الشعب والسلطة …”نفسيات حاكمة وجماهير غاضبة ” لماذا لا يستمع الحكم لمطالب الشعب ويكتفي “بضربه وسحله وقتله”؟

36

تحقيق :نسمة تليمة

كثيرا ما يصادفنا مشاجرة بين اثنين داخل اتوبيس او ميكروباص ورغم ان السبب قد يكون تافها لا يستدعي كل هذا فإن احدهما يظل يصرخ ويحاول تبرير ضيقه من الاخر وأنه المخطئ وانه يجب الا يفعل ذلك “وانه مش ناقصه ” حتي يهدأ الجميع ويأتي المشهد المصاحب للمشاجرة علي السنة الركاب يحمل ألما بسبب الواقع وشكوي من الدنيا والعيش والعيشة واللي عايشينها ،اذا كنت تعتاد ركوب الاتوبيس او المواصلات العامة قد تصادفك مشاجرات اخري اثناء القيادة او حتي سيرك في الشارع وستتاكد من ترتيب مراحل المشاجرة كما سبق ،وقد تتساءل “فيه ايه الناس مش طايقة بعض ليه ؟” الحقيقة ان هناك بداخل كل منا طاقة تخرج علي اشكال مختلفة ،وفي لحظات الانفعال قد تتحول لعنف ،ولاننا اصبحنا في مشهد يمتلأ بالعنف ولا نتحدث هنا فقط عن عنف بدني ومشاهد حية لسحل وضرب وقتل وتعذيب فقط انما هو ايضا عنف لفظي وعنف معنوي من الواضح اني المصري لم يعد يحتمله فقرر هو الاخر التعبير عن غضبه بنفس الطريقة ..،الكثير من التساؤلات هنا نطرحها علي اطباء نفسيين واساتذة علم اجتماع عن العنف وهل هو جديد في المجتمع المصري ؟

يؤكد د.خليل فاضل استاذ الطب النفسي في احدي كتاباته عن شخصية المصري أن هناك خصوصية لنفسية الإنسان المصري؟ ببساطة لأن المصري يتكون من عجين تتمازج فيها مكونات كثيرة متنافرة ومتناغمة متقاربة ومتباينة، تاريخ وحضارة، سياسة وعلاقات داخلية وعربية، طريقة خاصة في التعبير، لغة الجسد، التلويح بالأيدي، طريقة الكلام، الصياح، الصراخ، البكاء، الضحك، إلقاء النكت، النواح، البوح، إمساك الكلام، الوجوم، الحزن الشفيف وذلك الدفين، الألم الذي يعتصر القلب، والذي يشدّ الرقبة والرأس، الإبداع بكل صوره، العنف بكل أشكاله، الطيبة والسماحة، الغلظة والفظاظة، التوتر اليومي الذي كاد أو بالفعل أن يصبح عادة، فقدان الأمن والأمان، التشتت والضياع، الأصول والثوابت، القِيم والمحبة، التواجد والهجرة، الجنون والمجون، الشروخ التي بانت في ظهر البلد، والتجاعيد التي ظهرت علي وجه الشباب، الفرحة والبهجة، التدني في الذوق ومحاولة التمسك بالرقي في المعاملة والفن، الفلوس وما جلبته من مصائب ومن غنائم، انعكاسات التغيرات في مظاهر الشوارع والنجوع والقري، الأطباق الهوائية اللاقطة (الدِشَّات) وهوائيات التلفزيون، ماء الترعة وماء النهر ماء البحر. كل هذا وأكثر مما لا يتسع له المجال يشكل القاعدة الرئيسية لخارطة النفس في مصر.

