متاهة سد النهضة مستمرة.. وأثيوبيا تواصل استفزازها بالحديث عن الملء الثانى

" مصر والسودان" تتفقان : لن نسمح بقرار أحادى مرة أخرى..وخبراء يؤكدون: الرجوع لمجلس الأمن خطوة قادمة لا محالة

661

عبد الفتاح مطاوع: المشهد يزداد تعقيدا واستخدام جميع الوسائل الممكنة للضغط مطلوب
عباش شراقى: علينا مراقبة إنشاءات السد الفترة المقبلة للحكم على إمكانية التخزين الثانى
محمد نصر علام: مصر لن تقبل بالأمر الواقع ولن تتحمل أى نقص مائى
ضياء القوصى: إصرار أديس أبابا على قرار أحادى مرة أخرى سيكون “القشة التى قسمت ظهر البعير”.

تحقيق: رضا النصيرى
يواصل ملف سد النهضة الاثيوبى إخفاقاته، رغم التصعيد المستمر الذى تشهده جولاته التشاورية ، فعلى مدار نحو 10 سنوات من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا فى عواصم الدول الثلاث، لم يتم الوصول إلى اتفاق ملزم بين الأطراف ، رغم التدخل الأمريكى تارة، والاتحاد الافريقى برئاسة جنوب افريقيا تارة ، ومراقبي الدول الاوربية تارة ثالثة، فى محاولات التوصل إلى اتفاق ، جميعها باءت بالفشل، لكن الإرادة السياسية لدى الطرف الاثيوبى، الذى رفض الإلتزام بأى إتفاق، لكنه استمر فى المفاوضات لإضاعة المزيد من الوقت، وحتى يعكس صورة غير حقيقية للمجتمع الدولى، بأنه حاضر دائماً ولديه الرغبة فى التوافق، لكن الحقيقة أنه لا نية لدى الحكومة الإثيوبية فى حل تلك القضية، ولكن الجديد هو خطورة الاوضاع كلما اقترب موعد التخزين الثاني للسد ، الامر الذى إذا تم بدون اتفاق ، يعد بمثابة تحديا من إثيوبيا غير مقبول، خاصة وهى تسعى لعرقلة المفاوضات بدلا من تبنى سياسات تخدم التقارب بين الدول الثلاثة للإتفاق حول قواعد الملء والتشغيل للسد.
إضاعة الوقت
وتعرب مصر عن استعدادها دائما للانخراط فى مفاوضات جادة وفعالة من أجل التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم يتضمن قواعد ملء وتشغيل السد، وذلك تنفيذاً لمقررات اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الافريقى لحفظ الحقوق المائية لدولتى المصب ، وقد اوضح وزير الرى المصرى دكتور محمد عبد العاطى ، فى تصريح صحفى له مؤخرا، بأن الحديث عن إضاعة الوقت وعدم التوصل لإتفاق تقع مسئوليته فى الأساس على الطرف الذى لم يوقع على اتفاق واشنطن، والطرف الذى لم يرسل ملاحظات الشركة الدولية التى كانت ستنفذ الدراسات التى وقع على خطابها 9 وزراء، الطرف الذى عطل مبادرة رئيس الوزراء السودانى حمدوك، و الطرف الذى كان يتراجع فى ثانى يوم بعد أى اتفاق يتم التوصل إليه ويعود بطلبات جديدة، الطرف الذى لا يوجد لديه رغبة سياسية فى الوصول إلى اتفاق .
وفى المقابل قال ياسر عباس، وزير الري السوداني، إن سد النهضة يمكن أن يكون مصدر تعاون بدل التنافس والنزاع، محذرا من أن الملء الثانى الأحادى فى يوليو المقبل ، يهدد الحياة على طول النيل الأزرق، مشددا بشكل مباشر على تهديده لـ 20 مليون سوداني وأمنهم المائى ، وأن حل مسألة السد يجب أن تتم وفق القانون الدولى، مؤكدا ” ونحن متفقون ” على المضى قدما لحل ضمن الحلول الأفريقية، مقترحا توسيع مظلة التفاوض لتشمل مع الاتحاد الأفريقي الولايات المتحدة ، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة، وتحويل دور هذه المؤسسات الأربعة من مراقبين الى وسطاء.
وبينما تفكر دولتا المصب فى حلول للخروج من هذه الدوامة ، تصر اثيوبيا على مواصلتها لفرض سياسة الأمر الواقع، ضاربة عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بتنظيم جريان الأنهار الدولية، حيث قال جيدو أندارجاشيو وزير خارجية إثيوبيا، إنه لا بديل عن ملء سد النهضة في يوليو المقبل، كما أن السد يتم بناؤه بشكل سريع، حيث اكتمل بناء أكثر من 78% من أعمال التشييد، ووصلت نسبة استكمال الأعمال الهندسية للسد إلى 91%، معلنا رفض اديس ابابا التوقيع على أى اتفاقية ملزمة وقانونية حول آلية ملء السد .
وفى إشارة واضحة لموقف كل الاطراف ، اعلن كريستيان جيمس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مؤخرا، إن قضية “سد النهضة” متشابكة، والولايات المتحدة سوف تجدد مساعيها الدبلوماسية لحل هذه الأزمة فى الفترة المقبلة، كما انها تأخذ القضية ” بجدية للوصول إلى حل فى النهاية، مشددا بالقول: “إدارة الرئيس بايدن تراجع الموقف الأمريكى بشأن هذا السد ، ولن تستبق الأحداث، وفى نفس السياق ، اكد الرئيس الكونغولى “فيليكس تشيسكيدي “، خلال زيارته للقاهرة، على التزامه التام بصفته رئيس الاتحاد الأفريقى الجديد بالوصول إلى حل يرضى الدول الثلاث.
إنتهاك كامل

