“مطلوب أراجوز” لـ” محمد نجار الفارسي”

يسر جريدة الأهالي أن تقدم لقرائها صفحة إبداعات تواكب الحركة الأدبية المعاصرة في مصر و العالم العربي و الترجمات العالمية ..وترحب بأعمال المبدعين و المفكرين لإثراء المشهد الأدبي و الانفتاح على تجاربهم الابداعية..يشرف على الصفحة الكاتبة و الشاعرة/ أمل جمال . تستقبل الجريدة الأعمال الابداعية على الايميل التالي: Ahalylitrature@Gmail.Com

515

                      مطلوب أراجوز

                      محمد نجار الفارسي

تنهض توًا وتطوى صحيفتك تحت إبطك .. لا تصدق ما قرأته .. حُلم جميل .. تهز رأسك بعنف .. تلطم وجهك بقوة ثلاثين حصانًا .. تكتشف واقعية الحدث .. طفقت طربًا تفرد الصفحة مرات عدة داخل الأتوبيس المزدحم .. تدقق فى الكلمات التى حصرتها بقلمك داخل دائرة حمراء .. لا تأبه بالأجساد الملتصقة بك .. لم تنتبه لتأففهم وغمغمتهم

  • مثقف ؟!

      – 2 –

تلج البناية الزجاجية .. تخللك هواء المكيف بمجرد أن فُتحت البوابة الليزرية .. تتحاشى السير الأوتوماتيكي والبوابة الإليكترونية .. تعترضك نظرات حاسمة لثلاثة شبان مفتولي العضلات .. ترتبك .. تفهم مقصدهم .. تتقهقر للخلف خطوات وتقف أمام البوابة .. تضع الصحيفة والظرف الورقي المتخم بالأوراق على السير المتحرك .. تجتاز البوابة .. بخفة تلقف أشياءك من الجهة الأخرى للسير .. يستوقفك أحدهم .. باشمئزاز يتفحص ملابسك البسيطة .. لا تكترث بما يدور فى خاطره .. تؤمن تمامًا بمواهبك وخبراتك الفذة .

– إلى أين ؟

سبرت غوره، فاستنكفت الرد عليه .. فردت الصحيفة فى وجهه وأشرت بسبابتك إلى الدائرة الحمراء .. كبرياؤك يشعل غيظه .. يبتدرك

  • اذهب سجل بياناتك فى الاستقبال .

 -3 –

يدهشك المكان ونظافته .. تختلق الحجج لأفراد الأمن لتتجول فى الممرات الرخامية  .. تُبدي فى نفسك وجهة نظرك لبعض الأشياء الموضوعة بلا حس جمالي .. ذلك لم ينتقص من انبهارك بالمكان وموظفيه؛ لاسيما ملابسهم الموحدة الأنيقة .

لعامين متلاحقين ( مدة بحثك عن عمل ) لأول مرة تشعر بجدية المكان ( لم يكن شقة مفروشة )، وصراحة النشر بدون وعود خادعة ( مطلوب شاب ذو مؤهلات وكفاءة وطموح وقدرات خاصة ) .

روعة البنيان سلب لبك .. أزاح الوساوس التى تعتريك كل مرة : أيعقل مثل هذا المكان يطلب ( سريحة ) تطوف على المنازل بالشامبو والصابون، والتسكع فى الشوارع والنوادي والمصالح الحكومية لأجل بيع زجاجة برفان أو طقم أكواب زجاجية ؟!

الرُده المزينة بالجداريات والفسيفساء والمكاتب الفخمة التى تجتازها لمقابلة مختص شئون العاملين تنفض عن رأسك كل الخواطر السيئة .

ثمة أشياء تقلقك؛ الموظفون المنتشرون هنا وهناك بطيئون .. ألواح ثلج تقبع خلف المكاتب .. لا يتسقون مع هيبة المكان والإعلان المنشور .. أكثر ما لفت انتباهك اهتمامهم بملابسهم وطريقة تقعرهم بالحديث .. ما أخجلك وأرغمك على طأطأة رأسك ملابس الموظفات الفاتنات

 -4  –

تنتظر فى البهو الفسيح لإجراء المقابلة .. تجاهد غض بصرك عن الأفخاذ المشمرة والسيقان المتدلية خلف المكاتب .. يُأذن لك .. تضبط هندامك .. تفض من الظرف شهادات الخبرة والتقدير .. كنت حريصًا بأن تنقر الباب نقرات مهذبة .. تدخل .. تلمح المكتب هناك فى أخر الغرفة الواسعة الرهيبة .. تمشى .. تمشى .. تمشى .. تقف قبالته .. يغمرك شعور بأنه ما زال بعيدًا .

    – تعرف طبيعة العمل ؟

أيضًا كنت شديد الحرص كي تتحدث بطراوة أبناء الأكابر؛ فيتلعثم لسانك .. يخفق قلبك بشدة .. تقرقع أمعاؤك  .. تمد أوراقك .. يعترضها بكفه

  • لا .. لا ؛ أهم شئ القدرات الخاصة .

عندئذ ينطلق لسانك من عقاله

– لدي فكر صائب .. شخصية قيادية .. أضع الخطط وجداول تنفيذها .. أثق فى نفسي .. خبراتي مدهشة .

ابتسم الرجل والتفت إلى آخر بجانبه ثم غمز

– لكن ( الباشا ) يريد قدرات خاصة؛ حاجات ………

يصمت فجأة لبرهة من الوقت، ثم يردف بعجلة، كمن يريد أن يتخلص من شر يلاحقه

– يبدو أنك لم تقرأ الجريدة جيدًا .

لم يمهلك لتعقب ..  الساعي بجوارك يفرد ذراعه ناحية الباب ويحثك على الخروج

– تفضل يا أستاذ .

فيما تخطوان قِبل الباب، إذا بالساعي يهمس فى أذنك

– يبدو أنك حَسن النية .. طيب؛ هم يريدون للباشا أراجوزًا يهشكه .

التعليقات متوقفه