إقبال بركة تكتب:أمى وأبي وأنا..

674

شكشكة
أمى وأبي وأنا..
بقلم إقبال بركة
فى سنوات مراهقتى كنت شديدة التعلق بأبي. كنت أراه أعظم رجل في العالم، وكان يعرف ذلك ويردد على مسامعى «كل فتاة بأبيها معجبة»، أي أنه كان يرى ذلك أمرا طبيعيا لا جديد فيه. فكل فتاة تحب أباها وتعجب به. وكانت أسعد كثيرا حينما أسمعه يقول إنى ورثت منه أشياء كثيرة. ولعي بالقراءة أولها، الذى مازال يلازمنى حتى يومنا هذا، فأنا، منذ طفولتى، أقرأ كل ما تصادفه عيناى، جريدة او ربما قصاصة ورق إلى جانب الكتب بالطبع. ورغم هذا اعترف بأن الفضل الأول لنجاحى ككاتبة كان لأمي رحمة الله عليها، ولعلي ما كنت سأصبح كاتبة معروفة بدون أمي، فكم حكت لي أكثر من مرة، كانت متفوقة في المدرسة وتعشق القراءة، ولكن وفاة والدها مبكرا، جعل أعمامها يمنعونها من الذهاب للمدرسة خشية تعرضها للمعاكسات! وتضيف بمرارة: كنت أبدو أكبر من عمرى الحقيقى، فحرمونى من استكمال تعليمى!.
تيتمها المبكر وحرمانها من التعليم جعلاها تقع في غرام والدى، رغم إن فارق السن بينها وبينه لايقل عن ربع قرن، فهي كانت تبحث عن أب، وليس عن عشيق أو زوج. ولعل هذا مايبرر شجاعتها في إعلان حبها والدفاع عنه والاحتفاظ بمشاعرها تجاه والدي، رحمه الله، حتى آخر يوم فى حياته، وحتى يوم وفاتها بعده بثلاث سنوات.
تعلمت من أمي الكثير من الأمور التى أفتخر بها، ومازلت احتفظ بها إلى يومى هذا. تعلمت، أن أؤدي واجبى كاملا دون إنتظار لتقدير أو مكافأة، فالنجاح فى حد ذاته هو المكافأة. ولذلك تفوقت فى كل مراحل دراستى وتخرجت أول الدفعة، ولكنى رفضت ان أعين معيدة أو أكمل الماجستير والدكتوراة. فذلك لم يكن هدفى الأساسى، بل متعة العمل والتفوق في حد ذاتها. كان ترتيبى الأولى على دفعتى بكلية آداب الإسكندرية قسم اللغة الانجليزية، وبعد إعلان النتيجة استدعيت للقاء د. نور شريف، التى كانت ترأس القسم وقتها. كانت لها هيبتها ومكانة عالية في الجامعة، وكنت أعرف لماذا استدعتنى. فمن الأمور المعتادة أن يتم تعيين أول الدفعة معيدا بالقسم. هذا ما كان يحدث في الستينيات من القرن الماضى، ولعله مازال مستمرا إلى اليوم. عرضت على د. نور ان أهيأ نفسى للتعيين معيدة بالقسم، وقالت إنها ترحب بى فى ذلك المنصب. كان العمل بالتدريس الجامعى شرفا كبيرا، وفرصة رائعة للسفر إلى الخارج للحصول على الماجستير ثم الدكتوراه من إحدى الجامعات الأجنبية. حلم أي شاب أو شابة في سنى. السفر لأوروبا والتعيين بالجامعة. فرصة لا تتاح إلا للقليلين، وإعلان مؤكد عن التفوق والذكاء والجدية والمستقبل المرموق. ولكنى رفضت كل هذا..! لا أعرف إن كان تهورا أم جنونا، ولكنى لم أندم أبدا على هذا القرار! كان حلمي أن أكتب وأن تصبح الكتابة حياتي، لكى أحقق حلم أبي الذى منعته ظروفه الصعبة ومسئولياته الكبيرة من تحقيقه. وكان الطريق لهذا الحلم صعبا ومحفوفا بالمخاطر، وقد أكتب عنه فى مقالة قادمة، ولكن تصميمى على تحقيق الحلم منحنى قوة وإصرارا ادهشا كل من التقيت بهم. والأهم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى مهد طريقى وساعدنى حتى عينت رئيسة تحرير في زمن قياسى، كما احتفظت بالمنصب لفترة طويلة غير مسبوقة. أكتب هذا بمناسبة يوم المرأة العالمى، الذى تبوأت فيه نساء كثيرات أعلى مكانة فى مصر وكل دول العالم، وكنت واحدة من بناتها اللاتي رددن لها الجميل.
وشكرا لأبي ولأمى وكل من وقف إلى جانبى ونسى مهاترات المرضى نفسيا وادعاءاتهم الغبية.

التعليقات متوقفه