رئيس قطاع مياه النيل الأسبق د. عبد الفتاح مطاوع يكتب: الصراعات القبلية داخل أثيوبيا إلى أين ؟

866

على الرغم من كل التحذيرات التي نبهت إليها العديد من الجهات الدولية، ومنها لجنة الكوارث الدولية والعديد من الخبراء العالمين بالشئون الإثيوبية الداخلية، من خطر انزلاق أثيوبيا إلى حرب أهلية بين قبائلها، التي قد تتعدى حدودها إلى جيرانها، ما لم يتم حسم الخلافات اليومية فيما بين القبائل الأثيوبية في أقاليمها، وفيما بينها وبين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، على الرغم من كل التحذيرات؛ فقد انفجرت صراعات وحروب القبائل في أثيوبيا، والسؤال هنا هو: هذه الصراعات التي انفجرت .. إلى أين؟.

جغرافيا الوضع الراهن بشرق إفريقيا:
من الواضح أن كل أطراف الصراع بمنطقة شرق إفريقيا، كانت تعد العدة منذ ما قبل مجيئ آبي أحمد عام ٢٠١٨، وحتى ميعاد انتخابات البرلمان الأثيوبي التي لم تتم، إلا في منطقة التيجراي فقط – تلك المنطقة التي كان منها رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي في الشمال الغربي الأثيوبي – المجاورة للجارة العدوة إريتريا، حيث أسياس أفورقي في الشمال، وسلام غير مكتمل وغير مؤهل لحصول آبي أحمد على نوبل للسلام، ودولة السودان في الغرب، المضارة من آثار فيضان نهر النيل المدمر عام ٢٠٢٠، والمنهكة في أعقاب تغيرات سياسية وأزمات اقتصادية طاحنة، ناتجة عن سلسلة من الحروب الأهلية وإهدار الثروات في ظل حكم البشير، و قبيلة الأمهرة في الجنوب، العدوة لقبيلة التيجراي، والتي كان منها الإمبراطور هيلاسيلاسي ورئيس الجمهورية الأسبق منجستو هيلا مريام.
كل الحدود الداخلية الأخرى بين القبائل الأثيوبية ومنها الأورومو وغيرها، ومع جيران إثيوبيا في الجنوب، الصومال و كينيا و جنوب السودان، لا تخلو من الصراع فيما بينهم كل يوم .

أسباب الصراعات المزمنة والمستجدة في إثيوبيا والشرق الأفريقي:
السبب التاريخي الرئيسي للصراعات في هذه المنطقة، هو الصراع على السلطة والثروة بين القبائل وبعضها ومع الأطراف الإقليمية، يلي ذلك أسباب كونية أهمها التغيرات المناخية، من موجات الجفاف المهلكة والفيضانات المدمرة، بالإضافة إلى الأوبئة المزمنة كالجراد والملاريا والكوليرا والتي جد عليها فيروس كورونا المستجد، الذي نعيش آثار إغلاقه على الاقتصاد العالمي، وبالتالي على الاقتصادات الهشة والضعيفة بمنطقة شرق إفريقيا، غير القادرة على تحمل الصدمات، لعدم توفر البنية الأساسية القادرة على مواجهة أسباب الصراعات.
إذ من الواضح صعوبة – إن لم تكن استحالة – قرب انتهاء زوال تلك الأسباب في المستقبل القريب، في ظل غياب الدور الفاعل للدولة المركزية المتجانسة، القادرة على حشد مواردها لتحقيق الأمن والسلم الداخلي والإقليمي، والقادرة على مواجهة تلك التحديات، والهادفة إلى تغيير الواقع نحو المستقبل الأفضل والمأمول.

تطورات الصراع الدائر على الأرض الإثيوبية وشرق أفريقيا:
لعل الحديث عن خروج الأوضاع عن السيطرة وانفلات العيار، هما أبسط تعبير عما يحدث على أرض الواقع، وأبرز مظاهره هو الصراع الدائر بين الحكومة الفيدرالية المركزية في العاصمة الإثيوبية فى أديس أبابا وقوات تحرير شعب التيجراي في شمال إثيوبيا، حيث بدايات نهر عطبرة وسد تكيز لتوليد الطاقة الكهرومائية.
في النصف الأول من نوفمبر 2020 شملت الأحداث قصفاً بالطيران الأثيوبي لأهداف داخل مناطق التيجراي، تلاها قصف بصورايخ من التيجراي لمطاري جوندر وبحر دار – حيث بحيرة تانا وبداية منابع النيل الأزرق بمناطق الأمهرة، حيث ينتهي النيل الأزرق داخل إثيوبيا بمنطقة بني شنقول، قبل الحدود السودانية بحوالى ٢٠ كيلو متر – وشملت قصفاً كذلك لمطار العاصمة أسمرا بأريتريا، ثم بدايات لمذابح جماعية وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية بمنطقة التيجراي، غير معروف حتى الآن من نفذها، سواء من الحكومة الفيدرالية أو من التيجراي، تلتها عمليات نزوح جماعي لسكان من التيجراي إلى السودان القريب الفقير المنهك، في نفس الوقت الذي يوجد بإقليم التيجراي حوالي مائة ألف لاجئ إريتري، يصعب في الوقت الحالى توصيل الغذاء لهم، بالإضافة إلى وجود حوالي ٢ مليون من منطقة التيجراي يتلقون معونات غذائية، كل ذلك يحدث في ظل قطع وسائل الاتصالات والبنية الاساسية للطاقة الكهربية.
وأخر الاخبار الواردة يوم الأحد 22 نوفمبر، إعطاء مهلة ال ٧٢ ساعة من العاصمة أديس أبابا باقتحام مدينة ميكيلي عاصمة التيجراي، إذا لم يستسم قادة الإقليم، كما ورد يوم الاثنين 23 نوفمبر أن الأمم المتحدة قامت بمناشدة إثيوبيا بضرورة حماية نصف مليون من مواطني العاصمة ميكيلي.
وفي نفس اليوم الاثنين 23 نوفمبر قامت قوات التيجراي بقصف مطار مدينة أكسوم الواقع داخل إقليم التيجراي، حتى لا تستخدمه قوات أديس أبابا الحكومية.

