المهندس نبيل غالي “نائب رئيس لجنة المعماريين المصريين” فى حوار لـ «الأهالى»:التدهور فى العمارة المصرية بدأ من السبعينيات حين قال السادات” أنا غليّت لكم مصر”

تجار الأراضي أصبحوا المتحكمين فى كل شىء والشوارع "باظت" والجراجات تحولت لمحلات

1٬233

*المعماري الجيد مسئول عن البناء بكل تفاصيله وليس “المقاول”
*تجربة حسن فتحي لم تفشل ولكن لم تعمم وتلاميذه موجودون
*التنسيق الحضاري يحتاج إلى نفوذ أكبر فى المشهد
*العاصمة الإدارية “جيم إذا اتلعب كويس هاينجح” والدولة عليها الاستفادة من المباني الخالية
*البناء المعماري مشكلته ليست فى المواد ولكن فى “صاحب الحكاية عايز إيه؟”

حوار : نسمة تليمة
تصوير: خالد سلامة

لديه تعبيرات مميزة يمنحك من خلالها صورة جيدة عن نفسه حين يقول” أنا شخص محظوظ” ،”اتعلمنا نتفرج كويس” يتحمس أثناء حديثه إليك عبر الهاتف ويبني لك كعادته فى الحياة جدرانا دافئة عن حوار مرتقب، وفى الموعد تتعرف على مكتبه بسهولة دون حتي أن تسأل حين تجد الخشب الأرابيسك والأبواب المميزة تغلف مدخلا خاصا لشقة صغيرة فى المهندسين، تمتلأ الطرقات بها بصور ملهمه الأول وأستاذه” حسن فتحي” الذى لا يكتفي عن ترديد اسمه على طريقته “حسن بيه” ويروي لك بمحبة صافية كيف استأذن والده فى إحدى المرات ليستأجر منزل “الست هندية” فى درب اللبانة بالقاهرة القديمة من أجل أن يجاور أستاذه لسنوات ولم يترك المنزل إلا بعد وفاته.
المهندس والمصمم المعماري نبيل غالي نائب رئيس جمعية المعماريين المصريين ورئيس لجنة المعمار فى أفريقيا، وهو شقيق أحد الرموز الوطنية المهمة وهو د. جمال غالي عضو اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال سنة 1946، حصل نبيل غالي على العديد من الجوائز من ضمنها الجائزة الدولية من اتحاد المعماريين وجائزة الجدارة من اتحاد افريقيا للمعماريين.
يفتح لنا قلبه فى حوار خاص ويحدثنا عن كل تلك البنايات التي تزاحم الشوارع الآن وكيف يراها وكيف يري ” عمارات مصر” مقارنة بزمن جميل آتٍ منه، وإلى نص الحوار:
” العمارة مثل اللغة ” تعبير سابق لك فماذا يعني؟
العمارة هي أهم منتج فى العالم كله، لأنها مستند إليها جميع أنشطة حياتك، حين تذهب الى مدرسة أو مستشفى أو منزل تحتاج إلى معمار، العمارة تفرض نفسها فى جميع فروع الحياة وتختلف من مكان إلى آخر ومن طبيعة إلى أخرى، ومصر بلد قديم أكثر مما يتخيل الناس، عمرها 50 ألف سنة والمتاحف لدينا تؤكد ذلك، ولها قيمتها، لذا لابد لنا أن يكون لنا صفة وصيغة وهوية، ضربت من قبل مثل ملك المغرب حين ذهبت فى أحد المؤتمرات ووجدته يقول أكثر من أحبهم هم: المهندسون المعماريون وأنا حريص على حضور جميع مؤتمراتهم وقال “لأنك لو نزلت بأي مظلة فى أي منطقة هنا ستعرف أنك بالمغرب فهم صانعو الهوية الخاصة بالبلد”.

