أمينة النقاش تكتب:ليس دفاعا عن عمرو موسى

492

ضد التيار
ليس دفاعا عن عمرو موسى

أمينة النقاش

حملة النقد التى رافقت نشر صحيفة الشرق الأوسط لسبع حلقات موجزة من الجزء الثانى من مذكرات عمرو موسى “كتابية” الذى حمل عنوان «سنوات الجامعة العربية»، لم تنتظر الاطلاع على الكتاب، رغم صدوره قبل بضعة أسابيع عن دار الشروق. بل أن بعض من شارك فى تلك الحملة، امتلك الجرأة للقول أنه لم يقرأ الكتاب، لكنه قرأ فقط رد «ناجى صبرى الحديثى» آخر وزير خارجية للعراق قبل الغزو الأمريكى، على ما كتبه عمرو موسى.
وفى رده ينفى «الحديثى» ما ذكره «موسى» عن لقاء تم بينه وبين صدام حسين، لإقناع الأخير بعودة المفتشين الدوليين إلى العراق تجنبا للحرب عليه. ومن ثم أشرع هؤلاء سيف النقد، وتنقلوا من الهجوم على شخص موسى، وما وصفوه بنرجسيته وشغفه بالاستعراض السياسى والطعن على مصداقيته، دون تفرقة واجبة بين أن يكون الشخص واثقا فى نفسه، معتزا بقدراته وخبرته المهنية المتراكمة، وبين ما ذهبوا إليه، إلى الهجوم على عصر مبارك بأكمله، وتحميله المسئولية كاملة عن غزو العراق واحتلاله، لماذا؟ لرفض السياسة المصرية الغزو االعراقى للكويت، والمشاركة فى تحريرها، واعتراضها على السياسات العراقية المغامرة، التى لم تكن تحسب جيدا،حساب خطر الأطماع الاستعمارية الغربية فى ثرواتها.
كلهم ملائكة، ماعدا عمرو موسى، وما حمله على كاهله من تاريخ للسياسة المصرية والعربية على امتداد نحو خمسين عاما، كان شاهدا عليه ومشاركا فى صنعه. ولو أن الوزير الحديثى تمهل ليقرأ الكتاب، لوجد أن كثيرا مما أنتقد غيابه فى رواية عمرو موسى لزيارته لبغداد ومقابلته لصدام حسين، وما اعتبره نقاطا مغايرة للحقيقة، قد ورد فى الكتاب موثقا بشهادات من حضروا المقابلة. ومنه على سبيل المثال أنه هو من رتب لزيارة موسى، واستقباله وما غير ذلك من تفاصيل شكلية، أوغل رد الوزير الحديثى فى التوقف عندها، مع أنه لا تعارض، بين أن يكون الأمين العام للجامعة العربية، بحكم موقعه الوظيفى، يفكر فى زيارة العراق والحرب على أبوابه، وأن يبحث الزيارة مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومع غيره من قادة الدول، لاستئناف عمل المفتشين الدوليين وتجنب الحرب، الذين كان وقف العراق عملهم ذريعة للغزو، وبين أن الوزير الحديثى هو من رتب لتلك الزيارة.
قبل شهور من الغزو الكويتى للعراق، التقى الرئيس مبارك كما هى عادته، بعدد من الكتاب والمثقفين على هامش أعمال المعرض الدولى للكتاب بالقاهرة، وروى لهم أنه اتصل بالرئيس العراقى «صدام حسين» وقال له دع المفتشين الدوليين يعودون للعراق، ويدخلون القصور الرئاسية لكى يتأكدوا خلوها من اسلحة الدمار الشامل كما يدعون. لكن الرئيس صدام رفض وقال للرئيس مبارك: هذا اعتداء صريح على السيادة الوطنية، فقال له الرئيس مبارك، أو ليست الحرب على العراق عدوانا على السيادة؟ فرد الرئيس صدام نحن لها!.
الأغلب الأعم أن السخط الذى انطوى عليه رد الوزير الحديثى، مبعثه الوصف التفصيلى، الذى اورده الكتاب لمقابلة موسى مع الرئيس صدام، وما بدا من غضبه وحدته، تعقيبا على رفض الرئيس صدام لعودة المفتشين الدوليين، وهو ما أكدته شهادة احمد بن حلى الأمين العام المساعد للجامعة المكتوبة والصوتية، باعتبار أن تلك العودة تشكل، من وجهة نظره، انتهاكا لسيادة العراق وحرمة أراضيه، وهو ما اعتبره موسى عدم تقدير من القيادة العراقية لحجم المخاطر التى كانت تحدق ببلادها.
ولعل الوزير الحديثى واحد من كثيرين ممن يقدسون صدام حسين، ولا يقبلون عليه ما يخل بتلك القداسة، حتى لو كان ذلك هو قول الحقيقة. ولو أن صدر الوزير الحديثى كان متسعا، لرأى الجانب المشرق فى هذا الغضب العارم، وهو خوف عمرو موسى على العراق، وفزعه مما كان مرسوما له فى دهاليز السياسة الأمريكية، وهو ماحدث بالفعل.
بعيدا عن الترصد، الذى يكمش تحت الجلد، وينفجر سيولا عشوائية تتناثر فى الفضاء العام، مع كل سجال بين مسئولين عربيين، أقول، بعيدا عن كل ذلك، لا يستطيع أحد أن ينكر، أن «عمرو موسى»، هو واحد من أبرز الدبلوماسيين فى الساحة العربية، وأكثرهم حضورا وألقا، إن كان ذلك فى موقعه، كوزير للخارجية المصرية «1991-2001» أو أمين عام للجامعة العربية «2001-2011». وكتابه الجديد «سنوات الجامعة العربية» وثيقة هامة لفترة مصيرية فى التاريخ العربى، تبرز كيف تلاعبت القوى الغربية بالمصالح العربية، لتحفزنا على التعلم من أخطائنا، وليس التنابز بالألقاب!.

التعليقات متوقفه