النداءات الدولية والوساطات الإقليمية:
بعد حوالي أسبوع من بداية الصراع، ناشد كل من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان طرفي الصراع لوقف الأعمال العدائية، في نفس الوقت الذي تستمر فيه العمليات العسكرية، والظهور الإعلامي المرتب والمكثف لكل من آبي أحمد من طرف وجبرا مايكل حاكم إقليم التيجراي من طرف آخر، وتلى ذلك مبادرات من دول الجوار، من أوغندا ومن كينيا، للوساطة بين أطراف الصراع، لكن آبي أحمد يعلن أنه قادر على حسم الصراع دونم وساطة من أحد، في حين كان نائبه ووزير خارجيته في مقابلة مع موسيفيني بأوغندا، وفي مقابلة أخرى مع أوهيرو كينياتا بكينيا، كما طلب أوباسانجو النيجيري الوساطة، في حين يسعى التيجراي إلى توسيع دائرة الصراع داخل أثيوبيا ومع إريتريا.
ومن الملاحظ عدم وجود وساطات حتى الآن من الصين أو روسيا الاتحادية.

تقدير أولي لمسار الصراع في إثيوبيا:
وفي تقديرنا أن الأوضاع الداخلية في إثيوبيا باتت معقدة، بل شديدة التعقيد، لأن التحذيرات التي وجهها عديدون لتجنب الحرب الأهلية التي دارت رحاها لم يصغ إليها أحد، والمنتظر لها ألا تنتهي في وقت قريب، وشاهدنا على ذلك الحروب الأهلية السابقة، وكذلك حروب الحدود السابقة مع الجيران، كنا أن الأسباب المعلنة وغير المعلنة للحرب الدائرة الآن، تؤكد على أزمة العقل الأثيوبي الدائمة، في عدم القدرة على حسم الأمور في زمن وجيز، ذلك لأن تركيبة الشكوك بين الأطراف عميقة ومتجذرة وتاريخية، ويتواكب معها النعرات العرقية والقومية المتجذرة في ثقافة القبائل الإثيوبية.
الحرب الدائرة الآن هي حرب تكسير عظام، كل طرف يعمل على تكسير وتحطيم الطرف الآخر وتركيعه ودفعه للاستسلام التام، وكان ذلك واضحًا فى تصريحات زعيم إقليم التيجراي، متهماً الحكومة الفيدرالية المركزية الإثيوبية وأرتيريا وقبيلة الأمهرة، بأنهم يريدون تدمير البنية الأساسية للتيجراي، وأنهم يعدون العدة لذلك من قبل حسب معلوماتهم.
ومن المؤسف حقاً أن آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، يكرر السيناريو الفاشل لمنجستو هيلا ماريام رئيس الجمهورية الأسبق في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، بالإضافة إلى أوهامه وتخيلاته الزائفة بالقدرة على إلغاء القبلية والعرقية من خلال قرارات وقوانين مركزية أو فيدرالية، في دولة وإقليم وقارة معظم سكانها “دينهم القبيلة”، على الرغم من كونه أول من خالف دستور البلاد، الذي يمنح الحق لأي أقلية أن تنفصل عن الدولة الأم، وفي حين أنه يواجه مشاكل مع أبناء قبيلته لاحتجازه معارضين من الأورومو بالسجن و بعد مقتل المطرب الأثيوبي الشاب، يتصور أنه يمكنه استعادة توحيد قبيلته خلفه بتفجير الصراع مع القبائل الأخرى، خاصة مع قبيلة التيجراي.
نحن نشهد حرباً أهلية بدأت في أثيوبيا ودارت رحاها، ولا يمكن التنبؤ بدقة متى تنتهي؟
وحسب مارك توين أحد المفكرين الغربيين:” اذا كانت الكرة الأرضية لها حدود، فإن الغباء الإنساني ليس له حدود ”

*بقلم :الدكتور عبد الفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل الأسبق

التعليقات متوقفه