هل المعمار المصري الحديث له سمعة عالمية ؟
بالطبع، هناك ما يسمي الميدالية الذهبية يمنحها اتحاد المعماريين العالمي تم اختراعها حين صنعت إحدي دوراته بمصر من أجل حسن فتحي، وهو معماري مصري مهم، ومن حبي فيه ورغبتي فى وجودي إلى جواره أجرت المنزل الذى أمامه بدرب اللبانة حتي اجاوره حتي توفى.
هل اختلف تصور الناس عن العمارة والبناء أم الموضوع مرتبط بتصور الدولة فقط وتصورها؟
يصمت قليلا ثم يجيب: “كله باظ” نتيجة عدم الاهتمام بالسياسة المعمارية الجيدة بداية من السبعينيات، حين قال السادات “أنا غليت لكم مصر” متر الأرض زاد سعره وأصبح تجار الأراضى هم المتحكمون فى كل شىء، وتحول الفن إلى سمسرة، وخرجت عن نطاق المطلوب وأصبح سماسرة الأراضى هم المعماريين والمتحكمين فى المعمار، أتذكر سنة 1963 خططت جزءا هنا فى منطقة المهندسين حتي شارع جزيرة العرب، كان ممنوع ارتفاع المباني بحيث لا يزيد المبنى على 10 أمتار، والدور الأرضى جراج وكان ملزما، وممنوع عمل محلات وخططنا وقتها لسوق تجاري عظيم، للتخديم على السكان فى المنطقة، ما حدث الآن أن العمارات زاد ارتفاعها، والشارع يسرق منه أمتار دون وجه حق، كل الجراجات أصبحت دكاكين، الشوارع ” باظت” ولا يوجد قانون أو التزام.
هل هناك اختلاف بين بناء مبني وفن تشييد مبني ؟
بالطبع المعماري الجيد يكون مسؤلا تماما عن البناء، بكل تفاصيله، فى إحدى المرات قمت بتشييد فندق الشيح زايد فى شرم الشيخ، وكان مسابقة نجحت فى الحصول عليها، نقلت حياتي خلال سنوات البناء إلى هناك حتى انتهيت منه تماما، للتأكد والوقوف على كل تفصيلة فى المبني، ولو ” أوضتين وصالة” هذا ما تربينا عليه، لا يصح أن تعطيها لمقاول كمهندس معماري وتطلع حاجة تانية.
هل نعاني من تشوه بصري الآن فى مصر؟
للأسف نعاني، من المحزن جدا مستوي المعمار الذى وصلنا إليه، هذا المستوي يجعلني لا أشاهد شيئا، هناك تلوث سمعي وبصري وتنفسي، لدي تجربة عن التلوث السمعي، حين كنت أقوم بعمل فيلا وأحضرت رخام لتركيبه فالعمال كانوا يسمعون أغنيات صعبة جدا، من الأغاني الشعبية الركيكة، والمدير الخاص بهم اخبرني أنهم لن يعملوا دون ذلك فاضطررت أن أسمع معهم وبعد 6 شهور استقللت “تاكسي” سائقه يسمع نفس الأغنية، واكتشفت أنني اعتدتها ولم أغادر التاكسي حتى انتهت الأغنية وهو يوضح مدي تاثير التلوث السمعي على الانسان وقس عليه كل تشوه.
ما رأيك فى معمار الفقراء الذى تقوم الدولة هذه الأيام بعمله فى مشروعات كبري؟
لا أري تلك المشروعات، ولو أنني خلال الأيام القادمة سأقوم بزيارة العلمين الجديدة، لا يكفى أن أري الصور، ولكن لا يمكنني أن أحكم الآن.
هل لديك تقدير كمعماري أو تصور كان يجب أن تأخذه الدولة فى اعتبارها؟
كنت أفضل أن تتم الاستعانة بمجموعة من المعماريين ومصر غنية بهم، هناك جيل جيد جدا، وأن يتم تشكيل لجنة لتساعد مع الدولة فى بناء تلك المشروعات وأتمني أن يظل مطلبا موجودا.
