أمينة النقاش تكتب:دلال وديد مناضلة من طراز خاص

615

ضد التيار
دلال وديد مناضلة من طراز خاص

*أمينة النقاش
تهل علينا دلال وديد فى الاجتماعات والمؤتمرات والمظاهرات، والجلسات الودية تسبقها بفرح طفولى ابتسامة دائمة لا تفارق أبدا وجهها البشوش الطيب الجميل ، المفعم بمشاعر من الود،تعم على كل من حولها ،حتى لوكانت لا تعرفهم بشكل شخصى .كانت مساهمتها فى النقاش داخل الاجتماعات التى تجمعنا بها فى حزب التجمع، تعكس طبيعة شخصيتها المتزنة الوقورة ،التى تتسم بالقدرة على صياغة فكرة واقعية ،تخدم الهدف العام الذى يبتغيه النقاش ويأمل فى تحقيقه . لم تكن دلال منشغلة بتسجيل المواقف الاستعراضية الصارخة،التى تريح ضمائر البعض وتشعرهم بالرضا ،والتى تقول كل شىء،ولا تفعل شيئا ،كانت معنية بالتوصل إلى إنجاز .
اكتسبت دلال تفكيرها العلمى والعملى المنضبط من مهنتها كمهندسة معمارية تسعى للكمال والجمال فى البناء الذى ترنو إلى تصميمه خيالا ورسما على الورق ، ثم ما تلبث أن تمنحه الحياة ،ليغدو فيما بعد بناء شامخا على أرض الواقع .
تفتح وعى دلال وديد السياسى مع اندلاع الحركة الطلابية فى سبعنيات القرن العشرين التى شاركت بكل عنفوانها فى أحداثها ، وتم اعتقالها أكثر من مرة، مع أقرانها ممن اعتصموا فى الجامعات وخرجوا إلى الشوراع وباتوا فى ميادينها يطالبون بحرب تحرير وطنية لاسترداد سيناء المحتلة,وأمل دنقل يخاطبهم فى كعكته الحجرية : دقت الساعة القاسية، وقفوا فى ميادينها الجهمة الخاوية، واستداروا على درجات النصب،شجرا من لهب ، تعصف الريح بين وريقاته الغضة الدانية ،وتئن ..بلادى بلادى .
ساهمت دلال داخل نقابة المهندسين وخارجها وفى حزب التجمع فى كل الأنشطة الساعية لعدل ميزان الكون المختل فى وطنها ،الذى كانت قد انقلبت فيه كل المعايير، بفعل ما بات يعرف بالانفتاح الاقتصادى ،الذى نهب مصر ،وأفقر شعبها ، وأضحى فيه الثراء معيارا للمواطنة ، حتى لوجاء بطرق غير مشروعة !
فرصتان أتاحهما نظام عبد الناصر لدلال ولكل فقراء مصر،التعليم المجانى الذى أضحى كما دعا العميد طه حسين كالماء والهواء ،ولولاه ما تمكنت من الالتحاق بكلية الهندسة ، فضلا عن نظام تكليف خريجى كلية الهندسة للالتحاق بالعمل فى قلاع الصناعة الوطنية الثقيلة فى أنحاء البلاد لتنفيذ خطط التنمية .وتقديرا لكفاءتها المهنية ،تم تكليفها قبل أشهر قليلة من رحيل عبد الناصر بالعمل فى وزارة الإسكان .
شاركت دلال وديد فى تأسيس اتحاد النساء التقدمى فى المؤتمر العام الأول لحزب التجمع فى ثمانينات القرن الماضى ،وكانت واحدة من أبرز وأنشط قياداته ، كما أعادت تشكيل أمانته العامة فى مؤتمر الحزب الأخير قبل نحو عامين .ولقد شرفت فى العام 2009بالعمل مع دلال وديد والمهندس أبو زيد راجح فى لجنة مصغرة لإعداد البرنامج النوعى لحزب التجمع عن العمران والإسكان فى مصر، فى سياق جهود الحزب لتقديم رؤى جديدة وحلول واقعية لمشاكل مصر المتراكمة عبر عقود . وفى تلك الاجتماعات ،كشفت دلال عن عمق رؤيتها للمشكلة السكانية فى مصر بكل أبعادها ، ووجهت نظر اللجنة إلى أن الأرض فى بر مصر يجب أن تكون وسيلة للتنمية، وليست مجالا للمضاربة والتربح السريع ، وأن الأرض يجب أن تظل ملكا للدولة المصرية ،تبيعها وفق شروط معينة بحق الانتفاع لمدد محددة ،لأن ملكية الدولة والمجتمع للأرض ، سوف تمنع المغالاة فى أسعارها ، وتساعد على استقرار السوق العقارى وسوق الإسكان .وكان الالتزام بالحضور واحترام الأراء المغايرة ، والرغبة العامة فى الإنجاز هو السلوك الدائم الذى أضفته دلال على مشاركتها فى هذا الجهد المهم .
سوف أفتقد برحيل دلال وديد مودتها ورقيها وسمو أخلاقها الرفيعة وإحساسها المخلص الصادق بنداء الواجب العام .لكن العزاء أنها ستظل تشترك مع كل من يشبهونها فى بر مصر من نساء ورجال ،فى من وصفهم أحمد شوقى :الناس صنفان ،موتى فى حياتهم ،وآخرون ببطن الأرض أحياء.

التعليقات متوقفه