ماجدة موريس تكتب :جاجارين كان هنا

634

جاجارين كان هنا

ماجدة موريس

وقفت الجموع التي جاءت من كل مكان وعيونها تتجه ناحية المبني السكني العملاق، بل المجمع الذي احتل هذه المنطقة من العاصمة، باريس، والذي شهد حيوات كل هؤلاء الناس الواقفين الآن ليشهدوا نهايته بعدما قررت السلطات هدمه، وفجأة، تتذكر «يارا» «حسام» أن «يوري» غير موجود، وأنه قد يكون بداخل المجمع الذي سوف يهدم، وفورا يخرج الاثنان من بين المحتشدين جريا الي الداخل، والي تضاريس المكان حيث شقة يوري التي رفض تركها، حتي مع رحيل أمه الي سكن جديد، وظل وحده لا يفارقه حلمه القديم، والمتجدد، بأن يبقي في حوزة «جاجارين» وحلمه بأن يذهب للفضاء يوما مثله، وهو الذي سمي علي اسمه وعاش حياته يحلم به، ويخترق الشاب والفتاة المكان المحاصر بسلطات الأمن، وتقودهم معرفتهم به إلى شقة يوري فلا يجدانه وانما يكتشفان وجوده مقيدا بمعدات وأجهزة وبذلة تشبه ما يرتديه رواد الفضاء وملقيا، منهك القوي، علي البناية بعد أن تمكن من الصعود، وتتعالي صرخاتهما فرحا، ويتسابق الكثيرون من المحتشدين في الشارع للصعود لرؤية الشاب الجميل الذي كان أخلصهم للمكان الذي أواهم واحتوى حياتهم بكل ما فيها، وفِي لقطات مذهلة، وموجعة، تأتي الأوامر لهم بالابتعاد، لنري علي الشاشة عملية هدم ونسف المجمع، الذي كان، ومعه ذكريات مرحلة تاريخية مرت بها فرنسا سياسيا في علاقتها بروسيا التي كانت أول من اطلق رائدًا للفضاء وهو«يوري جاجارين» في ستينيات القرن الماضي، وتكريما له أطلقت الحكومة الفرنسية وقتها اسمه علي مشروع سكني جديد لمن لا يقدرون علي أسعار المساكن، وجاء «جاجارين» بنفسه ووضع حجر الأساس في احتفال كبير عام 1963 كما في المشهد الأول لهذا الفيلم الرائع الذي عرض مساء الاثنين ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين، والتي تنتهي مساء الغد، وأهمية هذا الفيلم هنا في جمعه مابين الواقع والخيال، وبين قضية بدأت من التوافق السياسي، وتطورت لتمس حياة البشر الاجتماعية إلي ان تعود السياسة لتفسد هذه الحياة او تحاول قطعها وهو ما حدث مع سكان مشروع «جاجارين»، الذين عاشوا علي هذه الذكري، «وهذا هو الجزء الواقعي في الفيلم، ومعه قرار الإزالة بعدما رأي المختصون ان المجمع لم يعد صالحا للحياة وقرروا هدمه»، أما ما قدمه الفيلم من خلال المخرجان «فاني لياتار» و«چيرمي ترول» فهو البحث عن الناس في هذه القصة، وماذا فعلوا، وكيف تأثروا بالسكن في مشروع باسم أشهر نجوم العالم وقتها، وكيف سمي أحدهم ابنه علي اسمه وكبر الطفل ليحلم بأن يصبح بطلا، وبأن يخدم من حوله وأن يتحول لأيقونة محبة وتعايش. أن ابطال هذا الفيلم غير الفكرة التي طورها مخرجاها من فيلم تسجيلي قصير عام 2014 الي فيلم روائي طويل بعد سبع سنوات هم الممثلون الشباب الذين عبر من خلالهم المخرجان عن مرحلة من التعايش جمعت بين كل ألوان وخلفيات البشر في هذا المجمع السكني، وقربت بينهم، حتي بعد التباعد وقرار الهدم «ومن هنا جاءت أهمية هذا الفيلم الذي شارك في كتابته مع مخرجيه «بنجامين شيربت» واستطاع مصوره «ڤيكتور سيجين» ان يقدم صورة حية نابضة بكل المعاني علي المستويين العام والخاص، وأيضا «دانيال دايمون» المونتير الذي اجاب عن أسئلتنا كمشاهدين بمرونة فائقة وهو ما رفع درجة التفاعل مع الفيلم وأبطاله «الذين لا نعرفهم وليسوا من أهل الشهرة» الي أقصي درجة، وبدا الإعجاب الكبير به موازيا للتصفيق وحضور الندوة لسماع المخرجين واكتشاف المزيد من التفاصيل عنه أنه فيلم عن قضية عامة، لكن الانسان هو هدفه الأساسي وهذا ما استطاع مخرجاه التعبير عنه وبجدارة.

التعليقات متوقفه