صواريخ ” إسكندر” الروسية تثير الجدل على خلفية حرب ناجورنو كاراباخ

رئيس الوزراء الأرمينى يعلق هزيمته فى الحرب على السلاح الروسى 

556

تنشب الحروب والنزاعات، وتنتهى بانتصار هذا الطرف أو ذاك لكن الذى لا شك فيه أن الخبراء العسكريين عادة ما يقيّمون الأسلحة التى استخدمت فى الحرب، وكل دولة منتجة للسلاح حليفة لهذا الطرف أو ذاك تسعى لأن ينتصر سلاحها فى الحرب فهذا بلا شك يمنح الدولة التى انتصر سلاحها فرصة لبيع المزيد منه، وتطويره ليكون أكثر فتكاً، مثل ما حدث فى حرب فيتنام عندما انتصر السلاح الروسى فى الحرب على السلاح الأمريكى، لا بل على أمريكا نفسها، وفتح مجالا واسعا أمام الاتحاد السوفيتى آنذاك لبيع وتسليح جيوش العديد من الدول، كما أثبت السلاح السوفيتى (الروسى) نجاعة فى حرب أكتوبر 1973، وحقق النصر الثانى على السلاح الأمريكى فى فترة وجيزة، ما منح السلاح السوفيتى اليد العليا على السلاح الأمريكى. استمرت هذه المنافسة بين روسيا وأمريكا، وكلتا الدولتين تستغلان أى نزاع إقليمى لتجربة سلاح جديد من خلال الحرب بالوكالة عبر إمداد الأطراف بالسلاح والتخلص من السلاح القديم أو محاولة تطوير الأسلحة الموجودة فى ضوء الاستخدام فى المعارك العملية على الأرض، كما حدث فى سوريا مؤخراً، حيث قامت صواريخ “إسكندر” الروسية بدور مهم فيها .

أخر الحروب الحديثة التى نشبت هى حرب كاراباخ، كانت هناك منافسة بين السلاح الروسى (ارمينيا) والتركى الأمريكى الروسى وأضيف له السلاح الإسرائيلى (أذربيجان). كان من الواضح أن هناك تفوقا أذربيجانيا فى هذه الحرب الإقليمية المحدودة، ربما بسبب التعدد فى مصادر السلاح أو لأسباب أخرى منها المرتزقة المدربون والتدخل التركى المباشر، لكن على أى حال حاولت أرمينيا بقدر المستطاع وقف الهجوم الأذربيجانى الذى حقق انتصارات لا بأس بها على الأقل حركت قضية كاراباح من حالة الجمود، وحررت سبع مناطق حول كارابخ من الأراضى الأذربيجانية كانت أرمينيا تسيطر عليها.

وكان من الممكن أن تمر حرب كاراباخ كأى حرب إقليمية بالجلوس إلى مائدة التفاوض، وإيجاد حل يرضى كافة الأطراف، غير أن ما أثارته الصحافة الغربية حول صواريخ “إسكندر إي” الروسية التكتيكية التى تمتلكها أرمينيا وفشلها فى تحقيق تحول جوهرى أو حتى أى تحول فى مسار الحرب، ورغم تأكيد روسيا على عدم استخدام أرمينيا لهذا النوع من الصواريخ فى الحرب، إلا أن الصحافة الغربية أشارت إلى أن أرمينيا استخدمت هذه الصواريخ وأن أذربيجان اعترضت وأسقطت الصاروخ “إسكندر إي” بمنظومة إسرائيلية من نوع (باراك 8 ـ إى آر) تمتلكها القوات الأذربيجانية، ومازالت وسائل الإعلام الغربية تعزف على هذا الوتر المثير للقيادة الروسية باعتبار أن الصواريخ “إسكندر إي” التكتيكية روسية الصنع، ورغم قدمها نسبياً وأن هناك أجيالا حلت بعدها أكثر تطوراً فى القوات المسلحة الروسية، إلا أن الغرب ما زال يعزف على نفس الوتر، خاصة أن اذربيجان حققت انتصارا فى الحرب، أدى إلى تصدير نوع من عدم الاستقرار فى أرمينيا.

الجانب الروسى نفى بشدة استخدام الصواريخ من طراز “إسكندر إي”، وقال إن فرضية فشل هذا النوع من الصواريخ تأسس على كلمات ليس لها أى أساس، من مسئول اذربيجانى كبير غير معروف الاسم حتى الآن، وتم نشر هذا التصريح فى موقع  بريطانى يسمى “ميدل إيست آى”، وهو ما تناقلته وسائل إعلام أخرى مثل “افيا برو”. مما لا شك فيه ان منظومة “باراك 8 ـ إى آر” هى من تقوم بحراسة والدفاع عن منظومات النفط والغاز الأذربيجانية.

