ستون عاما علي افتتاح المشروع القومي الكبير:التاريخ الإنساني للسد العالي

638

ستون عاما مرت علي الانتهاء من بناء”السد العالي” وافتتاحه عام 1971, بعد مسيرة بناء استمرت لسنوات, امتلأت بالمواقف الوطنية من قبل القيادة المصرية, والمواقف البطولية من قبل العمال المصريين الذين اثبتوا للعالم أن مصر قادرة علي التحدي وبناء نفسها بنفسها وبأيدي عمالها الابطال.

ومن خلال ملحمة وطنية فريدة, فهذا المشروع هو المشروع الوحيد الذي تم عليه استفتاء شعبي.

وفي كتابه “التاريخ الانساني للسد العالي” يأخذنا الروائي والباحث يوسف فاخوري في رحلة ممتعة وفريدة للبحث عن جوهر ومكنون الشخصية المصرية التي قامت بالبناء والتنفيذ لهذا الصرح الوطني الكبير.

يقول “فاخوري” في مقدمة كتابه – الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- : “كان السد العالي حدثا فريدا في حياة من عملوا في الموقع, عدد من عملوا في السد 24 ألفا, بالاضافة إلي 1700 خبير روسي, ويضيف قائلا: “هذا المشروع فرض نوعا من التعليم مختلفا, كانت الحاجة ماسة لعمالة كثيفة, ولم يكن هناك عمالة مدربة, كما لم يكن جائزا تفريغ المصانع من عمالها واستيراد عمالة من الخارج, فصدر قرار لطلبة الدبلومات الفنية بالعمل في السد العالي علي أن يحصلوا علي شهاداتهم من الموقع- هذا النوع من التعليم العملي خلق طبقة من الفنيين المهرة اقتربت من مستوي المهندسين. وللمرة الأولي يعرف العمال تلك الالة الجبارة “الكركة” ومكن التخريم (البوركيشن والبي وان) كانت بالنسبة لهم نوعا من الاختراع, ولم يكن احد منهم يعرف كيفية قيادتها سوي الخبراء الروس. تم تدريب البعض في الموقع وارسل البعض الي الاتحاد السوفيتي للتدريب.

ويشير “فاخوري” الي ان “العمل في السد العالي كان منطومة متكاملة فيها العمل مقدس وفيها الترفيه والرياضة”.

شهادات متنوعة

ويورد “فاخوري” عشرات الشهادات للعمال الذين عملوا في بناء السد العالي والتي تبرز قيمة العمل والتضحية من اجل الوطن.

ومنها حكايات عن “صدقي سلميان” وزير السد العالي الذي نسف الروتين الحكومي تماما, وكان له سلطات رئيس الجمهورية- في السد- بحيث يتصرف بشكل فوري في اي احتياجات تخص العمل, متجاوزا عراقيل البيروقراطية المزمنة, يحكي احد العمال: “مكنش في اي وقت معين يمر فيه, ممكن تلاقيه الفجر في النفق والعمال يقولوا له انت الريس تؤمنا في الصلاة, وممكن الضهر او العصر ممكن تبص وراك تلاقيه قاعد علي كوتش عربية بيتناقش مع المهندسين, ولمايسافر الي القاهرة كان مدي تعليمات ويدخل مفيش حاجة اسمها انتظار”.

ويعلق المؤلف ذلك قائلا:”في ذلك الزمن لم يكن العمل من المكاتب, كان تعبير الموقع وكأنه ساحة حرب حقيقية أمام الزمن والانجاز”.

وتنوعت الشهادات الموجودة في الكتاب ما بين شهادات العمال وشهادات الفنيين وشهادات المهنسين الذين عملوا في “السد”. ويوردها كلها باللغة العامية التي قيلت بها.

يقول سنوسي  عباس وهو أحد العمال- اول مرة سمعت عن السد العالي واحنا في مدرسة الصنايع, صدر قرار جمهورية سنة 63 في بداية الدراسة ان جميع طلبة دبلوم الثانوي الصناعي تكليف انهم يسيبوا المدراس وينتطموا في السد العالي  اتقال وقتها ان عبد الناصر قال : انامش مستعد افرغ كل مصانع مصر او استورد عمالة فنية من الخارج, طلبة دبلوم الصنايع يتفضلوا يشتغلوا في السد”.

بدأ يعلمهم تحويل تدريبي لمدة 6 شهور في مركز تدريب السد العالي ويلحقوا بالشغل. مع نهاية السنة كل الطلبة يعتبروا ناجحين في العمل بمجاميع كبيرة”.

ويقول المهندس احمد بدوي- في شهادته- عن فترة عمله في “السد” : السد العالي له تأثير كبيرة لأن السد يعتبر تنفيذا لحلم مصري قديم, من يوم ما الفلاح المصري داق العطش لعدة سنوات, ايام النبي يوسف”.

ومن شهادات السياسيين التي ضمها الكتاب شهادة “حلمي السعيد” وزير الكهرباء والسد العالي الاسبق: استعرض فيها بداية فكرة السد العالي حين جاء مهندس زراعي يوناني يعيش في مصر اسمه ” دانينوس” لمقابلة جمال عبد الناصر وعرض عليه فكرة اقامة “السد العالي على نهر النيل فحول الفكرة الي المكتب الفني لمجلس قيادة الثورة التي وافقت عليه. وبدأ في تنفيذه.

رؤية تاريخية

ويضم الكتاب فصلا تحت عنوان” السد العالي.. نظرة بين الماضي والمستقبل” يورد فيه محاولات المصريين عبر التاريخ لبناء جسور تحد من فيضان نهر النيل وتوزيع المياه, بداية من ملوك الاسرة الاولي الذين قاموا بشق الترع لتوصيل المياه الي الاراضي الزراعية واقامة الجسور لمنع طغيان النهر, وحبسوا مياه الفيضان في احواض مختلفة المساحات”.

وحين تولي محمد علي حكم مصر كانت اوضاع الري قد وصلت الي اسوأ حالاتها, فأمر تنظيف الاقنية وشق مجاري مائية جديدة, فأقيمت مجموعة من القناطر في اسنا ونجع حمادي واسيوط, والقناطر الخيرية وقناطر ادفينا علي فرع رشيد.

وفي عام 1902 تم افتتاح”خزان اسوان” والذي تم تعليته لاكثر من مرة. لكن ظلت مصرفى حاجة لمزيد من المياه لزراعة مزيد من الاراضي وحين قامت ثورة 1952 كان تعدد مصر قد تزايد وقتها ليصل الي 20 مليون نسمة, فتم التفكير في انشاء السد العالي.

التعليقات متوقفه