البعض يري أن المدن الجديدة التي تبني حول القاهرة قد تخالف فنون العمارة وتتسبب فى مشكلة السنوات القادمة فما رأيك؟
لا أعتقد إذا تم التخطيط الجيد وشبكات الطرق وخدمات المرافق جيدة، القاهرة قد تستفيد جدا.
“كيف نحي القاهرة الخديوية “.. ما حكاية تلك المبادرة التي تتحمس لها ؟
مجموعة من المهندسيين المعماريين والمهتمين اجتمعوا واشتركوا فى الفكرة “مجلة البيت” التابعة للأهرام، وحدث بالفعل أن أحد المباني التراثية بوسط البلد تم تأجيره وتصليحه واعادته كما بني تماما، لم يغيروا أى شىء فى ملامحه، ولدي أمل أن يتم تعميم ذلك المشروع والتجربة على باقي المباني التاريخية فى القاهرة الخديوية.
بمناسبة المبادرة ما رأيك فى بعض التجديدات التي تقوم بها الدولة فى عمارات وسط البلد؟
” مش بطال” رغم اني المشرف عليها سيدة عظيمة كانت رئيس جهاز التنسيق الحضاري وبذلت مجهودا لكن الحكاية لم تكتمل.
هل هناك معادلة بعينها تحتاج إلى ايجادها خلال تطوير عمارات وسط البلد؟
سهل جدا تعود إلى ما كانت عليه، وهو المطلوب، لهذا طالبت بعمل جائزة محترمة لكل شخص يعيد تلك العمارات إلى ما كانت عليه، والدولة تستفيد والجميع يشعر بتحفيز ويتم تنشيط للفكرة بشكل واسع، تحتاج لمن يتحمس إعادة إحياء القاهرة الخديوية، التي كانت أجمل مدينة فى العالم فى العشرينيات من القرن الماضي، وكان يقال باريس اقتربت من جمال القاهرة مما يدل على مدي جمالها.
هل فقدنا مباني مهمة خلال هدم بعض المناطق بوسط البلد ضمن مثلث ماسبيرو ” وغيره؟
لا تتخيلي أهميتها، أنا ذهبت لشراء شىء قديم رأيت مناظر للبيوت المهدمة ” تقطع القلب “خسارة لا يمكن تعويضها.
هل تحتاج كليات الهندسة والفنون الجميلة إلى تنسيق مختلف ؟
زمان كنا ندخل الكلية بامتحان، لدرجة أنا أول مرة دخلت الكلية لم أكن أعرف أن هناك مذاكرة ومعلومات معينة يحتاجها الامتحان فتركت الورقة بيضاء وبعد سنة درست للتقديم مرة أخري.
طبعا نحتاج إلى اهتمام أكبر بكلية الفنون الجميلة ويكون هناك نظام جيد لدارسي المعمار فى مصر، والفنون الجميلة تحديدا.
هل فشلت تجربة حسن فتحي فى رأيك ؟
لم تفشل ولكن لم تعمم، مازلنا قلة، والبعض لم يحضره بالأساس، متأثرين به بالطبع، مصر استفادت من تجربته فى فترة بعينها، ولكن لم تتكرر الاستفادة والدولة لم تهتم بما قاله، “حسن بيه” يكفي انه قال ان هناك معمارا ومدرسة وأعطانا السكة للبناء وكيف نهتم به.
هل تتذكر له شيئا مميزا كان يخبركم به حين قام بالتدريس لك؟
لا يوجد حكاء مثل حسن فتحي، لا فى سياسة ولا مزيكا كان يأتي إلى الكلية يحدثنا حتى الخامسة صباحا ويربط بين المزيكا والعمارة، متحدث جيد جدا، حسن بيه كما كنا نناديه، فى إحدى المرات أعطاني قلما وورقة وطلب مني ارسم كوع ويد، ظللت فترة طويلة ارسم اما هو فقام برسم خطين فقط وعلمني الاختصار من أجل الجمال.

