توتر على خطوط التماس :الناتو يستفز روسيا فى منطقة السيل الشمالى ـ 2

موسكو تدعم مواقعها فى القرم وبالقرب من شرق أوكرانيا

526

تعتبر الأوضاع الموجودة حالياً بين روسيا وجلف الناتو هى أقرب إلى حالة الصدام منها إلى حالة السلام، ففى منطقة إنشاء خط أنابيب الغاز السيل الشمالى – 2 ببحر البلطيق لاحظت روسيا نشاطا غير معتاد لسفن حربية وغواصات وطائرات أجنبية فوق المياه الدولية لبحر البلطيق الذى تطل عليه دول البلطيق الثلاثة لاتفيا وليتوانيا وإستونيا بالإضافة لألمانيا التى من المفترض أن يصل إليها خط أنابيب الغاز السيل الشمالى- 2. حدث هذا يوم 28 مارس 2021.
وبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشركات العاملة فى خط أنابيب الغاز، مما عطل العمل بالخط وموعد افتتاحه للعمل، كما فعلت واشنطن فى ستينيات القرن الماضى مع السيل الشمالى إبان وجود الاتحاد السوفيتى، نجد أن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو قد بدأت نوعا من التحرش العسكرى. حادث آخر حدث فى اليوم التالى 29 مارس 2021، وفق تصريح رئيس السيل الشمالى ـ 2 أندريه مينين، فقد طاف حول سفينة التى تمد خد الأنابيب “فورتونا”، سفينة عسكرية بولندية، لهذا الموقف قامت سفينة الدعم اللوجستى “المنقذ كاريف” أن تسير بالتوازى مع السفينة البولندية لإبعادها عن موقع العمل.
الشركة العاملة فى إنشاء خط الأنابيب أشارت إلى أن نشاط السفن سواء المدنية أو العسكرية فى منطقة العمل يعد خرقاً لمنطقة تحت الحراسة لإنشاء المشروع، ومن الخطر الاقتراب من السفينة التى تمد الأنابيب فى قاع البحر. رغم نداءات البارجة “فورتونا” بالابتعاد. على سبيل المثال يوم 22 فبراير فى منطقة العمل عند الجزيرة الدنماركية بورنخولم، دخلت سفينة صيد بولندية، مما اضطر سفينة مد الأنابيب إلى التضييق عليها لتخرج من منطقة العمل.
هنا الحديث يجرى عن عمليات استفزاز مخطط لها ومتعمدة، باستخدام سفن الصيد والسفن الحربية بل والغواصات أحياناً، بهدف إعاقة إنشاء مشروع اقتصادى مهم لروسيا وأوروبا، وهذا يعتبر أول سابقة من هذا النوع فى تاريخ العلاقات بين الدول. كانت الشركة قد أعلنت من قبل أن المشروع جاهز بنسبة 95% ولم يبق سوى مد 120 كم من الأنابيب، وتقوم بهذا العمل سفينتان مخصصتان لهذا الغرض هما “فورتونا” و”الأكاديمى تشيرسكى”.
تجدر الإشارة إلى أن السيل الشمالى عبارة عن خطى أنابيب السيل الشمالى ـ 1 والسيل الشمالى ـ 2، وبذلك يكون عبارة عن فرعين من أنابيب الغاز يبدآن من الساحل الروسى عبر بحر البلطيق ليصلا إلى ألمانيا، لكن بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات على الشركات العاملة فى خطى السيل الشمالى ـ 2 عام 2019، وهو الأمر الذى عطل العمل فى خطوط الغاز هذه لمدة عام، وإن كان رئيس مجلس إدارة غاز بروم الروسية العملاقة قد صرح بأن العمل فى خط أنابيب السيل الشمالى ـ 2 سينتهى هذا العام.
بولندا من جانبها نفت نفياً قاطعاً قيامها بأى أعمال استفزازية فى منطقة عمل مد خط أنابيب الغاز السيل الشمالى ـ 2، وقالت بولندا إن القوات البحرية البولندية تقوم بأعمالها العادية وفق المواثيق الدولية، لكن على الجانب الروسى أشارت الأنباء إلى أن روسيا بدأت ترد على الناتو لكن فى موقع أخر وهو شبه جزيرة القرم، حيث أشارت وسائل إعلام أمريكية إلى أن روسيا نقلت كميات كبيرة من المعدات العسكرية بينها دبابات وسيارات مدرعة وغيرها من الآليات إلى شبه جزيرة القرم التى لا تعترف أوكرانيا بأنها جزء من الأراضى الروسية، لكن روسيا أشارت إلى أن القوات الروسية لها مطلق الحرية فى الحركة والمناورة على أراضيها. من المعروف أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يقومان ببناء قاعدة عسكرية فى ميناء أوديسا على البحر الأسود وفى زوبورجيا فى شرق أوكرانيا، وروسيا، كما قال أحد المسئولين الروس، تحاول مواجهة الناتو الذى يقترب من حدودها الدولية ولها الحق فى الدفاع عن أراضيها، ونشر قواتها فيها.
