محمود دوير يكتب:المرأة المصرية… نقطة ضوء وسط ظلام التشدد ومخاطر التسليع

709

ويأتى شهر مارس بما يحمل باقات الزهور ويقبل الربيع بملامحه المبهجة ويحمل مارس أيضا ذكريات عظيمة ومجيدة للمراة

 فى الثامن من مارس من كل عام تحتفل نساء العالم بيومهن الذى يوافق خروج آلاف النساء العاملات فى 1908 للتظاهر ضد الظروف غير الإنسانية التى يعملن بها وخرج النساء يحملن الخبز والورود في شوارع مدينة نيويورك.

وفى 16 مارس 1919 كانت أول مظاهرة نسائية حيث خرجت 300 سيدة رافعات الأعلام المصرية لتأييد الثورة واحتجاجهن على نفي زعيم الأمة سعد زغلول، وتوجهت المظاهرة إلى بيت الأمة، ولكن حاصرهن الجنود الإنجليز وتصدوا لهن، وسقطت الشهيدات : شفيقة محمد ونعيمة عبد الحميد، وحميدة خليل، وفاطمة محمود، ونعمات محمد، وحميدة سليمان، ويمنى صبيح، مما أدى إلى امتداد الثورة في كافة أنحاء البلاد.

هكذا سطرت النساء فى مصر والعالم تاريخهن النضالى الممتد والمتواصل وقد شهدت مصر تطورا كبيرا فى مجال حقوق المرأة السياسية والإجتماعية وعلى الرغم من تعرض النساء لموجات من القمع ومصادرة حقوقهن بإسم الدين أحياناً ونتيجة ضيق فى الأفق السياسي العام أحيانا فما تزال المراة قادرة على التأثير وتحسين أوضاعها.

لم يكن الوضع النسوى فى بلدان العالم العربى محل رضى رغم ما تحقق فما زال الوضع يحتاج لمزيد من الخطوات لتحقيق حلم المساواة وبعيدا عن القرارات والمبادرات السياسية التى تستهدف واقع أفضل للمراة فإن المعيار الأساسى يبقى خلق بيئة ثقافية مجتمعية تستوعب تلك المتغيرات وتتعايش معها بقدر أكبر من التسامح وتسييد معايير إنسانية بعيدا عن الجنس أو الدين أو اللون

فلا شك أن الثقافة الشعبية المصرية قد تأثرت بشكل كبير وخطير بنفوذ الخطاب الوهابى المتشدد ضد المرأة وغزو أفكار أصولية لم تكن يوما من الأيام بهذا النفاذ داخل العقلية المصرية.

فقد تعرضت قضية المرأة لإنتكاسات كبيرة رغم الجهود الكبيرة للحركة النسائية ذات الإنحيازات التقدمية ورغم جهود الدولة فى مراحل عديدة الا انها  تبقى فوقية ونخبوية.

ولعل المناخ الثقافى المعادى للمرأة والذى لا يرى فيها سوى مصدر لفتنة الرجال أو طريقهم للنار وعذابها .. هذا المناخ الذى مهده الإسلام السياسي بما يحمله من ثقافة ذكورية بالأساس وبما يملكه من نفوذ لدى البسطاء من أبناء الوطن فى ظل غياب أو تغييب للخطاب المستنير الذى يواجه تلك الثقافة الرجعية ولعل “أبو اسحق الحوينى ” قد إختصر الرؤية السلفية المتشددة للمرأة فى قوله “إن وجه المراة كفرجها ” هذا التشبيه الصادم الذى أثار جدلا وغضبا واسعا فى حينه.

والمتتبع لموقف “الحوينى ” وأنصاره سوف يكتشف أن السلفيين قد اصدروا خلال عام 2020  حوالى 50 ألف فتوى تحتل المرأة نصيب الأسد، بما يعادل 75% من تلك الفتاوى وكان هذا واضحا تماما من خلال موقعهم  «أنا السلفي» والذي أصدر 4021 فتوى، منها 2500 فتوى خاصة بالنساء، بخلاف موقع صوت السلف، وموقع الحويني التابع للشيخ السلفي أبي اسحاق الحويني.

ويستمر الموقف المتشدد تجاه المرأة وتأكيد الحركة وشيوخها  الدائم بأنهم لا يرون منها سوى جسد مثير للرجل وهذا ما أكدته فتوى “اسامة القوصى ” بأنه يجوز للرجل أن يرى المرأة وهى تستحم إذا كان يرغب فى الزواج منها “.

ومن جانبه أفتى السلفي “سامح عبد الحميد ” بالتحريم القاطع لعمل المرأة فى المناصب القيادية ورفضه تولى النساء موقع وزيرة فى الدولة او محافظ “.

هذه بعض النماذج الصارخة لطريقة تفكير تيار متشدد للمرأة ولا يتوقف الأمر عند احتفاظهم بتلك القناعات التى يثبتوها بتفسيرات نصوص دينية أو قصص من التراث لكن الأخطر أنهم على مدار نصف قرن سمح لهم بإعتلاء المنصات ومنابر المساجد لنشر تلك الأفكار وبث حالة رعب بإسم الدين فى نفوس من يخالفها تم ذلك عبر عقود والدولة – عامله نفسها مش واخده بالها – وكثير من المثقفين – عاملين نفسهم مش واخدين بالهم – والقليل منهم يخوضون معارك دونكشوتيه بجهد فردى ومتشرذم وغير منظم فى معظمه.

ليس هذا فحسب – رغم خطورته – الذى يقوض كل الجهود الرامية لتمكين حقيقى للمرأة بعيدا عن التمكين الشكلى لها .. لكن الخطر الإضافى هو ذلك المتمثل فى تسليع المرأة وتحولها فى نظر المجتمع إلى مجرد وسيلة أو سلعة جميلة أو تروج لشئ ثمين ذلك التلسيع الذى تنامى فى الثقافة الجمعية مع منتصف سبعينيات القرن العشرين وإرتبط بشكل مباشر بثقافة سياسة الانفتاح الإقتصادى وما حمله من قيم وسلوكيات كان فى مقدمتها تسليع كل شىء وأى شئ .. الثقافة والفن والتعليم والصحة والمراة والأطفال .. نعم كل شئ

فتحولت المرأة فى السينما والدراما التلفزيونية ومن خلال الأغنيات والإعلانات المختلفه إلى مجرد جسد لمخاطبة الغرائز وجذب الجمهور وزيادة التوزيع .

وصنعت تلك الهزة المجتمعية التى تشبه الزلزال واقعا جديدا وعلاقات مغايرة بين أطراف المجتمع ومكوناته .. وأظنها لا تزال مهيمنة على مفاصل المجتمع ومُتحكمة فى تفاعلاته حتى الآن.

وعلى الرغم من مخاطر الثقافة السلفية المتشددة وتأثيرات التسليع إلا أن المرأة المصرية ما تزال حضانة لوحدة الوطن وتماسكه وقابضة على جمر قيمه التى تتعرض للذوبان والتحلل .

تظل المرأة فى كل ربوع مصر هى صمام الأمان الرئيس وخط الدفاع الأخير عن هوية هذا الوطن وثقافته الوسطية المعتدلة وتاريخه النضالى  التى كانت وستبقى المرأة جزءا أساسيا منه لا يمكن ولن يتمكن أحد من إستبعاده أو إقصائه بحكم طبيعة المجتمع المصرى وبحكم طبيعة المرأة المصرية شديدة النبل والإيثار والتضحية من أجل أسرتها وطنها الصغير ومجتمعها بأكمله .

وستبقى مصر بخير طالما ظلت المرأة المصرية بخير

التعليقات متوقفه