شد وجذب بين روسيا والغرب على خلفية نافالنى والأزمة الأوكرانية والسيل الشمالى

الموقف الروسى أخذ زمام المبادرة وأصبح فى موقف الفعل وليس رد الفعل كما كان فى السابق.

351

هذا أخاف الغرب وجعله يصر على فرض العقوبات حتى لا يفقد زمام الأمور بشكل دائم.

منذ القبض على المدون الروسى نافالنى الشهر الماضى من المطار أثناء عودته من برلين بعد تلقية العلاج من ما أدعى أنه عملية تسمسم متعمدة بهدف اغتياله، ولم يهدأ الغرب سواء فى أوروبا أو فى الولايات المتحدة الأمريكية مع الإدارة الجديدة لبايدن.

وزاد الأمور تعقيداً أن المنسق العام للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى جوزيب بوريليا، قد قام بزيارة لموسكو بهدف الإفراج عن نافالنى إلا أنه عاد لبلاده خالى الوفاض، بل لم تعط له روسيا فرصة للحديث فى هذا الأمر وأعلن الأوربيون أنهم بصدد فرض عقوبات شديد وجديدة على روسيا، وهو الأمر الذى جعل وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف يرد بعنف مصرحاً أن بلاده قد تقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، وزاد الطين بله هو قرار المحكمة اليوم (20 فبراير) بإبقاء نافالنى قيد الحبس، أى الحكم الذى كان مع وقف التنفيذ تحول إلى حكم نافذ وبذلك سيقضى المعارض الروسى الممول من الغرب فى السجن عامين ونصف، بينما يقضى شقيقه حكما مماثلا فى بنفس التهمة، وهى قضية تتعلق ببيع أخشاب غابات بطرق ملتوية ومخالفة للقانون .

إضافة إلى قضية نافالنى، هناك الأزمة الأوكرانية وما يشوبها من تطورات لا تنذر بقرب حلها خاصة فيما يتعلق بمنطقة الدنباس بشرق أوكرانيا، حيث التوترات مستمرة بين الجيش الأوكرانى والجمهوريتين اللتين أعلنتا عن استقلالهما فى شرق البلاد بدعم من روسيا وهم دنيتسك ولوجانسك، وهناك خط أنابيب الغاز السيل الشمالى الذى تعارضه الولايات المتحدة بشدة لأن إنشاءه سيجعل أوروبا معتمدة على الغاز الروسى بشكل سيؤثر على مواقفها ومولاتها السياسية، كما أن الولايات المتحدة تطمح لبيع الغاز الأمريكى لأوروبا (حدث مع بولندا وإحدى جمهوريات البلطيق)، من هذا المنطلق تحدث بايدن فى مؤتمر اجتماع السبعة الكبار عن مد جسور الصداقة والتحالف من جديد مع أوروبا والتى أفسدها سلفه ترمب، فأعلن عن عودته لاتفاقية باريس للمناخ، وتحدث عن ما أسماه عودة أمريكا. الرئيس بوتين تحدث عن الحرب الدائرة على خط الغاز الواصل لأوروبا عبر بحر البلطيق والمانيا، وأشار إلى أن الهدف من إفشال المشروع، هو تحقيق مشروع الغرب الجيوسياسى فى أوكرانيا، بمعنى يريد الغرب أن تبقى كييف عضوا فاعلا فى منظومة الطاقة الأوروبية، ومن ثم ضمها للناتو والاتحاد الأوروبى لاستكمال احكام الطوق على روسيا.

من الواضح أن عودة الولايات المتحدة، قد ألهمت أوروبا، فبدأ البرلمان الأوروبى مناقشة العقوبات التى ستفرض على روسيا بعد حبس نافالنى، ضيف المستشارة الألمانية ميركل لمدة عامين ونصف على الأقل، بخلاف قضية إهانة أحد المحاربين القدماء والمنتظر فيها حكم آخر مستقل بنفسه. ومن المقرر أن يتم الإعلان عن العقوبات يوم الاثنين 22 فبراير( المقال يكتب 20 فبراير) لذلك سنتحدث هنا عن العقوبات المحتملة ورد الفعل الروسى المتوقع.

بعض وسائل الإعلام الغربية والروسية تتوقع أن تكون العقوبات أقسى وأوسع من أى عقوبات أخرى فرضها الاتحاد الأوروبى على روسيا من قبل، والتى لم يكن لها تأثير كبير على الأشخاص أو الشركات الروسية. العلاقات الروسية ـ الأوروبية تعيش أسوأ فترة من الممكن القول فى تاريخ العلاقات بين الاتحاد الروسى والاتحاد الأوروبى فى التاريخ. بعض الخبراء يتحدث عن أن الأزمة الحالية هى الأسواء على الإطلاق منذ عام 2010، عندما تحدث الجميع عن أنه ليس هناك أسوأ من وضع العلاقات الروسية الغربية الحالى.

