أشرف بيدس يكتب:سواق الأوتوبيس -1982

616

*أشرف بيدس يكتب:سواق الأوتوبيس -1982

المخرج عاطف الطيب- هاديراما للإنتاج والتوزيع والإعلام- قصة : محمد خان – بشير الديك- الموسيقي التصويرية : كمال بكير- مدير التصوير : سعيد شيمي- بطولة: نور الشريف – ميرفت أمين- عماد حمدي- نبيلة السيد- وحيد سيف- زهرة العلا- حسن حسني- عزيزة حلمي- علي الغندور- ليلي يسري- محمد شوقي- علية عبد المنعم- صفاء السبع- شعبان حسين- حمدي الوزير- محمد كامل- سمير وحيد- المنتصر بالله- هدي كمال- عبد الله محمود- عبده الوزير- أحمد شبكة- والطفل شريف عبد الحميد- تاريخ العرض: 11 يوليو 1982 -مدة الفيلم 108 دقائق.
جاء فيلم “سواق الأتوبيس” في الترتيب (8) في قائمة أفضل مائة فيلم مصري, وحصل في استفتاء أفضل مائة فيلم عربي علي الترتيب (33), وفي استفتاء مكتبة الاسكندرية 2007 لأفضل مائة فيلم جاء في الترتيب (72) والتي اختارت علي أساس عام انتاج الفيلم, من الأقدم للاحدث, عرض الفيلم داخل مصر في 15 احتفالية, منها ليالي الإسكندرية السينمائية, ومهرجان القاهرة السينمائي, وأسبوع أفلام نور الشريف, ومهرجان جمعية الفيلم, كما اشترك في ثلاث مهرجانات دولية, مهرجان قرطاج السينمائي وحصل مخرجه عاطف الطيب علي جائزة, ثم عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان نيودلهي السينمائي وحصل نور الشريف علي جائزة الطاووس الفضي كأحسن ممثل, ثم عرض في مهرجان مانيلا السينمائي.
نموذج “حسن” سائق الأتوبيس ليست شخصية خيالية, بل هي من قلب مواقف الأتوبيسات, وكثيرون منا رأوا “حسن” وتعاملوا معه وشعروا بشهامته ورجولته, ورغم ما حاق به من مآس واحتياج جعله يفقد سبل الراحة والرفاهية, لكنه لم يفقد أصالته واحتفظ بكرامته ولم ينزلق لقاع الاغراءات, أنه واحد من البسطاء الذين يقفون في أول الصفوف عند الكوارث, وآخر من يقف في طوابير الغنائم.. وهو أيضا من الذين يحتفظون بسمات الشخصية المصرية الاصيلة التي لم تغيرها الظواهر والتقليعات والثقافة الاستهلاكية التي اجتاحت المجتمع.
حكي بشير الديك عن الفيلم : فيلم “سواق الأتوبيس”، كان معروضا في البداية على عادل إمام، لكنه رفض حتى قراءة السيناريو، فبعد أن روىت له قصة الفيلم، ومن هو حسن سواق الأتوبيس، وصف عادل الشخصية بأنها سلبية ولا تحرك الأحداث، وبمجرد أن عرض الفيلم على نور الشريف تمسك به، قائلا “هو ده”.. وقال عاطف الطيب: “حطمت قيودي” كان عنوان السيناريو الأصلي له، وفي أثناء التصوير شعر فريق العمل أن العنوان غير مناسب، فاقترح نور الشريف “سائق الأتوبيس” اسما له، لتضيف نبيلة السيد تعديلا بسيطا وتقترح “سواق الأتوبيس” بدلا منه، لينال رضا صناعه، ويصبح الاسم النهائي للفيلم.
كتب سامي السلاموني في مجلة الكواكب : “يذكرني “سواق الاتوبيس” والقياس مع الفارق- “بزوربا اليوناني” الذي اتصوره دائما نموذجا لحل “المعادلة الصعبة” في تقديم الأفكار الإنسانية والعميقة بأسلوب جماهيري يصل إلي أبسط متفرج في أي مكان.. وبأكثر الأدوات السينمائية تقدما, ولكن بلا تعقيد ولا افتعال. فالفكرة في “سواق الاتوبيس” إنسانية بالمعني الواسع.. بل إنها “ترديدات” في الفنون العالمية: أسرة بسيطة يصاب عائلها بانكسار ما يهدد بنهايته ونهاية الأسرة كلها, وسلوك الأبناء تجاه هذا الموقف بكل التمزق والانهيار الذي أصاب هذه الأسرة, فأدي إلي تفككها