغرقه في متاهاتها حتي يفاجأ بأنه اصبح وريثا للقصر، بعد ان شنق صاحبه نفسه وأهداه اليه، وفِي الحلقة الاخيرة «أسطورة العودة» يكتشف د رفعت سر الجميلة شيراز من خطاب مالك القصر المنتحر ويصبح عليه ان يحول النداهة الأسطورة، إلي حدوتة قديمة لا يصدقها احد «ماوراء الطبيعة» مسلسل مختلف، جيد الصنع ولكنه ليس أسطورة.

التعليقات متوقفه