جاءت التحركات الروسية تجاه القرم بعد تصعيد خطير فى شرق أوكرانيا حيث مقاطعتى لوجانسك ودنيتسك الأوكرانيتين، واللتان أعلنتا استقلالهما من جانب واحد، وعلى خلفية هذا دعت روسيا لعقد اجتماع لمجموعة نورماندى الخاصة بتسوية الأزمة فى جنوب شرق أوكرانيا والتى تضم فرنسا وألمانيا وأوكرانيا وروسيا. من ناحية للتهدئة وكما قال نائب وزير الخارجية الروسى إن وجود قوات للناتو فى أوكرانيا للدفاع عنها سيزيد من التوتر وكل ما تفعله روسيا هو تأمين حدودها، ومن ناحية أخرى بحث المستجدات على الساحة الأوكرانية وفى بحر البلطيق، ترفض فرنسا وجهة نظر ألمانيا فيما يتعلق بمشروع السيل الشمالى ـ 2.
فيما يتعلق بالسيل الشمالى ـ 2 وضغط الولايات المتحدة لإفشال هذا المشروع فالأمر يأتى فى إطار سعى واشنطن للضغط اقتصادياً على روسيا من ناحية، وبيع واشنطن للغاز الأمريكى المسال لأوروبا، فهى ترى أنها الأولى بهذا الجزء من الكعكة، خاصة أن لديها فائضا من الغاز المسال بدأت فى تصديره بالفعل إلى بولندا وليتوانيا، وتخشى الولايات المتحدة من سيطرة روسية على القرار السياسى الأوروبى، عن طريق مصادر الطاقة، خاصة أن الغاز الروسى هو الأرخص سعراً (الأمريكى أغلى بأكثر من 20%) وليس هناك مجال لمقارنة الغاز الأمريكى به من الناحية السعرية، كما أن الغاز الروسى من الحقل إلى الموقد أو المصنع مباشرة وهذا يعطيه ميزة غير موجودة فى الغاز المسال الأمريكى الذى يجب تحويله فى البداية إلى الحالة الغازية لاستخدامه بعد ذلك.
كما أن هناك عددا من العناصر المنافسة للغاز الروسى من جهات أخرى منها الغاز الإسرائيلى القبرصى فى شرق المتوسط، حيث يمكن تسييله ونقله إلى أوروبا لحين إنشاء خط أنابيب، وسيكون منافسا قويا للغاز المسال الأمريكى لقرب المسافة من أوروبا، وهناك الغاز القطرى الذى يذهب فى معظمه لجنوب شرق آسيا وقليل منه لأوروبا، وإن كانت تركيا تسعى لتمرير الغاز الأذربيجانى عبر أراضيها فى أنابيب، وهذا يمكن أن يكون منافسا قويا للغاز الروسى، والغاز الإيرانى فى حالة رفع العقوبات وتحسن العلاقة مع أوروبا وهو ممكن أيضاً أن يمر فى أنابيب عبر تركيا لأوروبا.
لاعبو الغاز كثيرون، وكلهم يحاولون منازلة الغاز الروسى، الذى حفر طريقه منذ عشرات السنين فى أوروبا، والذى لم تستخدمه روسيا فى أى وقت من الأوقات كسلاح سياسى، بل حتى أثناء الأزمة الجورجية – الروسية عام 2008، لم تقم روسيا بأى عمل يقلل من إمدادات الغاز لأوروبا رغم وقوف الدول الأوروبية فى معظمها إلى جانب جورجيا، روسيا دولة صاحبة تقاليد، وهى ليست مصدر غاز منذ الأمس وأول أمس، فهى أمدت أوروبا بالغاز والنفط فى أوج الحرب الباردة، رغم الستار الحديدى، ولم يحدث أن قطعت روسيا إمدادات المحروقات عن أوروبا.
بقيت كلمة أخيرة السيل الشمالى 1 و2، سينقل لأوروبا 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، كل فرع 27,5 مليار متر مكعب، فقد استطاع الخط نقل 58,8 مليار متر مكعب فى عام 2018، وفى عام 2017 51,1 مليار متر مكعب، وهو ما يجعل اللاعبين الآخرين يبدون أقزاما إلى جانب القدرات الروسية فى مجال تصدير الغاز، كما أن روسيا لديها مستورد آخر للغاز الروسى وهى الصين عن طريق أنابيب “سيبيريان باور”، وتسعى روسيا حالياً إلى دخول مجال الغاز المسال، لتتغلب على البعد الجغرافى لمستوردى الغاز.
كان هدف روسيا من إنشاء السيل الشمالى ـ 2 هو التغلب على العبور من خلال أوكرانيا عبر خط الأنابيب القديم والذى تستغله أوكرانيا استغلال ليس فى صالح روسيا كما أن موسكو أرادت معاقبة أوكرانيا على مساعيها للانضمام للناتو والاتحاد الأوروبى مما سيشكل خطرا استراتيجيا على روسيا.
فهل يبقى التوتر مجرد توتر أم يزكى نزاع القرم والدنباس النزاع ويصب الزيت على النار. وهل يكون التوتر الأمريكى ـ الروسى الحالى سبباً لصدام بين روسيا وحلف الناتو فى بحر البلطيق هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

التعليقات متوقفه