بعد كل تغير فى المجتمع مثل الثورات المعمار هل يجب أن يتغير؟
الثورة تعني فكرا حديثا، وبالتالي لابد أن يترجم فى كل شىء ليس فقط المعمار والموسيقي والسينما، الثورة الثانية التي اقتلعت الاخوان، ما تم فيها لم يتم فى العالم كله، خروج 32 مليون شخص فى العالم، كما سجل جوجل “ولا تكسر كوباية”، وتشترك فيها جميع الطبقات، تداعياتها على المعمار لم تحدث بعد وهو ما أندهش له، لأن بعد كل تحرك شعبي أقل أجد ردود أفعال فنية جيدة، مازال لدي أمل ان يأتي جيل يستوعب ما تم ويمنحنا الكثير.
هل نحتاج إلى دعوة الحكومة إلى النظر إلى المعمار؟
أولا نحتاج مزيدا من وحدة الفكر، لا فوضي، أيضا نحتاج الى نقد بناء ” الذين لا يخطئون هم الأموات” ولكن نحتاج إلى تصليح الأشياء وتحمل النقد واللغة تختلف، هناك فرق بين نقد بناء ونقد يهدم والعمارة تحتاج إلى نقد بناء.
هل جهاز التنسيق الحضاري يحتاج إلى أن يكون له دور أكبر فى المشهد؟
أنادي دائما أن يكون له دور فى المشهد ورئيسه يبذل مجهودا بالفعل مشرفا ولكن فى حاجة الى أن يحصل على نفوذ أكبر.
ما العوامل المؤثرة فى تشكيل المهندس المعماري؟
لابد أن يكون هو نفسه يرغب فى ذلك ولديه موهبة وحب للموضوع، لأني أتذكر أنني دخلت كلية التجارة والهندسة فى نفس الوقت ووالدي ترك لى القرار، وبعد الترم الأول جلست إلى جواره وأخبرته أنني سعيد بدراسة الهندسة لا التجارة، فأخبرني الا “أهوب ناحية التجارة” واستمر فى الهندسة لأن 80% من حياتي سأقضيها فى العمل وبالتالي لابد أن أحبه، ووالدي كان رئيس المجمع العلمي فى يوم من الأيام.
ما رأيك فى فكرة العاصمة الإدارية الجديدة؟
غالبا اذا تمت بشكل منضبط يخفف الضغط على القاهرة سيكون لها نتائج جيدة، ” جيم اذا اتلعب كويس هاتكون فيه نتايج عظيمة واذا اتلعب وحش خلاص”
ما الذى قد يجعله ” يتلعب وحش”؟
إلم استفد من المباني التي سيتم اخلاؤها، قد تأتي بدخل أكبر من تكلفة بناء العاصمة الإدارية، لأنها مبان مهمة جدا وتستحق الاهتمام
كيف تري أزمة البناء المخالف ومشاكله والتصالح؟
كان لابد أن يحدث منذ فترة طويلة، منذ 40 سنة كل واحد يفعل ما يريد. الحكومة تعطيهم ماء وكهرباء وكان ممكن ايقافها.
هل نحتاج لتشكيل مجلس استشاري من مهندسيين معماريين للاشراف والتدخل بالرأي فى المشروعات الجديدة للدولة ؟
بالطبع وناديت بذلك فى التليفزيون وعملنا نداء للرئيس فى إحدى الحلقات ولم يحدث بعد.
لدينا أراض قليلة سعرها عال جدا، وعدد كبير من السكان، كيف يمكن حل معادلة مساكن صحية غير مرتفعة؟
ليس هناك ثابت أبدا الا التغيير، الفكر ممكن يتغير، الأدوار من الممكن تكون مرتفعة ولكن بطريقة جمالية وصحية وهو سهل، كما قلت العمارة لغة، واللغة متطورة هل الأبنودي يكتب مثل بشار بن برد؟ .

 

التعليقات متوقفه