كما يضيف المصري انبساطي بطبعه وهو أيضاً انطوائي، بمعني آخر أن الظرف يخلق جوّه النفسي العام من فرح ومرح وابتهاج (ليست كل الشعوب كذلك، والإنجليزي مثلاً خير مثال علي ذلك) ، كذلك فإن الظرف يجعله يحزن ويكتئب وقد ينبسط وينطوي في فترة زمنية قصيرة، وقد يكون انبساطه هذا متصلاً مرضياً بمعني أنه نوع من الحيل الدفاعية ، فقد يضحك علي المُحزن ولا يبالي بالذي يدعو للترقب والحذر (تكوين عكسي). كل تلك الأمور تعتمد إلي حد كبير علي الاتجاهات الداخلية والخارجية : الداخلية بمعني عالمه الخاص، رؤاه، أحلامه، خيالاته (فانتازياه)، العوامل الوراثية التي تجري في دمه وتشكل طبعه، والخارجية بمعني درجات تفاعله وردود فعله تجاه الحدث صغيراً كان أم كبيراً، ومدي توحده بما يستمتع به داخل بيته، في عمله، في الشارع وفي الوطن عموماً.

ثورة مسروقة

كل هذا يشكل المصري ذلك الرجل الذي بتابعه لان العالم وهو يحاول استرداد ثورته المسروقة ولكن كيف يري علم الاجتماع مايحدث ؟هذا مايعبر عنه د.سعيد المصري استاذ علم الاجتماع بكلية الاداب جامعة القاهرة والذي يرد علي نقطة اخري تتعلق بالواقع الحالي وتأثر المصري به في ظل هذه التركيبة.

يقول د.سعيد المصري استاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة:ان العنف الجديد مع السلطة لم يكن موجودا في السابق وثورة 25يناير كانت تشكل لحظة فارقة في هذا التطور لانها بدات تكشف لنا عن جزء من العنف الكامن بين الناس والسلطة حتي وان ظهر بشكل غير واضح ولكنه سيظل كامنا ومن الممكن ان ينفجر في اي لحظة فمثلا اذا ضرب مدير الموظف لن يكون رد الفعل القديم ،اما العنف مع الشرطة له والذي بدأ البعض يلوح به الان فلم يكن موجودا في السابق، الرد علي الشرطة بالعنف جديد علي المجتمع المصري لكنه نتيجة كبت مخزون داخلهم ،الاحتجاجات الواضحة في الشارع لم تكن بنفس الحجم القديم .

العنف الذي يحدث في مصر حاليا المرتبط بالاحتجاجات وتوتر العلاقة بين السلطة والناس سيظل موجودا طالما لم تدرك السلطة الفرق الجوهري بين الاحتجاج كتعبير ديمقراطي والاحتجاج كمظهر للفوضي اجرامي يجب مقاومته بالعنف والمشكلة ان الاحتجاجات الحالية هي جزء من التعبير الديمقراطي عن الرأي والدول الديمقراطية التي مرت بالتحول الديمقراطي تدرك الفرق بين الفوضي او انه جزء من الحقوق وبالتالي نحتاج الي دراسة الاحتجاجات لان مصر مرشحة لكثير من الاحتجاجات في الفترة القادمة واذا مصر واجهتها بنفس الاسلوب سيكون مشكلة كبري، ونحن نحتاج إلي أن نفهم انه ليس شكل ارهابي اما عن البلاك بلوك فيري “المصري ” ان هذه الحركة

هي جزء من تطور الاحتجاج المفروض تتم دراسته لانه نتاج طبيعي للاحداث التي حدثت في الاتحادية وتجاوز البعض السلطة وتنصب من نفسها سلطة وتعطي الحق لنفسها لضرب المتظاهرين والقبض عليهم ولم يحدث اي محاسبات او محاكمات النتيجة الطبيعية ناس تطل علي تطوير الاحتجاجات بشكل اخر .دولة فاشلة يسفر في النهاية عن تطور دراماتيكي جدا في الاحتجاجات يصل الي حد عدم ادراك المحتج للشكل الديمقراطي للاحتجاج والشكل غير الديمقراطي وهو ما يحدث الان ويحتاج الي دراسة حتي تفهم السلطة ان الاحتجاج شيء طبيعي.

