د. رفعت السعيد يكتب : الطبقة العاملة المصرية في غمار النضال (10)

50

وفي أول مايو 1925 تواصل مجلة الحساب معركتها العمالية لتسأل علي صفحاتها «ما هي المطالب التي يجدر بالطبقة العاملة المصرية أن تطالب بها يوم أول مايو الذي هو رمز النضال المشترك بين عمال العالم الذين يجاهدون في سبيل تحرير طبقتهم وتحسين أحوالهم؟ وتجيب علي السؤال بما يلي: عليها أن تطالب بجلاء الجيش الإنجليزي عن القطر المصري وباستقلال مصر الكامل، وبإلغاء الامتيازات الأجنبية التي تقضي علي حياة البلاد الاقتصادية والسياسية» وبعد هذا البرنامج الوطني الذي يؤكد أن الطبقة العاملة منوط بها خوض المعركة الوطنية جنبا إلي جنب مع مطالبها الاجتماعية والطبقية تأتي المطالب العمالية وفيها: جعل ساعات العمل ثماني ساعات في اليوم، وتحديد حد أدني لأجور كل طائفة من طوائف العمال، وأن تقاوم الحكومة غلاء الحاجات المعيشية الأولية ومعاقبة المضاربين فيها وعلي الطبقة العاملة أن تطالب بحق السكن الصحي والعلاج المجاني ومقاومة البطالة بإنشاء مشروعات عامة في مختلف البلدان لتشغيل العمال العاطلين، وبتوزيع أراضي الحكومة علي فقراء الفلاحين لإصلاحها واستغلالها مع تسهيلها عليهم هذا العمل، كما تطالب الطبقة العاملة بزيادة الضرائب علي نسبة كبر الثروة، وبالتعليم الإجباري المجاني للطبقات الشعبية (الحساب – 1 – 5 – 1925).

إنه وياللدهشة ذات البرنامج المطلبي الذي لم يزل ملحا في كثير من بنوده حتي الآن بعد أقل قليلا من قرن من الزمان، ولعل هذا يوضح صعوبة المرتقي الطبقي في ظل الصراع الاجتماعي المحتدم دوما، ثم تمضي مجلة الحساب في خطابها للطبقة العاملة قائلة «هذه هي المطالب والحقوق الأولية التي يجب علي الشعب أن يطالب بها، وعلي الشعب أن يكون شعاره: نريد أن نعيش في بلاد حرة كمواطنين أحرار، ولكي تصل الطبقة العاملة إلي هذه المطالب يجب أن تنظم صفوفها في هيئاتها ونقاباتها الخاصة بها وإلا فإنها لن تحصل علي شيء» وهنا تحاول الحساب أن تحذر العمال من محاولات البرجوازية لاختراق حركة العمال والسيطرة عليها بل والعمل علي رئاستها، ثم تمضي «الحساب» «علي كل عامل مصري حقيقي أن يقول لنفسه في يوم أول مايو من واجبي أن أسعي لتقوية نقابتي لأتمكن مع رفاقي من وضع مطالبنا والسعي للحصول عليها، يجب أن أعلم أن هيئات الطبقة العاملة المنظمة هي وحدها التي تدافع عن حقوقي فيجب أن أسعي لطرد كل طفيلي غريب عن العمال من أن يندس بينهم لمصلحته الخاصة، علي أن أفعل ذلك كله لأحرر نفسي وزملائي من الانحطاط الخلقي والمعنوي ولأحصل علي حالة معيشية لعائلتي أفضل من حالتها الحاضرة ولأهيئ مستقبلا حسنا إن لم يكن لي فلأولادي».

وكانت هذه الرسالة محاولة جديدة لدفع حركة العمال إلي الأمام ولحث العمال علي الاحتفال ولأول مرة وبشكل مكثف بعيد أول مايو كمحاولة لكسر حاجز الخوف بعد حل اتحادهم العام ومصادرة أمواله وسجن قادته، وفي العدد التالي (الحساب – 8 – 5 – 1925) تقدم الجريدة تقريرا موضوعيا عن هذا الاحتفال جاء فيه «لايزال عمال القطر المصري يجهلون حقيقة وأهمية عيد أول مايو والمغزي الذي يكمن فيه من تضامن عمال العالم بقصد اتحادهم علي المطالبة بحقوقهم وإظهار حقيقة قوتهم المعنوية ويقظتهم ونهوضهم ولذلك فقد مر هذا العيد في جميع أنحاء البلاد دون أن يشعر به أحد، اللهم إلا في أماكن محدودة، ففي العاصمة اجتمع عدد من عمال نقابة ترام القاهرة في دار نقابتهم حيث تكلم أحد المدعوين عن أصل هذا العيد ومغزاه ومراميه، عن تأثيره وفوائده وما جناه العمال من اتحاد كلمتهم علي جعله عيدا عاما لهم» ويمضي «الحساب» «أما في بورسعيد «وكانت بطبيعة الحال تضم عددا من العمال الأجانب» فقد انقطع جميع العمال عن العمل واحتفلوا بعيد العمال احتفالا شائقا إذ أقاموا في حي الافرنج سرادقا واسعا جدا اجتمعت فيه جماهيرهم لسماع الخطب القيمة وقبل الظهر بساعة خرج المجتمعون في مواكب فخمة متلاحقة تتقدمهم الموسيقي وفرقة راكبي الدراجات والموتوسيكلات، وكانت كل فئة من العمال تحمل علمها الخاص بها وقد سارعت هذه المظاهرة الهادئة المفرحة في وسط شوارع المدينة حيث كانت تقابل في كل مكان مرت به بالهتاف وبالتصفيق الحاد، ولم يتعرض أحد من رجال الإدارة للمتظاهرين فلم تقع أية حادثة ولو طفيفة أو بسيطة وهذا أكبر دليل وبرهان علي أن الحوادث التي تقع إبان الاجتماعات الجماهيرية إنما بسببها تعرض قوات الإدارة ومحاولة منعها بالقوة.. بعد أن طافت الجماهير العاملة في معظم أحياء المدينة المهمة حسب البرنامج الموضوع لها من قبل عادت إلي المكان الذي بدأت منه وأخذ أفرادها يهنئون بعضهم بعضا بهذا العيد معربين عن أملهم بأن يروه ثانية ومصر متمتعة باستقلالها حائزة علي حقوقها من غاصبيها والحركة العمالية علي أحسن ما يرام لها من الاتحاد والوئام» (الحساب – 8 – 5 – 1925) لكن «الحساب» تغلق ويسجن محرروها ومراسلوها في الأقاليم وتمضي محاولات البرجوازية والقوي المعادية لاختراق حركة الطبقة العاملة وتأسيس نقابات واتحادات وهمية قامت بها شخصيات هامشية ومحدودة التأثير مثل محجوب ثابت بك وادجار جلاد باشا، وحتي حزب الوفد عاود محاولة اختراق حركة الطبقة العاملة في منتصف الثلاثينيات عبر حمدي باشا سيف النصر، ولعل المحاولة الأكثر أهمية وتأثيرا كانت محاولة النبيل عباس حليم لتأسيس حزب للعمال، فالقصر الملكي بعد شهر تعثر القوي البرجوازية دفع بواحد من رجاله لعله يفلح.. ولم يفلح.. فكيف كانت محاولة النبيل عباس حليم؟

التعليقات متوقفه