د. عبدالفتاح مطاوع

من جانبه ، يرى دكتور”عبد الفتاح مطاوع”، الخبير المائى رئيس قطاع مياه النيل الأسبق،ان هناك اطرافا متعددة تدخلت وتوسطت فى الملف سواء كانت امريكا او جنوب افريقيا، ومراقبون من الاتحاد الاوروبى والبنك الدولى، وكلهم لم يؤثروا على النتيجة، فهل سوف تنجح الكونغو فيما فشلوا فيه؟!
وشدد ” مطاوع” ، على ضرورة ألا يتم الملء الثانى دون اتفاق ، والا المشهد سوف يتعقد اكثر ، موضحا انه ليس امام السودان اولا ثم مصر ثانيا ، الا يسمحا بالملء الا باتفاق ، وبناء عليه لابد من الدولتين ان يحددا السيناريو المناسب ، وتنفيذه، واستخدام جميع الوسائل الممكنة .

عباس شراقى

فيما اكد دكتور “عباس شراقي” ، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، بجامعة القاهرة ، أن تصريحات وزير الري الإثيوبي حول مواصلة العمل لاستكمال سد النهضة في الشهور القليلة القادمة، والبدء في التخزين الثاني خلال يوليو القادم بسعة 13.5 مليار متر مكعب ، دون النظر إلى اتفاق في المفاوضات، هي امتداد للتصريحات التي تنتهك المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي ، مشيرا الى أن استمرار مسار الكونغو أو نجاحه متوقف على تصرف إثيوبيا في الأيام القادمة، فهي حتى الآن لم تقم أي إنشاءات على الممر الأوسط ، وفق صورة الأقمار الصناعية الأخيرة، وبالتالي لا توجد إمكانية لتكملة التخزين، وهذا الوضع يساعد على عودة المفاوضات، أما إذا بدأت في تكملة الإنشاءات قبل الوصول إلى اتفاق، فإن ذلك يعد تخزيناً منفرداً كما حدث في يوليو الماضي بتخزين 5 مليارات متر مكعب دون اتفاق، مما يهدد تكملة المفاوضات، ويدفع مصر والسودان إلى مجلس الأمن لإصدار على الأقل توصية لإثيوبيا بوقف أي إنشاءات من شأنها تخزين مياه بدون اتفاق، والعودة إلى استمرار التفاوض ولكن تحت رعاية أممية.
واضاف”شراقي”، أن التخزين بدون اتفاق يضر كل الأطراف، وأن استمرار التخزين ، سيكون الضرر شديدا على مصر والسودان في هذه الحالة، وهو ما يستوجب موقفا موحدا لمصر والسودان في المرحلة القادمة، مشددا علي التمسك بعدم الملء الثاني بدون إتفاق حرصا علي التعاون المأمول بين مصر والسودان واثيوبيا، بدلا من قصر الأدوار علي العمل وفقا لنظام المراقب للمفاوضات.
وعن الحلول يقول ” شراقى”، إن مصر الآن أمام خيارين ، الخيار الأول: مواصلة المفاوضات تحت إشراف الاتحاد الأفريقي، والخيار الثاني: اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، مشيرًا إلى أن الملء الثاني المتوقع ، سيكون فارقا كبيرا في فرض سياسة الأمر الواقع، وهذا ما ترفضه مصر والسودان معًا.
رؤية واضحة