وأنانيتها لولا صمود فرد واحد مازال يحمل قيم الأسرة القديمة ويحاول مقاومة هذا الانهيار.. هذا الخط السياسي يمكن أن ينطبق علي تركيب أي أسرة في أي مجتمع وفي أي مرحلة.. من أبسط المجتمعات إلي أكثرها تقدما.. ومن تراجيديات شكسبير وإلي محمد خان وبشير الديك مؤلفي قصة “سواق الاتوبيس”.. وتختلف المعالجة فقط في تحديد ظروف كل عصر وكل مجتمع التي تحيط وتؤثر في كل أسرة وتصنع خيوط هذا التفكك والانهيار.. وهنا يصبح “سواق الاتوبيس” مصريا تماما رغم إنسانية أو عمومية الفكرة.. فكل ما يحدث فيه هو أشياء من القاهرة التي نعرفها ونعيشها.. وشخصيات نلتقي بها في الطرق والزقاق الضيق وفي البيت المجاور.. في دمياط وبورسعيد ومدن مصرية أخري.. وهم يتحدثون لغة نعرفها وحول مشكلة يمكن أن نفهمها ونحس بوطأتها لا علي كاهل بطلها حسن فقط وإنما علي كواهلنا جميعا.. وإذا كان “سواق الأتوبيس؛ قد اندلع كالشرارة كما قلت كل هذا الاندلاع الذي ألهب مشاعر وعقول كل هؤلاء الذين مازالوا يملكون حسا متيقظا وضميرا قلقا وقادرا علي اليقظة.. فليس لأنه معجزة في الواقع ولا لأنه يحدثنا بجديد ومبتكر لا نعرفه في حياتنا.. وإنما لأنه علي العكس وبالتحديد يحدثنا عما نعيشه كل يوم, ولكن لا ننتبه إليه أو علي الأقل لا نراه في سينما تحدثنا عن أشياء أخري تبدو قادمة من كوكب آخر.. أن سر “سواق الاتوبيس” البسيط جدا وما يجعله يبدو قويا وجديدا هو انه يحدثنا عنها بمرارة ولكن بوعي وبصدق وحرارة لا تدعي ولا تخطئ ولا تفتعل.. ولذلك فأنت في هذا الفيلم تحس أنك مأخوذ إلي جو غريب وجديد ومختلف لأنه – وتصوروا المفارقة- هو جو بيتك وعائلتك ولا شيء آخر!”.
كثيرا ما حدث في بيوتنا المصرية والعربية أن اجتمع الإخوة ليتناقشوا في ميراثهم، وتنوعت الآراء ما بين طامع جشع صوته عال، وعادل منصف صوته منخفض، وكثيرا أيضًا استطاع الطامعون أن ينقضوا علي حقوق أخواتهم، وغالبا ما كان يحدث ذلك من الذكور تجاه الإناث، لكن في فيلم “سواق الاتوبيس” تحاول الزوجات من خلال ازواجهن الانقضاض علي حقوق الأب والأم والأبن بحجة المنفعة للجميع.. يجتمع الأب والأم في وجود البنات وأزواجهن والابن الوحيد يتناقشون فيما آلت إليه الأمور في محاولة للخروج من الأزمة، ويتضح أنهم أتوا للحصول علي ميراثهم في حياة أبوهم، عملا بالمثل العامي “ان خرب بيت أبوك خدلك منهم قالب”.. يقسم عاطف الطيب “القعدة” علي جبهتين. قوي الشر تتكون من البنات الثلاثة الكبار وأزواجهن الذين لا هم لهم سوي الحصول علي الورشة والبيت في ناحية، وجبهة الخير : الأب والأم والابن والاختين الصغيرتين في الناحية الأخري، ورغم ضيق المكان لكن جلستهم كانت عبقرية تكشف عن مواقفهم.. الملفت في المشهد أن الشخوص التي لم تتدخل في الحوار، كانت تعبيرات وجهها وانفعالاتها شديدة الأهمية كرد فعل لما تسمعه، وكان لهم نصيب من تجول الكاميرا في المشهد، بدا علي فريق الشر الهدوء المصطنع، بينما فريق الخير كان منفعلا وحادا في كلامه وانفعالاته من استفزازات البعض، بينما الأب في حالة ذهول مما يحدث.. والأم لم تشح وجهها عن الأب الذي اصابه الاعياء مما يحدث, في مشهد جامع لكل الحضور لم يكن أمام الكاميرا سوي أن تظهرهم من فوق، وهو كادر عبقري وموح باللمة، لكن نزول الكاميرا يكشف التفكك الذين يعيشون في رحابه بعد أن تكشفت النوايا وفضحت عوراتهم الاخلاقية..

التعليقات متوقفه