إذا نظرنا إلى زيارة مفوض السياسة الخارجية لموسكوجوزيب بوريليا التى جرت منذ أسبوع وبدا فيها الرجل عديم الحيلة، ومنى بفشل مدوى، ومازالت الصحف الأوروبية تتحدث عن كيف ظهر الضيف الأوروبى هزيلاً إلى جوار سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى والقيادة الروسية بصفة عامة، من وجهة نظر الصحافة الأوروبية فعلت روسيا كل ما تستطيع لإهانة أوروبا وممثلها. الإرتباك الأوروبى جاء نتيجة خروج روسيا لأول مرة عن النمط القديم فى الأزمات مع الغرب، وتحولت إلى الدور الذى كان يقوم به الشركاء الغربيون. فمنذ عام 2014 (الأزمة الأوكرانية) كانت المواجهات بين روسيا والغرب قائمة على نمط واحد، الغرب يوجه الاتهامات لروسيا بارتكاب المخالفات، وهذه الأخيرة كانت تحافظ على ضبط النفس، وتصد الهجوم فقط، وبعد ذلك وكنوع من العقاب لموسكو تفرض “العقوبات” عليها، وهو ما كانت ترد عليه موسكو بالمثل أو بأقل حسب نوع العقوبات والإمكانيات، وبهذا الشكل كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى يسيطران على مستوى المواجهة، ويستخدمونه كما يشاءون فى صالحهم ضد روسيا، التى كانت فى مثل تلك الظروف فى موقع رد الفعل فقط.

هذا الوضع جعل الكثيرين يأخذون هذا على انه ضعف من موسكو، التى تعتمد كثيراً على التعاون مع الغرب وعليها ابتلاع الإهانة، بدلا من الرد القاسى لتعليم الغرب التوقف عن المعاملة التى يشوبها التعالى مع روسيا. الأزمة الحالية بدأت بالسيناريو المعتاد، عندما أن انتهت أزمة، أطلقت أوروبا رواية “تسميم” نافالنى بمادة كيميائية عسكرية لخلق أزمة جديدة، أصبح مفهوماً أن “جرائم” الكرملين السابقة لم يعد لها نفس التأثير، وأن حملة جديدة على روسيا تلوح فى الأفق وعليها انتظار جولة جديدة من المواجهة.

كانت هناك إشارات تنبئ عن أن المواجهة سوف تدور بسيناريو جديد، نظراً لأن رد روسيا على الأحداث كان قاسياً على غير العادة، رد فعل الخارجية الروسية عكس حالة الغضب الروسى الشديد، من الاستفزازات الأوروبية. على الجانب الأوروبى، من الصعب تفسير موقفهم، فهم إما نسيوا المصطلحات الدبلوماسية، أو اعتقدوا أنها مجرد كلمات فارغة من المضمون، غير أن روسيا أخذت زمام المبادرة وقررت أن تذهب هى للتصعيد هذه المرة.

بعد فشل بوريليا فى موسكو، بالإضافة للتوبيخ الذى تلقاه، تواترت الأنباء عن طرد روسيا لثلاث دبلوماسيين من دول الاتحاد الأوروبى، كان هذا بمثابة رعد فى سماء صافية، هنا انتقلت أوروبا إلى رد الفعل فطردت ثلاث دبلوماسيين روس، فى السابق عادة ما كان يحدث العكس، وأصبحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى اللذان اختارا لنفسيهما دور المعلم باعتبار أنهما الأكثر تطوراً وكانت لهما الغلبة فى السابق، الآن على الأقل أوروبا أصبحت فى المكان الأضعف، فهى تحتاج إلى خط أنابيب السيل الشمال ـ 2، كما تحتاح إلى اللقاح الروسى سبوتنيكv. ومن الممكن التغاضى عن الديموقراطية فى أى دولة إذا كانت متحركة ومتقدمة علمياً وتنتج لقاحا مثلاً من وجهة نظرهم.

لكن لسان حال أوروبا الآن يقول أنه مادام الصراع احتدم يجب الاستمرار فيه، لأن الحلفاء فى الناتو يضغطون، للقيام بحملة لزعزعة الأوضاع فى روسيا باستخدام المعارضين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب حفظ ماء الوجهة خاصة بعد الردود الروسية العنيفة، ولذلك يتوقع الخبراء أن يقوم الاتحاد الأوروبى يوم 22 فبراير بفرض عقوبات مؤلمة وقاسية، فى نفس الوقت لا يجب المبالغة فى قسوة العقوبات حتى لا تفشل قضايا يحتاجها الأوروبيون مثل اللقاح وخط الغاز. أوروبا منهكة من دورها الذى انحصر فى أنها تعيش فى ظل الولايات المتحدة وتريد أن تلعب دورا جيوسياسيا مستقلا، لكن يبدو أن هذا أمر بعيد المنال حتى الآن على أوروبا. لكن لا شك هناك عقوبات أوروبية ستفرض على روسيا بعد الحكم على رجلها نافالنى فى قضية إهانة أحد المحاربين القدماء بالغرامة. ولا شك أيضاً أن العقوبات لم تعد تفت من عضد روسيا وهى مصرة على استقلالية قرارها. فى نهاية الأمر أعربت روسيا عن أنها مهتمة بأن يكون لها علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وأن كل ما يزعجها هو توسع الناتو شرقاً مما يحملها نفقات دفاعية كبيرة.

 

التعليقات متوقفه