وتأتى رؤية وزير الموارد المائية والرى الاسبق ، دكتور محمد نصر الدين علام، واضحة حول ما تريده مصر من هذه المفاوضات ، فيقول انها تريد التوصل لاتفاق ثلاثى حول الملء والتشغيل ، بما يحقق التنمية الأثيوبية المنشودة ، وبدون أضرار جسيمة بدولتى المصب ، كما تعهدت الدول الثلاثة فى إعلان المبادئ وتبعا لمبادئ القانون الدولى، علاوة على تضمن الإتفاق ثلاث آليات هى ، الية للتنسيق ومتابعة التنفيذ وتسجيل أى مخالفات، والية لحل أى خلاف فى تفسير ما تم الاتفاق عليه وكيفية تنفيذه، والية لضمان تنفيذ القانون الدولى فى أى مشاريع مستقبلية.
وعن اضرار هذا السد ومن يتحملها ، فيقول ” علام”، انها تتمثل بشكل أولى فى حجز مياه النيل الأزرق لملء السد الأثيوبى، مؤكدا ان مصر وحدها من يتحمل الضرر والنتائج السلبية لملء خزان السد ، فلن تتحمل السودان أى نقص مائى وستأخذ حصتها كاملة،بينما تتحمل مصر هذا العجز المائى كاملا، وذلك إعتمادا على المخزون المائى للسد العالى المقدر بـ 90 مليار متر مكعب ، ولذلك كان الهدف من تخزينه لإستخدامه فى سنوات العجز المائى “الجفاف”، وبالتالى الجفاف الناتج من ملء سد النهضة سيعتبر عجزا إضافيا “جفاف صناعيا” ، ليتعامل معه مخزون السد العالى.
وفيما يخص ما وصلت اليه الاوضاع فى الداخل المصرى، يقول” علام”، ان الدولة تبذل جهدا تاريخيا لتطوير المنظومة المائية وتقليل الفوائد وإعادة الاستخدامات وتحلية مياه البحر لمواكبة احتياجات الزيادة السكانية وتقليل حجم العجز المائى المتزايد ولا تعيش عالة على المجتمع الدولى ، ولكن لا تحتمل اليوم أو غدا نقصا فى مياهها أو انتقاصا من حقوقها التاريخية والقانونية تحت أى مسمى أو حجة إستغلالا لهذه الأزمة ، ولن تقبل بفرض أمر واقع ضد إرادتها وارادة شعبها، ولن تسمح بقيام إثيوبيا بملء المرحلة الثانية للسد بدون التوصل لإتفاق قانونى ملزم ، مشددا على ان الدولة ايضا منفتحة لأى فرصة مناسبة للتوصل لحل عادل لهذه الأزمة، ومنفتحة لمشاركة المجتمع الدولى وضماناته لايجاد مخرج عادل لتحقيق الفائدة وعدم الاضرار للجميع كما يتطلب القانون الدولى.
فرصة جديدة

ضياء الدين القوصى

اما مستشار وزير الرى الاسبق، دكتور ” ضياء القوصى”، فيقول ان الاتحاد الافريقى المنوط به حل مثل هذه المشاكل لا يتمثل فى الرئاسة وحدها، ولكن فى هيئة المكتب كاملا، وهو ما يعنى ان الكونغو قد تختلف نوعا ما عن رئاسة جنوب افريقيا ، التى لوحظ انحيازها لاثيوبيا طوال فترة رئاستها للاتحاد الافريقى ،ولكن هذا لا يعنى وجود ” إنفراجة” فى الملف قريبا ، مضيفا ان مصر لا تعول كثيرا على الاتحاد الافريقى ، ولا على غيره من الاطراف التى شاركت ، موضحا ” اننا نكرر فقط ” نفس الخطوات كل مرة ، لنثبت للجميع عدم جدية الطرف الاثيوبى ، ثم التوجه لمجلس الامن مرة اخرى لحل الازمة .
ويرى” القوصى” انه قد يكون الحل هذه المرة فى إصرار اثيوبيا على الملء الثانى منفردا ، لان هذا الملء لن يتم الا بموافقة مصر والسودان، لان هذا الملء هو الفيصل الاخير ، بمعنى ” القشة التى قسمت ظهر البعير”.

تعليق 1
  1. الديوانى يقول

    “الاتحاد الافريقى المنوط له حل هذه المشاكل”
    الاتحاد الافريقى وحتى مجلس الامن او الامم المتحدة لا تحل مشاكل. يمكن الافتراض ان الكونجو (مثل جنوب افريقيا) ستحاول كسب الوقت على قدر الامكان (تعدي السنة دي على خير زي العشر سنوات الماضية). على افضل تقدير ما يمكن اكتسابه من الاتحاد الأفريقي او مجلس الامن قرارات ان هناك معاهدات دولية بخصوص حصة مصر والسودان فى مياه النيل يجب احترامها. اي تقليل من هذه الحصة فى الفترة الانتقالية لملئ البحيرة وراء السد ستعتبر تنازلات من دول المصب (ناهيك عن الفاقد نتيجة للتبخر). هناك العديد من مصادر الطاقة لتوليد الكهرباء بجانب السدود. ولكن المياه مثل الهواء من ضروريات الحياة ولا يمتلكها احد ليقرر مصير الاخرين. المحافل الدولية يمكن ان تمهد الطريق لتوقيع عقوبات ضد اثيوبيا فى حالة مزيد من التعنت ولكن مصر سيقع عليها الحمل فى حالة اي عمل عسكري لتطبيق القرارات الدولية.

التعليقات متوقفه