الانسان اذا شعر ان حقه سيحصل عليه وهناك منافذ ديمقراطية للتعبير عن الرأي العنف سيتقلص.

الدول الديمقراطية في تعاملها مع دراسة الاحتجاجات وضبطها ليس بمعني الحلول الامنية ،هناك عدة وسائل للتعامل مع الاحتجاجات بشكل رائع، مثلا إحدي النصائح لتهدئتها طالما انه في اطاره لا تجعله يتجاوز هذا الاطار بمعني أدرس اوضاع المحتج واقوم باجراءات عادلة، هنا لم اجعل الاحتجاج يتصاعد ايضا لاتجعل الاحتجاج يصل لمستوي المجال العام “يعني الصحافة والشارع “هنا اطرافه تزيد والحكومة تكون غير قادرة علي مواجهته “التباطؤ والتطنيش والاستهبال” خطأ سياسة خليهم يتسلوا او خليهم يتسلوا وفيها نوع من التعالي وعدم القدرة علي الفهم

كل هذا يجعل طاقة الاحتجاج تؤدي لتراكم في الوجدان والوعي وادوات التصعيد بتزيد ويري “المصري ” ان ذلك نتيجة عدم وجود نية خالصة للتحول الديمقراطي .

مخزون العنف

ويحذر في نهاية حديثه ان لدينا مخزونا رهيبا من العنف في المجتمع المصري كامنا وللاسف لا وسائل لترويضه او تفريغه وخطورته انه في النهاية يمكن أن يخرج في شكل مفاجيء بين الناس وبعضها او الناس والسلطة لا يمكنني التفسير لان المواطن ليس شيئا واحدا وعلاقة الناس بالقهر ليست واحدة هناك من هم علاقتهم بالقهر حساسة جدا ،وهناك من يعتاد القهر .

ويري د.هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الازهر ان مصر حاليا تعيش فترة خطيرة وانه من المفترض ان الحاكم الحالي من الشعب ويعلم مكوناته وطاقاته فلا داعي لان يدرس الشعب ولكن هناك مايسمي علم النفس السياسي الذي يتسق مع فكرة جمال حمدان “شخصية مصر ” وانه يمكننا قراءة شخصية المصري من هذا المنطلق وكيفية تأثير الظروف فيه وكشف “بحري “ان المشكلة الحقيقية هي أن حكام مصر فشلوا في قراءة “شخصية المصري ” ولهذا لم يحسنوا التعامل معه وكلاهما ظل ساخطا علي الاخر ونبه الي تعامل بعض الوزراء الان وسابقا مع الناس من منظور متعال وبرر “بحري ” العنف الحالي في الشارع المصري لان خطوات التفاوض مع الحكومة فشلت فلا وساطة جيدة، القضاء معطل والنائب العام غير معين فلجأ المصري للخطوة الرابعة وهي العنف والذي قد يزيد الفترة القادمة لانه سيكون الحل الوحيد للتفاوض في نظر المحتجين ، ويضرب مثلا بالبلاك بلوك الذي اعتبره شبابا عاديا ثوريا قاموا بدور في الثورة ثم شعروا بالتهميش ورأوا ان كل شيء في الدولة “مقنع ” وهناك انعدام للشفافية فلجاوا الي ارتداء القناع لانه جزء من غموض الدولة ويحذر د.هاشم من الضغط علي الناس ويطالب بالاستماع لمطالب الشعب وليس ضربهم واعتبارهم اعداء الوطن ،ويؤكد ان هناك تداعيات خطيرة لكل مايحدث الان من مشهد نفسي سييء علي الجيل الحالي وانه يحتاج الي تأهيل نفسي المرحلة القادمة .

ويختتم د.قري حفني استاذ علم النفس بجامعة عين شمس الحديث مؤكدا ان السلطة الحالية تمارس عنفا والشارع يرد بعنف وكان من المفترض سابقا انه معروف ان الدولة هي المحتكر للعنف وحذر مما يحدث وطالب بحساب ردود افعال الجماهير الغاضبة .

التعليقات متوقفه