د. رفعت السعيد يكتب : الطبقة العاملة المصرية في غمار النضال «11»

52

ولكننا نتوقف هذه المرة أمام كتاب فريد كتبه عمال نسيج سجناء في سجن الخارجة عام 1957 وتم تهريبه مكتوبا علي ورق البافرة وظل يتنقل حتي استقر علي أرشيف حدتو في أحضان أرشيفات معهد الدراسات الاجتماعية بأمستردام، ثم نشر في بداية عام 2013، مطبوعا علي يد د. أحمد القصير بعنوان «حدتو.. الوعي النضالي والسياسي لعمال النسيج 23 – 1956 تأليف محمد شطا وأحمد خضر وآخرين، تحرير وتقديم د. أحمد القصير» ونلتقط بعضا مما تذكره عمال مناضلون «منذ حل اتحاد العمال عام 1924، سلكت النقابات مسلكا جديدا هو عدم الشرعية القانونية مع الاستمرار في تأسيس نقابات وإن كانت غير قانونية» وفي 1936 طالب عمال النسيج الميكانيكي بحقهم القانوني في تأسيس نقابة لهم وفي عام 1942 قاد محمود العسكري إضرابا شمل كل عمال شبرا الخيمة مطالبين بحقوقهم النقابية، استمر الإضراب أسبوعا ثم اعتصم المضربون في النادي السعودي، وبعد أن طردوا بالقوة، أضربوا عن الطعام بدار النقابة غير المعترف بها ولم يتوقفوا عن الإضراب إلا بعد إقرار البوليس بفتح شرعي لمقر النقابة الأمر الذي لعب دورا مهما في إصدار قانون النقابات عام 1942.

وتمضي صفحات الكتاب لتقول «وفي المحلة الكبري قاد النضال عمال تقدميون منهم مصطفي محمد ومتولي النبوي ومحمد الكافوري وغيرهم وقد اتبعوا أسلوبا فريدا في 1941 فقد شكلوا نقابة سرية باسم «المملكة» وأطلقوا علي أعضاء مجلس إدارتها اسم «الوزراء» وفي عام 1942 كانت النقابة جاهزة وتحولت فورا للعمل العلني في مقر علني.

وإذ انضم العديد من عمال شركة المحلة إلي النقابة لجأت الشركة إلي أسلوب شديد الدهاء ففيما توجهت جموع العمال لمقابلة وزير الشئون الاجتماعية عبدالحميد بك عبدالحق، اندفع عدد من عملاء الشركة بالهجوم عليه وشتمه وقبض البوليس علي 30 من القادة الشرفاء للعمال ومنهم فكري الخولي، محمد عبدالجواد، محمد عبدالغفار، عبدالحفيظ بيومي، وأحمد شرف الدين وحكم عليهم بالحبس شهرين بينما لم يقبض علي أحد من عملاء الشركة (ص98).

وفي دمياط خاض العمال معركة قوية في شركة اللوزي بقيادة العامل محمد وهدان وسجلت نقابتهم وفي الإسكندرية تكونت عدة نقابات مصنعية، كما ساهم عمال النسيج في دعم عمال المهن الأخري في تشكيل نقاباتهم وتأسيس النقابات المهنية وتأسيس الاتحاد العالمي للنقابات، وبفضل جهود العاملين أحمد خضر ومحمد البرنجي وهما من عمال النسيج تشكلت نقابة عمال الجزارة ونقابة (1948) ونقابة عمال باتا (1946) وفي الإسكندرية ساهمت كوادر عمال النسيج في بناء نقابة عمال الشحن والتفريغ.. ومن المهم الإشارة إلي دور النقابيات النشيط في عدد من النقابات ومنهن توحيدة محمد، فوزية عبدالجواد وحياة محمد وحكمت الغزالي، وكان عمال النسيج هم أول من أسس الاتحاد المهني لعمال النسيج وملحقاته بالقطر المصري وانضم إليه مندوبون عن نقابات القاهرة وشبرا الخيمة وحلوان ودمياط والإسكندرية (ص101).