ثم اتضحت الحقيقة وبات معروفاً أن أول من أطلق التصريحات حول عدم فاعلية صواريخ “إسكندر إي” كان رئيس الوزراء الأرمينى نيكول باشينيان، ربما لتبرير هزيمة قواته فى الحرب، فأراد أن يلقى باللائمة على السلاح الروسى، خاصة بعد أن استسلم تقريباً وأعلن هزيمته فى الحرب، ومن ثم اندلعت المظاهرات المطالبة بإقالته. فى إطار تبرير باشينيان قال إن صواريخ “إسكندر إي” التكتيكية لم تنفجر إلا بنسبة 10%، استخدم باشينيان هذا المبرر فى تصريح شفهى اثناء نقاش مع الرئيس الأرمينى الأسبق سيرج سيرجسيان الذى وجه اللوم لرئيس الوزراء باشينيان على أنه لم يستخدم صواريخ “إسكندر إي” فى اليوم الرابع للحرب ضد المنشآت النفطية الأذربيجانية، تلقفت وسائل الإعلام الغربية كلمات رئيس الوزراء الأرمينى ونفخت فيها بغية تشويه سمعة السلاح الروسى. فقد فسرت وسائل الإعلام الغربية، كلمات رئيس الوزراء الأرمينى أن عشرة صواريخ اطلقوا أنفجر منها صاروخ واحد فى الهدف، وأن الصواريخ لا تعمل.

غير أن البعض تحدث عن أن ما لدى أرمينيا هى صواريخ “إسكندر إي” فى حين أن الجيش الروسى يمتلك النوع الأكثر تطوراً من هذه الصواريخ وهو “إسكندر ـ إم”، رغم أن هذه الصواريخ تسلمتها أرمينيا عام 2006، وأنها تدربت عليها وكانت تصيب الأهداف بكل دقة. الخبراء العسكريون الروس تحدثوا عن أنه من الصعب اعتراض الصواريخ “إسكندر ـ إى” وأشاروا إلى أن الصاروخ استخدم بنجاح كبير فى سوريا ضد تجمعات الإرهابيين. ومع تأكيد الجانب الروسى على أن ارمينيا لم تستخدم هذه الصواريخ أثناء حرب الخريف الماضى فى كاراباخ، إلا انهم افترضوا عددا من الأسباب لعدم فاعلية هذه الصواريخ فى حال استخدامها : 1 – أن تكون باكو قد حلت وعرفت ترددات صواريخ “إسكندر إي” قبل الحرب، شئ مثل هذا حدث مع فيتنام عام 1967، عندما قدم الاتحاد السوفيتى لنظام سوكارنو الحليف للاتحاد السوفيتى فى إندونيسيا عام 1962، مجموعات صواريخ “سا ـ 75” مضادة للطائرات، وفى عام 1965 حدث انقلاب وتولى السلطة سوهارتو الموالى للأمريكيين، وبعد فترة أعطى ترددات الصواريخ السوفيتية للأمريكيين، حينها استطاع الطيارون الأمريكيون تحويل الصواريخ المضادة للطائرات فى أيدى الفيتناميين إلى عديمة الفائدة والتأثير على الطائرات الأمريكية، ولم يدرك الفيتناميون هذا الأمر إلا عندما أسقطوا طائرة وأسروا الطيار الذى أخبرهم بحصول بلاده على شفرة وترددات الصواريخ السوفيتية. 2 – عدم الحسابات الدقيقة لإطلاق الصواريخ من قبل العسكريين الأرمن، ويشير الخبراء الروس إلى أن الجيش الأرمينى لم يقم بالصيانة المطلوبة لهذا النوع من الصواريخ. 3 – ثم تطرق الخبراء الروس إلى الجانب السياسى لتصريحات رئيس الوزراء الأرمينى، عندما قالوا إن صواريخ “إسكندر إي” لا يمكن أن تساعد باشينيان فى الجلوس على مقعدين فى آن واحد، وحسب رأى الخبراء الجميع يعرف أنه ينتهج سياسة موالية للأمريكيين والغرب، وهى السياسة التى لا تجد صدى كبيرا لدى معظم المواطنين الأرمن، لهذا أطلق باشينيان هذه الفرية عن عدم صلاحية الصواريخ الروسية، وكان يهدف منها إلى تبرير عدم جاهزية الجيش الأرمينى للحروب الحديثة، ومحاولة إلقاء الذنب والأخطاء الجسيمة فى الحرب على روسيا وسلاحها. ولضحد مبررات باشينيان أتصلت صحيفة “يريفان توداى” بنائب رئيس الأركان الأرمينى تيران خاتشيتيريان، الذى ضحك الرجل العسكرى بشدة على كلمات باشينيان مندهشاً قائلاً إنه من غير الممكن ألا تنفجر الصواريخ، وقال إنه من غير اللائق الحديث عن هذا.

على أى حال كذب باشينيان لم يؤثر كثيراً على الرأى العام ولم ينقلب على روسيا كما كان يريد رئيس الوزراء الموالى للغرب والذى جاء للسلطة نتيجة ثورة ملونة، لم تكن روسيا راضية عنها، على أى حال روسيا هى من أنقذت أرمينيا من هزيمة ساحقة من احتلال جزء من أراضيها، ولا أتصور ورغم الحياد الروسى فى النزاع الداخلى الحالى فى يريفان، إلا أنها لا تثق فى رئيس الوزراء باشينيان، وهى تدرك تماماً، أنه سيسقط لا محالة، خاصة وأن حليف أذربيحان هو تركيا العدو اللدود لأرمينيا والتى لها طموحات جيوسياسية فى وسط أسيا وتحلم بتركستان الكبرى حتى غرب الصين، وتدرك كذلك أن الغرب لن يتدخل بحيث يردع تركيا كما يجب فهى عضو فى حلف الناتو. فى تقديرى بدأ العد التنازلى لسقوط باشينيان، وعلى أرمينيا أن تعيد تحالفها القديم مع روسيا، الذى أراد الغرب أن يقطعه بغير رجعة من خلال الترويج لفساد الصواريخ الروسية.

التعليقات متوقفه