وطوال فترة الثلاثينيات والأربعينيات استمر النضال الاقتصادي لعمال النسيج «فعمال شركة الغزل الأهلية بالإسكندرية خاضوا معارك إضرابية شجاعة منها إضراب عام 1936 واعتصم العمال بالمصنع حتي نجحوا في رفع الأجر اليومي من 6 قروش إلي 12 قرشا وخفض ساعات العمل من 14 ساعة يوميا إلي 12 ساعة، أما المحلة الكبري حيث بدأ تشغيل المصانع عام 1930 فقد كان العامل يعمل أكثر من شهرين دون أجر ثم يتحدد أجره اليومي ما بين قرش ونصف وقرشين ونصف وساعات العمل تتراوح بين 14 و16 ساعة يوميا، وعمدت الشركة إلي تمزيق شمل العمال بالسعي نحو توجيههم لتشكيل تجمعات إقليمية متناحرة فأبناء المنوفية والغربية والدقهلية وهكذا كل مجموعة لها قهوة خاصة بها وقيادة وحتي أسلوب خاص في تفصيل الجلابيب والطاقيات، ويتعمد عملاء الشركة إشعال الفتن بين هذه المجموعات، ولكن الظلم استطاع في نهاية الأمر أن يتغلب علي عوامل الفرقة، وأصبحت هذه التجمعات وسيلة سهلة لتوحيد قيادات هذه المجموعات حول مطالب محددة.

وفي عام 1933 نظم العمال إضرابهم الأول مطالبين بخفض ساعات العمل وزيادة الأجور، وفشل الإضراب بسبب نقص الخبرة وضعف آليات توحد العمل وقبض البوليس علي قيادات الإضراب وحكم علي عدد منهم بالحبس أربعة أشهر وفصل آخر وزاد تعسف الشركة وزادت الغرامات، لكن العمال ما لبثوا أن نظموا إضرابا آخر في عام 1937 محتجين علي زيادة الغرامات وعلي عقوبة ضرب العمال وطالبوا بخفض ساعات العمل وزيادة الأجور، وهاجم البوليس المضربين وقبض علي عدد كبير منهم وحكم علي 30 بالسجن ستة أشهر، ويعاود العمال استعدادهم من جديد لإضراب جديد (ص110).

ولأن فترة الحرب العالمية الثانية كانت فترة ازدهار لصناعة النسيج لتغطية مطالب جيش الاحتلال والاستهلاك المحلي بعد توقف الواردات، فزاد عدد العمال وتساهلت الشركات إزاء مطالب العمال خوفا من تركهم العمل والاشتغال في كامبات الجيش البريطاني، ثم ما لبثت الأمور أن تعقدت مرة أخري، انتهت الحرب وزادت الواردات وأغلقت عدة مصانع وعاد عمال الجيش البريطاني.. فزادت البطالة وانخفضت الأجور وكانت بداية نضال عمالي جديد ومتجدد.

وفي عام 1951 كان العمال أكثر نشاطا في صفوف الحركة الوطنية إذ شاركوا وبكثافة في المظاهرات المطالبة بإلغاء معاهدة 1936، وبناء علي دعوة نقابة عمال النسيج بالقاهرة وضواحيها احتشدت مظاهرة ضمت آلاف العمال.. أمام مسجد أبوالعلا في بولاق وطافت المظاهرة لمدة ساعتين في شوارع وسط القاهرة هاتفة بسقوط معاهدة 1936 وبالكفاح المسلح طريق الخلاص والكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني، ثم اتجهت إلي البيت الأخضر «مقر الحزب الاشتراكي» حيث شاركت في المؤتمر الشعبي الكبير الذي دعت إليه جبهة من الأحزاب والقوي السياسية وأنصار السلام.

التعليقات متوقفه